خطاب الثورة السورية..من بلاغة المتكلم إلى بلاغة الجمهور

موقع الكتابة الثقافي
Share on facebook
فيسبوك
Share on twitter
تويتر
Share on whatsapp
واتس أب
Share on telegram
تيليجرام

 

الدكتورة : حمو الحاج ذهبية

لقد شهدت العرب عبر عصور متفاوتة علاقة متينة بين الأدب والثورات، لأن الأدب هو الحامل والناقل الأفضل للأفكار والمكبوتات بما فيها من محن وطموحات، وإنْ تحدّثنا عن النص الأدبي على أنّه خطاب بالمفهوم الحداثي فذلك يبوئه مكانه في التعبير عن الوعي السياسي الجماهيري، والحديث عن التواصل يحيلنا إلى ما يدعى بالخطاب الذي أصبح وسيلة سيّدة في عصر السرعة الإعلامية ووسيلة في أيدي من يمتلكه، سواء للتعبير أو للحجاج، أو للدفاع عن الآراء ....

وبما أنّنا في مرحلة حرجة نشهد فيها ثورات عربية عارمة ضدّ الحكم السائد، نودّ معرفة موقع الخطاب من ما دعي بربيع هذه الثورات. ثمّ أليس لهذا الخطاب ما قبل وما بعد الثورات؟.

إنّ الخطاب الما- قبل كان خطابا في اتجاه واحد عاكسا للبلاغة• التقليدية التي تمجدّ المتكلم على حساب المخاطب الذي يُعدّ طرفا فاعلا في أدنى مرتبة، دون أن تتنبأ بانقلاب أطراف العملية الخطابية، إذ أصبحنا نتحدث عن بلاغة الجمهور، التي يحتل فيها المخاطَب دورًا مركزيًا في الفعل البلاغي(1 ).

 

لقد أثبت الخطاب الناشئ للثورة بجلاء أنّ دوام الحال من المحال، فهو خطاب أوضح سياسة القمع والسلطة الجائرة على الشعوب التي كانت ترضى بالقليل، وترجم هذا الخطاب الثوري معاناة عميقة من الصعب مداواتها، والفضل يعود إلى تطور تقنيات الاتصال الحديثة التي أثبتت فعاليتها في تغيير الواقع، الشيء الذي لم نشهده مع المسرحيات والروايات والشعر الذي أُلّف لسنوات عدّة ماضية، وإن تحدّدت ملامح الخطاب ما بعد الثورة، ولكنه يبدو غير مؤكدا، لأنّ الانتفاضة في بلاغتها لم تصل بعد إلى الهدف المقصود، وذلك أنّ الخطاب انتقل إلى مخاطَب غير متهيئ لتقبّله، وهو مناقض لما ذهب إليه الآمدي من حيث كون الخطاب يقصد به إفهام من هو متهيئ لفهمه، ومادام الطرف الثاني غير مستعد للتخلي عن مقاليد الحكم، فبلاغة الجمهور التي حددها عماد عبد اللطيف بقوله:”فموضوع بلاغة الجمهور هو الاستجابات التي ينتجها الجمهور أثناء تلقيهم للخطابات الجماهيرية التي تبثّها وسائل الإعلام. وهي تعنى بشكل أساس بالعلاقة بين هذه الاستجابات والسلطة التي يمثّلها الخطاب الجماهيري أو يسعى إلى ترسيخها أو إضفاء الشرعية عليها”(2 ) ، بلاغة سوف تتأرجح بين النجاح والفشل، لأن ما يدعى بالتفاعل مجهول وغير محدد الآفاق.

إنّه ليس من المعقول أن تكتمل العملية التخاطبية إلاّ بحضور عناصرها وهي المخاطِب، المخاطَب، الخطاب (الموضوع) والسياق، ونجاح هذه العملية مرهون بالتفاعل بين المخاطِب والمخاطَب.

لقد ركّزت البلاغة التقليدية العربية على الطرف الأول من العملية الخطابية وجعلت منه أساس البلاغة أجمع، حتى أصبحت كل الدراسات منصّبة حوله من حيث دراسة الاستراتيجيات الخطابية التي يقتفيها لإقناع الجمهور، ودراسة الوسائل والطرائق التي توصله إلى ذلك، فقد قال عبد الهادي بن ظافر الشهري: “المتكلم هو الذّات المحورية في إنتاج الخطاب، لأنّه هو الذي يتلفظ به، من أجل التعبير عن مقاصد معيّنة وبغرض تحقيق هدف فيه”( 3)، فمركز الخطاب إذن هو المتكلم الذي يتصرف في اللغة ويجعلها لصالحه خادمة لمصالحه، والمخاطِب السياسي أكثر تمثيلا لهذا الطرف، فهو الذي يوظّف عدّة بلاغات للوصول إلى أهدافه، منها بلاغة التحايل وبلاغة المغالطة وبلاغة الكذب…

إنها بلاغات يتعامل معها الجمهور متأثرا منجزا أفعالا إزاءها، فمن اللحظة التي فهم الطرف الثاني من العملية الخطابية أنّ البلاغة لم تعد تعني الابلاغ وفقط، تطور المفهوم إلى ما يُدعى ببلاغة الجمهور.

إنّ الانتقال من بلاغة المتكلّم إلى بلاغة الجمهور سببه لا يعدو أن يكون الوعي بالقضايا التي تدور حول الأشخاص وأحوالهم، فلم يعد الجمهور العربي عامة والجمهور السوري بخاصة أميّا، جاهلا بالحقائق التي تحيط به. لقد عاش الشعب السوري حياة هادئة يميّزها الخضوع والإذعان، وهو ما طوّر البلاغة بمفهومها الأوّلي وسمح لها بالولوج إلى قمّة عليا تجسّد بلاغة العرب القدماء في زمانهم، وسمح للخطاب السياسي الأحادي التوجه بالسمو لأنه احترم استراتيجيات نصيّة وغير نصيّة، وأدّى إلى أن يعيش طويلا في أوساط الشعب السوري ، ومثلما قيل:” الخطاب السياسي خطاب اجتماعي يرتبط بالمجتمع السياسي الذي يوجه إليه ويحمل قيمه…”(4 )

والحديث عن دوام هذا الخطاب المتسم بالضغوط والقهر والقمع، هو حديث عن المخاطب الفاعل والأساس في تحديد معنى الكلام الخاضع للملمح التداولي الذي أنشأه، ووجّهه، … يقول أبو الهلال العسكري: “المتكلم هو فاعل الخطاب”( 5) وهو ما يؤدي إلى ربط الفعل بالانجاز الذي تجلى في البلاغة القديمة في الأفعال ذاتها لأنّ التركيز كان متوجّها إلى الفعل السياسي الذي كان مواجها للكلام، وبهذا التحول يمكن القول أنّ اللغة السياسية قد أعيد لها الاعتبار، وشكل الفعل ضمنها محلّ الصدق، لأنّ الجمهور يتصرّف وفق ما يراه من أفعال منجزة، ومن هذا المنطلق يمكن القول أنّ المتكلم/ المخاطِب كان ذا أهمية كبيرة في الخطاب النقدي العربي ويعكس خلفيات إديولوجية عميقة، وذلك حسب المنطلق العقائدي، يقول عبد الفتاح أحمد يوسف: “المتأمل في الخطاب النقدي العربي حول النصّ في دراسات القدماء كالجرجاني، وابن قتيبة والجاحظ، وابن الرشيق… وغيرهم يُدرك اهتمامهم بالتركيز على المؤلف والمعنى الذي يقصده داخل النص بوصفه مركزا للعملية الإبداعية”(6 ).

إنّ مسألة الإبداع تبدو بعيدة عن الخلق اللغوي الأدبي، لأنّ المخاطِب السياسي يخلق لغة بسيطة فاعلة تتوغل في فؤاد الجمهور وتجعله يذعن ويقتنع، إذن هو إبداع مرتبط بالواقع وليس بالخيال، إذ كلّما سكت المخاطَب ولم يدع إلى الثورة كان ذلك في صالح المخاطِب الذي استطاع أن يوظف اللغة ويراوغ ويتمكن من خلالها كسب صمت الجمهور.

إنّ لعبة اللغة التي تحدّث عنها فجنشتاين wittgenstein تحيل إلى كفاءة المخاطِب السياسي في اختيار الألفاظ وتركيبها، وكفاءته على تحميلها شحنات دلالية تداولية تخترق العقل والجسد، يقول أحد الباحثين: “إذا كانت اللغة تسهم في عملية التخاطب بتزويد المتخاطبين بالمادة اللغوية الخام، فإنّ الكفاءة اللغوية للمخاطِب (المتكلم) كفيلة بالقيام بتركيب الرسالة المبلغة تركيبا سليما، لأداء مهمة الإبلاغ والإفادة إحداثا وإفهاما، وتكفل الكفاية التخاطبية بنجاحه في استخدام المقولات اللغوية استخداما مناسبا للسياقات المختلفة، ومعينا على تحصيل غاية التفاهم بينه وبين مخاطبيه”(7 ).

في الحقيقة، تبدو كلمة المخاطَب في الخطاب السياسي حسّاسة لأنّها تستدعي التجاوب والتفاعل، يقول عماد عبد اللطيف:” تتخذّ بلاغة المخاطَب من طبيعة الاستجابات البلاغية الفعلية والمحتملة للمخاطَب الذي يتلقى خطابا بلاغيا عاما موضوعا لدراستها، كما تحاول أن تطوّر مقاربة خاصة لدراسة هذه الاستجابة”(8 ). وإذا تحدّثنا عن سياسة القمع والإخضاع فلا بدّ أنّ يتحول هذا المفهوم إلى مفهوم آخر وهو المتلقي لأنه الأكثر تمثيلا لهذا الموقع في مثل هذه الخطابات، ذلك أنّ الخطاب في هذه الحالة أحادي الاتجاه. وإذا تصوّرنا خضوع الشعب السوري للقمع الكلامي نظرا لما تفرضه السياسة المطبقة، فيمكن التلميح إلى طرف سلبي ظاهريا لأنّنا لا يمكن أن نخلع عنه ميزة الفعل والتدبر.

لا يقل دور المخاطَب (المتلقي) أهمية عن دور المخاطِب عند أغلب الباحثين، لأنّه مدعوّ إلى الاستفادة من المقاصد التي يبثها المخاطِب في خطابه، فهو يقوم دوما بتفكيك المعنى وإعادة بناءه بالاستناد إلى العمليات الذهنية، واستدلال قصد التأويل المناسب حسب المقامات والظروف التي يعيشها، وذلك فيما يتيحه له عقله ومعرفته. فمن الواضح أن كفاءة المخاطَب لا تقل عن كفاءة المخاطِب، إذ يشاركه في الفهم وتقاسم الآراء حينا، والطعن فيه ومخالفته حينا آخر وذلك لا يتم إلاّ بعد عملية التفكيك التي توجه المخاطَب وجهة حجاجية محدّدة لا تتقاسمها وجهة حجاجية مضادة، يقول أحد الباحثين: “إنّ وظيفة المخاطَب في عملية التخاطب والتلقي هي وظيفة التفكيك، أي تفكيك الرسالة اللغوية، وهو دور إيجابي من حيث كونه مكمّلا لعملية التركيب التي قام بها المخاطِب، وذلك لأنّه ليس هناك عملية تخاطب يتم إنجازها دون أن تمرّ بمرحلتي التركيب والتفكيك”( 9).ولكن هذه النظرة تبدو مثالية، وكأنها تجسّد مقولة القدماء في حديثهم عن الفهم والإفهام(10 )، والأمر مع الشعب السوري كمخاطَب سلبي يبدو مخالفا لهذا المعيار لأنّه لا يشارك في العملية الخطابية، فيمكن الحديث عن الفشل العارم للخطاب السياسي، ولكن مهما كان من أمر يمكن التوجّه إلى مفهوم المشاركة الخطابية في صمت.

والسؤال الذي نطرحه، لماذا المشاركة في صمت؟ وما هي مخلفات هذا الصمت؟ علمنا منذ الأزل أنّ كثرة الصمت والاستمرار فيه يولّد الانفجار، لأنّ ليس هناك ما هو أصعب من الصمت الكلامي، الصمت الذي يجسّد الانمحاء واللاوجود، مثلما علمنا أن الناس يتأثرون أكثر بمشاعرهم، وفي ذلك يقول محمد العمري: “… إنّ عامة الناس يتأثرون بمشاعرهم أكثر ممّا يتأثرون بعقولهم، فهم بحاجة إلى وسائل الأسلوب أكثر من حاجتهم إلى الحجة…”( 11).

وإن كانت البلاغة منذ البداية ترمي إلى إقناع الآخر، إلا أنها اكتسبت مفاهيم متعددة، انتقلت بها من مفهوم الزخرف اللفظي والمحسنات البديعية، إلى مفهوم الإقناع بالحجّة إضافة إلى أدوات إجرائية أخرى تلعب دورا حاسما في العملية الخطابية، وهو ما أصطلح عليه بالبلاغة الجديدة La nouvelle Rhétorique، يقول صلاح فضل: “ولد مصطلح البلاغة الجديدة ذاته عام 1958، في عنوان أحد الكتب الشهيرة التي وضعها المفكر البولوني المولد، البلجيكي المقام برلمان Perelman، تحت اسم: “مقال في البرهان: البلاغة الجديدة” … ويلاحظ عموما على مبادئها أنها تدور حول وظيفة اللغة التواصلية، وأنّها ليست منبتة الصلة بالتقاليد البلاغية الكلاسيكية، على اعتبار أن منظر الخطاب البرهاني يهتم بدوره بالأشكال البلاغية، كأدوات أسلوبية ووسائل للإقناع والبرهان…”(12 ).

فمن الملاحظ أن الدراسات البلاغية حاليا انتقلت في الممارسة البلاغية من الأدب الراقي إلى حقل الخطابات التي يعيشها المواطن في يومياته المختلفة والعادية، وفي هذا إشارة إلى ما يتعرض له المواطن العربي عامة والمواطن السوري بخاصة إلى أنواع متميزة من الخطابات تباينت في منشئها وفي الطرائق والوسائل التي وصلت بها إلى الجمهور، فيمكن القول أنّها اختلفت في مدى تأثيرها، وإن قامت الكتب والصحف والجرائد واللافتات والإذاعة بزخرفة الوعي الفكري، فإن الشبكة العنكبوتية قامت بأكثر من ذلك، إذ العالم أصبح قرية صغيرة تنتقل فيها المعلومة بسرعة مذهلة، مخترقة كل الحواجز الوهمية بين الأقوام المتباعدة، يؤكد عماد عبد اللطيف ذلك بقوله:” فهناك نصوص وكلام ديني وسياسي وإعلامي، قد تستخدم في نقلها وسائط مرئية مثل الصحف أو الكتب أو اللافتات، أوساط مسموعة مثل شرائط الكاسيت والإذاعة، أو وسائط مسموعة مرئية مثل التلفزيون والسنيماء والأنترنت. تتنوّع هذه النصوص بتنوّع أغراض من يقوم بإنتاجها وسياق تداولها”(13 )، والثورة السورية تعدّ من مخلفات هذا التطور التكنولوجي الذي سمح للناس بالتواصل فيما بينهم، ونشر قراراتهم بشكل سريع والانتظام من أجل الحرية وعزّة النّفس، وبكلمة أعمّ من أجل التغيير، لأنّ الأمة العربية لم تعد أميّة مثلما كانت منذ سنوات خلت، ولكنّها حرّكت وعيها الفكري، وأرادت أن تجسده على أرض الواقع باختراق كلّ الأزمات والحواجز التي وضعتها الحكومات التي تأكل من أجساد الفقراء، وتشرب من أحلامهم الساذجة.

إذن من المهم معرفة أنّ وسائل الإعلام بإمكانها أن تعيد صناعة العالم بنقرة واحدة، فالثقافة البصرية ساهمت في تشكيل نسق ثقافي، بإزاحة نسق ثقافي آخر كان مهيمنا لقرون طويلة، كان محوره هو الكلمة. وخصوصية الثقافة الجديدة تعني امتلاك سلطة التأثير في الجمهور بشكل قد يفقده القدرة على التحكم فيما يتلقاه من أوامر ومحفّزات. هذه الميزة في الحقيقة ليست إلاّ وليدة سياق تاريخي معيّن متحوّل وغير مستقرّ، تسيطر عليه قوى سياسية واجتماعية واقتصادية وثقافية، يقول عماد عبد اللطيف:” فالسياسة لا يمكن أن توجد بدون التواصل السياسي الذي يعتمد بشكل أساسي على اللغة، وبحسب موري ادلمان فإن السياسة هي مسألة كلمات إلى حدّ كبير “(14 ).

إنّ تحول اللغة إلى خطاب في العصر الحديث ووفق المعطيات السابقة قائم على الطرف الثاني من العملية الخطابية وهو الجمهور الذي يمثل طرفا فاعلا في إنتاج ما يدعى بالخطابات الجماهيرية. إنّ الجمهور ليس مستقبلا فقط، أو مستقبلا سلبيا، لأنّه إضافة إلى عملية إنتاج معنى نص المتكلم يتوجّه إلى إنتاج نصّه وذلك بعد التغييرات التي يحدثها على الرسالة المستقبلة ومن خلال استجابته لها بطريقة محدّدة. إنّ الجمهور المرتبط بالتكنولوجيا يتحدّى العصر بإمكانية استجابته السريعة وردود أفعاله الآنية نظرا لما تفرضه التكنولوجيا الحديثة ممّا يؤثّر على مواقفه وآرائه ويستجيب وفق ما يفرضه وعيه ودرجة ثقافته.

وإذا افترضنا أنّ الجمهور قادر على فهم النصوص التي يستقبلها وتعديلها وتصويرها، فإنّ هذا الجمهور بالذات قادر على التمييز بين الخطابات، من الخطابات التي تساند قضيته، إلى الخطابات التي ترمي إلى السيطرة عليه، والخطاب الذي تعامل معه الجمهور السوري مثل الجماهير العربية الأخرى خطاب تحرري من مزالق السلطة الجائرة التي أذاقته مرارة الحياة ولزمن طويل، فالجمهور قادر على أن يلعب دورا هامًا في التواصل المعاصر لأنّه يقترح توجّها بلاغيا متمثّلا في الاستجابات التي ينتجها هذا الجمهور ويقاوم بها الواقع السياسي والاجتماعي والاقتصادي.

يمكن الإشارة هنا إلى ما يدعى بالتفاعل الجماهيري، إذ تتحدّد من خلاله البلاغة على أنها البلاغة التي ينتجها الجمهور ردّا على الخطابات السابقة، ومن ثمة تتأسس سلطة الجمهور الذي أصبح من حقه أن يقلب الموازين، ويصبح مسيطرا وقائدا للعملية التواصلية، وتتعين بذلك علاقة بين ردود الأفعال وسلطة الخطاب الجماهيري، فقد تمكن الجمهور من إيجاد أدوات تساعده على تطوير مواقفه واستجاباته حتى تكون في خدمة مصالحه، لأن شدّة تغيير الوسيلة لابد أن يتبعها شدّة مماثلة في تغيير الرسالة نفسها وفي تغيير شروط الاستقبال” مثلما أكدّ على ذلك الغذامي(15 ).

إنّ التعامل مع الجمهور بهذا الشكل، يجعل علم البلاغة الذي عُرف منذ القديم على أنّه الطريقة التي يستولي بها المخاطِب على عقول مخاطِبه علما يخضع لتقنيات جديدة عصرية إذ استبدل المخاطِب الذي يفترض فيه مواصفات الرجل المتميز بالتقنيين، والإعلاميين، وخبراء الدعاية،… فيمكن الحديث عن ممارسة السلطة اللغوية من قبل المخاطِب التي بفعل الانقلاب البلاغي تتحول إلى الجمهور الذي يسلبها ويوظفها لصالحه. لأنّ السمة التفاعلية أصبحت ميزة العصر الحديث، إذ نجدها في الجانب التعليمي والإداري والاجتماعي… فالسياسة الحالية تفرض أخذ الطرف الثاني بعين الاعتبار، وهو الأمر الذي كان مرفوضا فيما سبق والسؤال المطروح: هل هي فكرة جيّدة؟ هل هذه السياسة الاشتراكية تحمل منفعة جماعية؟…

إنّ الاشتراك في أغلب الأحيان يعني تقاسم المسؤولية، والرفع بالطرف الثاني من العملية الخطابية إلى هذا المستوى أدّى إلى الثورة، لأنّه استغلّ المجال الإعلامي الحديث لخدمة مصالحه التي كانت تستغرق وقتا طويلا لتوعيته. وساعده على ذلك ما يبث على اللّوحة الالكترونية من وسائل تحثّ على التغيير وعلى التعبير دون الخوف من تبعات التعبير عن الحرّية، فالعملية تفضي إلى أخذ البلاغة في جانبها المعكوس. إذن هي بلاغة بنفس المفهوم القديم إلاّ أنّها قُدّمت إلى المخاطب/ الجمهور الذي يتولى أمرها وأمره، وتبرز كأداة للتحرير، وتتبلور في المعرفة المؤهلة لمقاومة كل أساليب الفهم والسيطرة الممارسة بوساطة الخطاب اعتقادا بأزليتها، فيمكن القول إن :” البلاغة تتوجه إلى المستمع أو القارئ لتؤِثر فيه، وتلك العلاقة ذات خصوصية في البحث اللغوي النصي”(16 ).

ومن الملامح المميّزة لهذه البلاغة الأهداف التي ترمي إليها، إذن تبدو أساسية لأنّها تستقصد تغيير السلطة الخطابية والسلطة الحقيقية الممارسة على أرض الواقع، وذلك باستعمال شتى الأساليب الممكنة من لغوية وسميائية وسياسية أو ما يمكن تسميته بالسياق التداولي للممارسة الخطابية، إذ تنبعث من أشخاص متعددي الاختصاصات ما دامت تعني قضية أمّة بكاملها. فالمخاطِب و(الجمهور) واحد ولكن يبدو في صور مختلفة، أو هو تعدّد صوتي يتبلور في صوت واحد ما دام الهدف جماعي ومشترك، يقول عماد عبد اللطيف:” وإنما في سياق واقعي متعين فإنّ مقاومة الخطاب السلطوي لن تصبح فاعلة إذا ما أغفلت الترابطات بين الخطاب السلطوي المستهدف مقاومته والسياق الاجتماعي والسياسي والاقتصادي…الذي يتيح له ممارسة سلطويته”(17 ).

يتأسس وفق هذه السلطة المقدمة للجمهور خطاب نقدي يكشف عن الانحرافات والتحيزات والهيمنة الممارسة، أو الهيمنة التي ينبغي أن تزول بواسطة الحركة الجماهرية، والتحليل النقدي يحيلنا إلى علاقة الخطاب بالسلطة وأنواع المتلقين الذين يأخذون الخطاب السلطوي بقواعد مختلفة. فإذا كانت البلاغة منذ تأسيسها قد اهتمت بالطرف الأول من العملية الخطابية أو ما يدعى ببلاغة المتكلم من حيث تسليحه بجلّ الأدوات التي تمكنه من السيطرة، فإنّ بلاغة الجمهور تحاول أن تسلب منه هذه الأدوات لتفرض وجودها في العصر الحديث، أو هي محاولة استغلال ما طوّرته بلاغة المتكلم لعصور طويلة والاستفادة منها في اقتراح حلبة الصراع ومواجهة العصر الحديث الذي قدّم الكثير من المعطيات (ولاسيما التكنولوجية منها) التي سمحت بانقلاب الموازين، فالمخاطِب السياسي الآن يجب عليه أن يأخذ بعين الاعتبار الاختلاف الجوهري والوعي الجماهيري، ويتصرف بحذر مع ممارسة السلطة، لأن سلطة اللغة مرتبطة بالسلطة بمفهومها العام، ويضع  الطرف الثاني من العملية الخطابية في مستواه الفكري والعملي والثقافي، ويمكن تمثيل ذلك بهذا الشكل:

  فيمكن الحديث عن السلطة عن طريق التوازي والتقاطع، ذلك أنّ البلاغة الحديثة جعلت المتكلم والمخاطَب في نفس المستوى، في حين مهارة إنتاج الكلام ارتبطت في العصر الحديث بالذي يستجيب بطريقة واعية، ويعبّر عن أغراضه بطريقة حداثية، يقول عماد عبد اللطيف:” الخطاب السلطوي لا يحدد في ذاته فحسب، بل من خلال الآثار التي يحدثها المخاطَب بشكل أساس…كما أن السلطة لا تتجلى في اللغة فحسب بل في طبيعة استجابات مستهلكيها بالدرجة الأولى”( 18)،  فالمتكلم البليغ هو الذي يتفنن في استخدامه للغة، والجمهور البليغ هو المتميز بكفاءة إنتاج استجابات بليغة تصل إلى الطرف الأول من العملية الخطابية بشكل واضح لا غموض فيها معبرا عن مقاومة الخطاب السلطوي، بمفهوم فيه الكثير من التحفظ لأن الخطاب يمكن أن يمثّل سلطة في حدّ ذاته، وخطاب السلطة ربما يكون سلطويا وذلك على خلاف ما جاء به بورديو حول هذا المفهوم(19 ).

لقد تحوّلنا إذن من عملية إنتاج الكلام البليغ إلى إنتاج الاستجابات وإن كانت التداولية امتدادا للبلاغة بمفهومها الواسع، يمكننا القول أنّ بلاغة الجمهور تتسم بنفس سمات بلاغة المتكلم، وإن تحدّث العرب عن مراعاة مقتضى الحال في أثناء حديثهم عن البلاغة الكلاسيكية، فإنّ بلاغة الجمهور أيضا تفترض لنجاحها توافر بعض الشروط التي تسمح بالولوج إلى درجة التأسيس والسيطرة، ومن هذه الشروط: طبيعة العلاقة بين الطرف الأول والطرف الثاني، نوع الخطاب، أثر نوع الخطاب، سياق إنتاج الاستجابات، الوسائل الموظفة لنقله ( التلفزة، الأنترنيت…)، الكفاءات، نوع الجمهور وطبقاته، طبيعة الاستجابات، والعلاقة بين الاستجابات والسلطة التي يمارسها الجمهور والسلطة التي يقاومها.

تسعى هذه البلاغة إلى تقديم الجمهور إمكانية التحسين من قدراته التواصلية، وإعطائه العدّة لمواجهة الخطابات التي سيطرت عليه لمدّة طويلة، أو تحاول السيطرة عليها بشتى الوسائل، لأن التلاعب الكلامي بالجمهور أصبح من الموضوعات الشائكة التي ينبغي أن تؤخذ بحذر، والجمهور في العصر الحديث هو الذي يتقن قواعد اللعبة وهذا بفضل وعيه وخروجه من غياهب الجهل والأمية ، وأخصّ بالذكر الجمهور العربي الذي استغل وحفرت له قبور قبل موته، وحكمت عليه السياسة الجائرة بالاعدام دون أن يقترف أي ذنب، وذنبه الوحيد تمثل في أميته وتسامحه.

إنّه وبفضل الإعلام الالكتروني الذي شهده العصر الحديث، استطاعت الكلمة المنطوقة أو المكتوبة أن تصل إلى أعداد هائلة (لا تحصى) من القراء (المتلقين)، ذلك أنّ هذا العصر هو عصر الثورة العلمية والتكنولوجية أو عصر الوسائل الجماهرية الحديثة، وبالتالي أصبحت وسطا للتفكير ومجالا للتعبير عن الأفكار والرؤى المختلفة، وصدق الباحث الذي اعتبر استخدام اللغة “عملية تبادل المعلومات بين الأفراد والجماعات ويظهر هذا التواصل اللغوي في شكل عبارات أو تعبيرات شفهية أو كتابية تتبادلها الأطراف في موقف معين لغرض معيّن عن واقعة معيّنة”( )، فالتواصل الجماهيري الذي نشهده حاليا هو امتداد للمعنى اللاتيني للتواصل من حيث نشر الخبر وإشاعته بين الجماعات، وبذلك ينظر إليه على أنه يهدف إلى إحداث التجاوب مع المستقبل وبعبارة أخرى نحاول أن نشاركه في استيعاب المعلومات أو في نقل فكرة واتّجاه(20).

لقد انتقلنا في العصر الحديث من بلاغة الكلام التي تتوقف على أمور مميّزة إلى البلاغة التي تراعي مقتضى الحال، ثم أن هناك الكثير من الأسباب التي تجعل الباحثين يذهبون إلى أنّ أي استخدام للغة يتضمّن جانبا اقناعيا، ذلك أنّ المخاطب لا يستطيع أن يلقي رسالته دون محاولة إقناع المتلقي بطريقة ما، ثمّ أنّ الإنسان المعاصر اليوم محاصر بأنواع متعددة من الالتماسات: مطالب بالمشاركة في اتخاذ القرارات، ومطالب بتقديم رأيه في أمور سياسية. وهو ما وسّع من آفاق الشخص العادي جدّا الذي أصبح خاضعا لتعقّد الحياة والتقدم في وسائل الاتصال.

لقد تقلص العالم الآن بفضل التطور التكنولوجي، فعوض الكتاب والمجلّة… التي يمكن أن تستغرق وقتا طويلا للوصول إلى المتلقي نجد وسائل سريعة مثل الإنترنت أو ما يدعى بالرسائل الالكترونية ذي فعالية لا تضاهيها أخرى، حيث أنها المحرّك الأساس لانفعالات الناس وأحاسيسهم، وهي التي تبرز مستوى الوعي القومي بأحوال الشعوب، كما يقول عمراني مصطفى:” إلا أن أهمية النسق اللساني تبقى رغم ذلك قاصرة أمام بلاغة الصورة وأوليتها المتفاعلة المؤثرة، فهي ذات تأثير في نفس المتلقي، كما تستوقفه المشاهد لتثير فيه الرغبة والاستجابة” (21 ).

 يتعرّض المواطن العربي الآن إلى خطابات تهدف إلى التغيير من مسار تفكيره ورؤيته إلى الحياة التي يعيشها، خطابات تحاول اقتحام فؤاده وبطريقة سريعة جدّا، إنّها خطابات بلاغية آنية وعملية، هدفها الإقناع والتأثير متجاوزة بذلك حدود الإبلاغ. ومن أجل التوغل المؤكّد في أذهان الجمهور فهي توظف شتى الوسائل الممكنة من صور وموسيقى، وإشهار… قصد المحاججة بها والوصول إلى التغيير من سلوك المتلقي وتفكيره، …. فالكلام يدور إذن حول الكلمة ومدى قوّتها وقدسيتها وكيف تكون سببا في النجاح و الفناء.

أصبح المواطن يقيم علاقة خاصة بين لغته والعالم الذي يعيش فيه، وبالتالي كلما حدث التحايل بها على الأذهان، كلّما عملت على اليقظة وأدّت إلى العمل والتصرّف، والسبب يعود ربما إلى  عدم تعرضها للنقد والتحليل ، إذن هناك ابتعاد عن البلاغة الكلاسيكية• والتجريد وعودة إلى الواقع المعاش، وإلى التداولية (البرغماتية) ، وفي الحقيقة هي عودة إلى التأثير الذاتي، لأنّ الهدف من الخطاب في وقتنا الرّاهن يصاحب السيطرة والهيمنة على العقول، ودفعها إلى اتخاذ مواقف ثمّ التصرّف وفقا لما تمليه عليه مصالح منشئ الخطاب، إلاّ أنّ وعي الجماهير بالطرائق التي تصل به هذه الخطابات إليه قد يكون حاجزا حاسما للصدّ منها ومقاومتها.

ولكن الحديث عن اللغة بهذا الشكل، يفضي إلى تحديد ماهيتها وتجاوزها، وباعتبار الجمهور السوري جمهورا واعيا ومثقفا، فقد قاوم هذه الخطابات المهيمنة لمدّة طويلة، وكمخاطَب فاعل في العملية الخطابية (السياسية) تمكن من فك قيود السيطرة اللغوية وأعلن على نفسه وعلى الآخرين ثورة أحسّ من خلالها بالهروب من العبودية السياسية وعن وعي بالثمن الذي ينبغي أنّ يدفعه من أجل حريته، فلم يعد مستقبلا سلبيا لأنه استطاع أن يفكّ رسالة مخاطِبه ويعيد بناءها من جديد مدركا مصلحته المختفية وراء مصالح الطرف الآخر. وإن تمكن هذا الأخير من الاستحواذ على الوسائل المعرفية والحجاجية، فذلك يقتضي معرفته بمخاطبه ومعرفة أحواله وحدوده، يقول عماد عبد اللطيف: “… فالمتكلم الذي يستهدف” التأثير في المخاطَب أو التغلّب عليه” يحتاج إلى معرفة عميقة “بأحوال المخاطَب””(23 ).

فالبلاغة التي نخصّها بالحديث هي البلاغة المرتبطة بالحياة اليومية للمواطن السوري الذي وضع البلاغة الكلاسيكية جانبا، وتوجه إلى البحث عن وضعيته السلطوية، إذ قدمت التطورات الالكترونية للجمهور فرصة تطوير قدرته على إنتاج استجابات بلاغية مقاومةً وفضحًا للسياسة السائدة وللمطامع الجائرة لسلطة لا تريد الزوال، ولم تصبح وسائلها صادقة أو مقنعة.

فإذا كنّا نتحدّث عن البلاغة الكلاسيكية التي تجعل المتكلم بليغا عند تمكنه من الوصول إلى عقول الجمهور لأنه كان عنصرا وحيدا متميزا بالكلمة المخادعة برفق والمتحايلة بلين، أدّت إلى سلب الجمهور حقوقه وإرادته، لأنه كان ينصتُ إلى الصوت الأعلى بإذعان واستسلام، وكأن المتكلم وضع سحرا في مقولاته ينوّم به كل المستمعين. إن الأحداث والأوضاع المأساوية والمعاناة الدائمة أدّت بالجمهور إلى عدم الاستماع إلى صوت واحد، وإنما إلى عدّة أصوات بفضل الشبكات الاجتماعية، يميز ويقارن وبفضل وعيه بحتمية تغيير الأوضاع، وجدناه راضخا لصوت الحقّ، لأنّ فعل التكذيب الممارس عليه دام طويلا، وأدىّ بصاحبه إلى الدّمار الأبدي، وهو الطاغي الذي نال من جمهوره كلّ ما يريد عن طريق الكلمة، يقول عماد عبد اللطيف في هذا الصدد:” …إن العارف بطرق استخدام البلاغة بوصفها أداة للسيطرة هو القادر على إبطال هذه السيطرة وتحويل البلاغة إلى أداة للتحرير، وهو ما يعني أن “بلاغة الجمهور” في صورتها ووظيفتها المقترحة هي امتداد عكسي كامل للبلاغة القديمة من ناحية، وهي المعرفة المؤهلة لأن تقوم بوظيفة مقاومة السيطرة التي يمكن أن تمارس بواسطة الخطاب من ناحية أخرى”( 24).

يمكن القول إنّ الخطاب البلاغي السلطوي يمارس شرعيته مباشرة فور استهلاكه، لأنه مرتبط بالفعل الآني، وتتالي هذه الخطابات يسمح بتقديم معرفة قبلية للمخاطب تساعده على الكشف عن مميزاتها إذ تكتنفها المفارقات والمغالطات والتحايلات،… وبهذه المعطيات تميل الكفة إلى المخاطَب الجمهور، إذ بعدما كانت البلاغة في خدمة المتكلم غير المخلص في أقواله وأفعاله، أصبحت في خدمة الطرف الجماهيري الذي يحاول اكتساب حرية القول والفعل دون التعرّض للتكذيب والخداع والتضليل، وهو ما يمكن أن ندعوه “بالخطاب الثوري”.

ما وراء الثورة:

لا تنشأ الثورة من عدم، وإنما هي نتيجة صراع بين قوى متضادة، تستهدف كل منها الوصول إلى الحكم والسلطة والهيمنة، يحددها عماد عبد اللطيف بقوله:” فالثورة صراع ضار بين قوّتين، كلّ منهما تبغي الهيمنة على المستقبل” (25 )، تكسب هذه الثورة قوّتها ممّا يتاح من وسائل جماهيرية للتجنيد والتنظيم، والجمهور يفضل في أغلب الأحوال الخطاب المعنوي عن الخطاب المادي.

إنّ الحرب التي اندلعت في سوريا في بداية عام 2011 هي حرب كان لابد منها، لأنّ الجمهور السوري لم يبق له مهلة الاستماع للخطاب الناعم الذي يهدهده وهدهده لسنوات سحيقة، فهي ثورة ضد النظام برز فيها الصراع بين بلاغة النظام القائم وبلاغة الجمهور. وبعد المحاولات الكثيرة التي حاول من خلالها كل طرف إزاحة الآخر والهيمنة على الكلمة الأولى والأخيرة، اتضح فشل الإقناع والتأثير، حيث لا تزال الحرب قائمة لأنّ الكلمة لم تجد مكانتها بين بحيرات الدّم وقصف نيران الحرب.

إنّ الخطابات المتعددة والزائفة التي تلقاها الجمهور السوري مارست دورا محوريا على ساحة الثورة السورية، وربما هي الخطابات الأكثر تمييزا ونجاعة في تغيير مسار هذا الشعب الأبيّ. وهو تأكيد على ما يمكن أن تنتجه الثورة الالكترونية من استجابات لخطاب المقاومة وضد المناورات الخطابية التي تسترشد باستراتيجيات لتقويض الشعب حقوقه دون خجل.

إنّ الخروج عن سياق النص وعن النص ذاته في أثناء إلقاء الخطاب على الجمهور قد يؤدي بصاحبه إلى أن يدفع الثمن غاليا، لأنّ الكلمة السياسية تزن كثيرا وخاصة في الظروف الداعية للحرب، وهذه السلبيات يمكن تفاديها في أثناء إلقاء الخطاب المرئي، إذ يتم تركيب الخطابات إلكترونيا بشكل لا تظهر فيه إلا الايجابيات. ولكن الخضوع للمراسلات الالكترونية في الوقت الراهن رهين مقاصد محدّدة، إذ الخبراء في هذا المجال يرسلون الخطابات المحفزة على الثورة، ويقومون بإثارة العواطف بأساليب ماكرة، ما يجعل المتلقي يتأثر ويقتنع وينتقل إلى التصرّف بإعلان الحرب وكأننا نتحدّث عن علاقة القول بالفعل، يقول دوريتشر دون ” يطلق على التلفظ “وحدة الاتصال” ويعرفه بشكل أساسي على أنه دور المتكلّم في الكلام، وهو محكوم بتلفظات الآخرين، أو صمتهم أو فعلهم…”( 26). وهو ما حدث مع الجمهور السوري الذي أذعن للرسالة المنتقلة عبر الانترنت وعبر الشبكات الاجتماعية، وسمع فيها وتلقى ما كان يرغب في سماعه وتلقيه، وشنّ الحرب على ذاته وعلى النظام الذي وصف بكلّ الأوصاف السلبية. فلقد تمكن المرسل في هذا السياق من الاستحواذ على عقول الجماهير التي لم تكن في حالة تعب وضعف، وإنما كانت تنتظر ذلك بشغف، لأنها كانت أمام الجهاز الذي يحميها من أن تكشف هويتها، وفي هذه الحالة تمكن المتلقي من إيجاد المرسل النموذجي الذي يسهم ويضمن له اكتساب السلطة وقلب الأوضاع لصالحه.

إذن يمكن الحديث هنا بقلب المعادلة إلى:

لقد آمنت الدراسات الحديثة ومنها المعرفية بدور السياق المادي الذي يحيط بالخطاب، فقد أقيمت دراسات كان لها تأثير عميق على التفكير الإنساني، ومنها قلب الأوضاع السائدة، فالعمل على شلّ قدرة الإنسان الاستجابية بالضغط عليه نفسيا وفكريا يؤدي إلى الاذعان والتصرف دون مسائلة وذلك شبيه بالاستنطاق البوليسي الذي ينتظر لحظة تعب المقبوض عليهم، والهدف من ذلك هو التغلب عليهم جسديا، نفسيا وفكريا. وإذا قلبنا الآية في الآونة الأخيرة، نقول أن المخاطَب هو الذي يمارس هذه السلطة الخطابية وإن كان يتخذ طريقة الضغط المادي المتمثل في الرسائل المنتقلة بين الأشخاص، والإعلانات المتكررة عن الحرب التي لم تصدق بنسبة كبيرة، إذن فهو إعلان قبل الإعلان، أو تهيئة الأرض قبل زرعها، وكأن المخاطَب أو الجمهور يقدّم للطرف الآخر مسؤولية ما سوف يحدث لأنه كان في أفق انتظاره أن تتوجه الحكومة إلى اتخاذ قرارات قبل اندلاع الثورة وكأنه ينتظر تغير الأوضاع قبل أن تتغير بالقوة وبالتضحية.

إنّ التواصل المفترض بين الطرفين قد أجهضه الزمن، لأن التفاعل الحقيقي والوهمي بينهما قد انقضى، وبالتالي فالتواصل الناجح الذي كان يراهن عليه الطرف الأول كمتكلم أو كمخاطِب سياسي تفجّرت وسائله، ولم يعد الجمهور يثق في السياسة وفي الخطاب إدراكا منه مثلما يقول محمد أسيداه(27 ) أن وظيفة الخطابات ليست إلا الهيمنة والسيطرة. فالثورة التي اندلعت في سوريا ليست سوى نتيجة المكوث الأبدي على كرسي السلطة، وما يمكن أن يخلفه من ثروات لأصحابها، في حين يبقى الجمهور إذا نظرنا إليه من الزاوية الخطابية طرفا متفرجا لا تتغير من أحواله حال، إذن صورة العالم التي يعيشها السوريون لا تتوافق مع صورة السلطة الحاكمة، فهو ما يتجسّد في مفهوم فجنشتاين في قوله أنّ شروط التواصل الناجع هو الاتفاق على صور العالم(28 )، هو شرط غير متحقق في الواقع وهو سبب الانتفاضة والرغبة في الخروج من المحن، إذ من المفترض، ربما من المؤكد أنّ أساليب الإراغة والتحايل والمغالطة هي التي أدّت بالجمهور السوري أن يحفر قبرا لبلاغة المتكلم، لأن الأساليب المذكورة كانت تتبلور في رسائل أحادية الاتجاه سمحت للمرسل بأن يكون في سلطة أقوى، بينما لم يكن للمرسل إليه إمكان الجواب، لأنّ الهدف من وراء السياسة بالنسبة للمرسل هو الحفاظ عليها واستعمالها لأغراض شخصية بارزة.، وبهذا لزم قلب الآية ، يقول عماد عبد اللطيف:”لقد كان الإيمان بأن الجمهور يستطيع أن يلعب دورا كبيرا في التواصل الجماهيري المعاصر هو الحافز على اقتراح توجه بلاغي هدفه دراسة الاستجابات التي ينتجها الجمهور…ودراسة الدور الذي تعزّز به من سلطة الخطاب أو مقاومته”(29 ).

لقد تمّ الوصول في العصر الحديث إلى أن البلاغة التي عرفناها منذ قرون لم تعد تفي بالغرض، فالمؤسسة العالمية تعرّضت إلى التغير وصاحبتها تغيرات مسّت بالذهنية الإنسانية التي لا ترضى بالرضوخ والعيش تحت نيران القمع، فالبلاغة في حقيقة الأمر لم تغير من مفهومها الذي لا يعدو أن يكون الإبلاغ وإيصال الرسالة إلى الآخر. لقد أرادت البلاغة الحديثة استثمار ما قامت به البلاغة الكلاسيكية لطرح الاشكالات التي لم تطرح سابقا.

إنه ينبغي إعادة التفكير في البلاغة الكلاسيكية بمفاهيم بنوية، سميائية، تداولية، ربما ستسهم في وضع بلاغة تهتمّ بالناحية التضمينية أو بلاغة تتناسب مع المعطيات الحديثة كالصوت المنطوق، والصورة والإيماء. ثمّ ينبغي طرح إشكالية المخاطَب الذي أخذ دور الجمهور في الخطاب السياسي وكيف تفضي هذه الإشكالية إلى الالمام بما يحيط بالمتلقي، وما يقدّم له من إمكانيات بلاغية تنزّله منزلة مميّزة، وفوّضت له الكلمة مثلما فوّضت للمتكلم لسنوات مضت.

إن الجمهور السوري تمكّن من فرض خطابه السلطوي الذي كان بحوزة الطرف الآخر الذي لم يمل يوما من تكراره.خطاب باهض الثمن لأن السوريين لا يزالون يدفعون ثمن بلاغتهم ويراهنون على الانتصار المادي والمعنوي.

ومهما تحدّثت كباحثة عن هذه البلاغة الجوفاء التي جعلت المخاطب يتسلّح من العدم ويواجه مكتوبه بحروف وكلمات تحمل معنى الحرية وبلاغتها، فإنني توجهت بانفعال لا يوصف، وعالجت الموضوع بانطباعية أكبر، مقتنعة أشدّ الاقتناع أن الجمهور السوري فعل ما كان ينبغي أن يفعله منذ سنوات القحط الخطابي الذي سلب منه روحه وقدرته التواصلية.

 

 

الهوامش:

• ترجمت البلاغة إلى الخطابة عند بعض الباحثين، واتخذت مصطلحات أخرى مثل البيان عند محمد حسن ظاظا، إلا أن الترجمة المهيمنة هي البلاغة نظرا لما تؤديه من مفاهيم. لقد عرفت البلاغة في محاورات جورجياس اليونانية بأنها القدرة على الاقناع بوساطة الحديث، وفي محاورات فيدروس عرفت بفن ّ قيادة النفوس بوساطة الأحاديث. للمزيد ينظر: عماد عبد اللطيف، موقف أفلاطون من البلاغة من خلال محاورتي “جورجياس” و”فيدروس”، مجلة جامعة الشارقة للعلوم الإنسانية والاجتماعية، المجلّد 5، ع 3، الإمارات العربية 2008، ص 227-244.

  وذلك ما قرأناه عند أحمد مطر، السيّاب، نازك الملائكة، محمود درويش، عبد الرحمان منيف، أحلام مستغانمي، وغيرهم.

1.       عماد عبد اللطيف، لماذا يصفّق المصريون؟ بلاغة التلاعب بالجماهير في السياسة والفنّ، دار العين للنشر، القاهرة2009، ص 47.

2.       عبد الهادي بن ظافر الشهري، استراتيجيات الخطاب، مقاربة لغوية تداولية، ط1، دار الكتاب الجديدة، بيروت2004، ص 45.

3.         محمود عكاشة، خطاب السلطة الاعلامي وتقنية التعبير اللغوي، ط1،مكتبة النهضة المصرية، مصر 2004، ص 6.

4.       أبو هلال العسكري، الفروق في اللغة، ط3، تحقيق لجنة الإحياء للتراث القومي، دار الآفاق الجديدة، بيروت 1983، ص 27.

5.       عبد الفتاح أحمد يوسف، قراءة النص وسؤال الثقافة، استبداد الثقافة ووعي القارئ بتحولات المعنى، ط1، عالم الكتب الحديث للنشر والتوزيع، الأردن 2009، ص 16.

6.       محمد محمد يونس علي، المعنى وظلال المعنى، أنظمة الدلالة في العربية، ط2، دار المدار الاسلامي، 2007، ص 152.

7.       عماد عبد اللطيف، بلاغة المخاطَب:” البلاغة العربية من إنتاج الخطاب السلطوي إلى مقاومته”، أنظر: proceeding of the 8th international symposium on comparative literature « pozer qnd the role of the intellectual » , cairo 2009, p 23.

8.       نفسه، ص 155.

9.       أبو عثمان الجاحظ، البيان والتبيين، تحقيق عبد السلام هارون، ط5، مكتبة الخانجي، الكويت 1985، ج1، ص 76.

10.     محمد العمري، في بلاغة الخطاب الاقناعي، مدخل نظري وتطببقي لدراسة الخطابة العربية –الخطابة في القرن الأول نموذجا-، ط1، دار الثقافة والنشر والتوزيع، الدار البيضاء 1986، ص 88.

11.     صلاح فضل، بلاغة الخطاب وعلم النص، د.ط، مؤسسة مختار للنشر والتوزيع، مصر الجديدة، 1996، ص 73-74.

12.     عماد عبد اللطيف، استراتيجبات الاقناع والتأثير في الخطاب السياسي، خطب الرئيس السادات نموذجا، الهيئة المصرية العامة للكتاب، مصر 2012، ص 101.

13.     عماد عبد اللطيف، استراتيجبات الاقناع والتأثير في الخطاب السياسي، خطب الرئيس السادات نموذجا، الهيئة المصرية العامة للكتاب، مصر 2012، ص9.

14.     عبد الله الغذامي، الثقافة التلفزيونية، سقوط النخبة وبروز الشعبي، ط2، المركز الثقافي العربي، بيروت 2005، ص 20.

15.       سعيد حسن بحيري، علم اللغة النص، المفاهيم والاتجاهات، ط1، مؤسسة المختار للنشر والتوزيع، القاهرة 2004، ص 21.

16.     عماد عبد اللطيف، من الوعي إلى الفعل، مقاربات معاصرة في مقاومة الخطاب السلطوي، مجلة ثقافة، كلية الآداب، ع 2، جامعة البحرين 2009، ص 68.

17.     عماد عبد اللطيف، من الوعي إلى الفعل، ص 77.

18.     بيير بورديو، الرمز والسلطة ، ترجمة عبد السلام بن عبد العالي، ط2، دار توبقال، الدار البيضاء 1990.

19.     جنتر هينزه، سلطان الكلمة، تقديم عبد الغفار مكاوي، مجلّة الفكر المعاصر، القاهرة 1970، ص 03.

20.     عبد المنعم خفاجي، عبد العزيز شرف، نحو بلاغة جديدة، مكتبة غريب، القاهرة، ص 89.

  تتوقف البلاغة على عدم تنافر الحروف، والغرابة، ومخالفة القياس، وتنافر الكلمات، وضعف التأليف، والتعقيد اللفظي، والتعقيد المعنوي.

21.     مصطفى عمراني، (الخطاب الاشهاري بين التقرير والإيحاء)، مجلة فكر ونقد ، ع 34، 2000، ص 27.

• لقد دعا برلمان إلى ضرورة العودة إلى المعنى الشامل للبلاغة، فهو الذي يقول:” إن سبب موت البلاغة هو اقتصارها على أحد أطرافها، وفقدانها في الوقت ذانه ما يربطها بالقلسفة. وبافتقادها هذا الرابط أصبحت البلاغة مادة ثانوية مثلما فقدت امبراطوريتها”، ينظ ر:

CH.Perelman, L’empire Rhétorique, rhétorique et argumentation, Librairie philosophique, Paris 2002, P 13.

22.     عماد عبد اللطيف، بلاغة المخاطب: البلاغة العربية من إنتاج الخطاب السلطوي إلى مقاومته، جامعة القاهرة، 2005، ص15.

23.     عماد عبد اللطيف، لماذا يصفّق المصريون؟، ص 49.

24.     عماد عبد اللطيف، حروب بلاغية، مناورات خطاب السلطة في ساحة الثورة، ألف: مجلة البلاغة المقارنة، جامعة القاهرة 2012، ص 1.

25.     دوريتشر دون، الديموقراطية في الخطاب السياسي المصري المعاصر، ترجمة عماد عبد اللطيف، ط1، المركز القومي للترجمة، ع1884، القاهرة 2011، ص 36.

26.     محمد أسيداه، الإراغة في التواصل السياسي، آليات الحوار واستراتيجيات الحجاج والمغالطة، التواصل السياسي (مجلة)، ص 138.

27.     Wittgenstein, Les investigation politiques, Edition Gallimard, Paris 1953.

28.     عماد عبد اللطيف،  لماذا يصفق المصريون؟، ص 47.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

مراجع البحث:

1-      CH.Perelman, L’empire Rhétorique, rhétorique et argumentation, Librairie philosophique, Paris 2002, P 13.

2-      Wittgenstein, Les investigation politiques, Edition Gallimard, Paris 1953

3-      أحمد يوسف، عبد الفتاح. قراءة النص وسؤال الثقافة، استبداد الثقافة ووعي القارئ بتحولات المعنى، ط1، عالم الكتب الحديث للنشر والتوزيع، الأردن 2009.

4-      أسيداه، محمد. الإراغة في التواصل السياسي، آليات الحوار واستراتيجيات الحجاج والمغالطة، التواصل السياسي (مجلة).

5-        بحيري، سعيد حسن. علم اللغة النص، المفاهيم والاتجاهات، ط1، مؤسسة المختار للنشر والتوزيع،  القاهرة 2004.

6-      بن ظافر الشهري، عبد الهادي ، استراتيجيات الخطاب، مقاربة لغوية تداولية، ط1، دار الكتاب الجديدة، بيروت2004 .

7-      بورديو، بيير. الرمز والسلطة ، ترجمة عبد السلام بن عبد العالي، ط2، دار توبقال، الدار البيضاء 1990.

8-      الجاحظ أبو عثمان. البيان والتبيين، تحقيق عبد السلام هارون، ط5، مكتبة الخانجي، ج1، الكويت 1985.

9-      خفاجي، عبد المنعم . عبد العزيز شرف، نحو بلاغة جديدة، مكتبة غريب، القاهرة.

10-    دوريتشر، دون. الديموقراطية في الخطاب السياسي المصري المعاصر، ترجمة عماد عبد اللطيف، ط1، المركز القومي للترجمة، ع1884، القاهرة 2011.

11-    عبد اللطيف، عماد . حروب بلاغية، مناورات خطاب السلطة في ساحة الثورة، ألف: مجلة البلاغة المقارنة، جامعة القاهرة 2011.

12-    عبد اللطيف، عماد . من الوعي إلى الفعل، مقاربات معاصرة في مقاومة الخطاب السلطوي، مجلة ثقافة، كلية الآداب، ع 2، جامعة البحرين 2009.

13-    عبد اللطيف، عماد. استراتيجبات الاقناع والتأثير في الخطاب السياسي، خطب الرئيس السادات نموذجا، الهيئة المصرية العامة للكتاب، مصر 2012.

14-    عبد اللطيف، عماد. بلاغة المخاطَب:” البلاغة العربية من إنتاج الخطاب السلطوي إلى مقاومته”، أنظر: proceeding of the 8th international symposium on comparative literature « pozer qnd the role of the intellectual » , cairo 2009.

15-    عبد اللطيف، عماد. لماذا يصفّق المصريون؟ بلاغة التلاعب بالجماهير في السياسة والفنّ، دار العين للنشر، القاهرة2009  .

16-    عبد اللطيف، عماد. موقف أفلاطون من البلاغة من خلال محاورتي “جورجياس” و”فيدروس”، مجلة جامعة الشارقة للعلوم الإنسانية والاجتماعية، المجلّد 5، ع 3، الإمارات العربية 2008.

17-    العسكري، أبو هلال. الفروق في اللغة، ط3، تحقيق لجنة الإحياء للتراث القومي، دار الآفاق الجديدة، بيروت 1983.

18-      عكاشة، محمود. خطاب السلطة الاعلامي وتقنية التعبير اللغوي، ط1، مكتبة النهضة المصرية، مصر 2004.

19-    عمراني، مصطفى. الخطاب الاشهاري بين التقرير والإيحاء، مجلة فكر ونقد ، ع 34، 2000.

20-    العمري، محمد. في بلاغة الخطاب الاقناعي، مدخل نظري وتطببقي لدراسة الخطابة العربية –الخطابة في القرن الأول نموذجا-، ط1، دار الثقافة والنشر والتوزيع، الدار البيضاء 1986.

21-    الغذامي، عبد الله ، الثقافة التلفزيونية، سقوط النخبة وبروز الشعبي، ط2، المركز الثقافي العربي، بيروت 2005.

22-    فضل، صلاح. بلاغة الخطاب وعلم النص، د.ط، مؤسسة مختار للنشر والتوزيع، مصر الجديدة، 1996.

23-    هينزه، جنتر . سلطان الكلمة، تقديم عبد الغفار مكاوي، مجلّة الفكر المعاصر، القاهرة 1970.

24-    يونس، علي محمد. المعنى وظلال المعنى، أنظمة الدلالة في العربية، ط2، دار المدار الإسلامي 2007.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

الدكتورة : حمو الحاج ذهبية

قسم اللغة العربية وآدابها، جامعة تيزي وزو – الجزائر

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

اللوحة للفنان: عمر جهان

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

خاص الكتابة

 

مقالات من نفس القسم

محمد العنيزي
كتابة
موقع الكتابة

أمطار