خطاب الأخ الأكبر فى عيد الجلوس

موقع الكتابة الثقافي uncategorized 6
Share on facebook
فيسبوك
Share on twitter
تويتر
Share on whatsapp
واتس أب
Share on telegram
تيليجرام

كريم عبد السلام

يا إخوتى الذين يزرعون القمح والأمنيات

يا إخوتى الكادحين فى المصانع

يا إخوتى الحفاة

يا إخوتى العراة

يا إخوتى الذين يبحثون عن لقمة فى المزابل

عن حلم ضائع فى الشوارع

تعالوا إلىَّ

اسمعونى

وتمعنوا فى كلماتى

أنا الهبة الإلهية إليكم

أنا المعجزة التى لا تتكرر

تلقفوا عباراتى الذهبية

مثل الأرض العطشى للمطر

أريد أن أفتح عيونكم

لتروا أعمالى الجليلة

لتعرفوا قيمة وجودى بينكم

لولاى ما كنتم

لولاى ما كنتم

*

يا إخوتى الذين يعبرون سريعا

تحت القطارات المكهربة وإعلانات الليزر فى المدن القاسية

انظروا إلى الأرض الواسعة

إلى السحاب العابر فى وداعة

إلى السجون التى تحميكم من الأعداء

إلى النيل يجرى

إلى النسمات العليلة تداعب وجوهكم

لكن وجوهكم القذرة لا تبالى بها

ولا تفكر أدمغتكم فيمن أرسل النسمات إليكم

أنتم بلا أدمغة

بلا أرواح

ولا تستأهلون هذه النسمات العليلة

انظروا إلى الليل الساحر الذى تنعمون به

هل تأخر القمر يوما عن موعده

هل وجدتم السماء يوما فارغة بلا نجوم

لكنكم دائما تغنون للقمر والنجوم وتنسون قبضتى

هل ترونها يا بهائم

هل ترونها يا هوام

هل ترونها يا تراب الأقدام

قبضتى هذه، وراء استقرار النجوم فى مداراتها

وراء طلوع القمر كل مساء

القمر الذى يطل من أغنياتكم السخيفة

دون كلمة شكر واحدة من أجلى

كم أنتم حقراء

كم أنتم ناكرون للجميل

*

أنا أخوكم الأكبر

أنا قدركم

أنا الأبدى

لذا على أن أصارحكم

أن أهزكم هزا بالحقيقة

أن أعمّدكم بالجوع والعطش والبرد

أن أدخلكم الجنة ودونها الجحيم

تمعنوا فى أحوالكم

من أنتم؟

حثالةُ البشر

قمامةٌ وأوشاب

كوماتٌ من نملٍ وأرضةٍ وجراد

ماذا تطلبون فى حياتكم

لقمةٌ تشبعكم

وثوبٌ يستركم

وسقفٌ يظلكم

ومدفنٌ يجمعكم

أى مجد فى حياة الحشرات

أى نصر فى الاستسلام

تريدون الخلود؟

لم؟

تطلبون الجنة؟

ماذا تفعلون فيها؟

هأنا أضحك عليكم

ها ها ها

تحلمون بالحور العين والولدان المخلدين؟

بالأنهار تجرى تحت أقدامكم؟

من أنتم حتى تحلموا؟

أنتم فاشلون

خاسرون

منحطون

بائسون

تطلبون من العالم

ما تطلبه الحملان من الذئاب

وأطلب ما يبتغيه النسر من الفضاء

تريدون حياة العشب فى الغابة

وأريد لكم حياة الَأرْز و السنديان  

تفرحون بقطرات المطر فى الجفاف

وأشق لكم الأرض نهراً يفيض

أيديكم رخوة

وخيالكم كاسد

وأرواحكم سقيمة

وأبدانكم هامدة

وهممكم فاترة

وأبصاركم زائغة

ونفوسكم مشتتة

وطاقاتكم غائبة

وعقولكم مخدرة

كيف أغزو بكم العالم

كيف أباهى بكم الأمم

كيف أصعد بكم القمر

*

اعترفوا ..

من غضَّ النظر عنكم

منذ أن كنتم ديدانا تلتصقون بأمهاتكم

من منح أمخاخكم التافهة الإدراك

من منحكم القدرة على الحلم

من سمح لكم بالحياة أصلا

لو كنت سحقتكم جميعا تحت حذائى

لو كنت دهستكم بسياراتى المصفحة

هل كنتم تقفون الآن أمامى لتسمعوا كلماتى العظيمة؟

أى جحود أشعر به الآن

أية غصة فى حلقى منكم

هل تعتقدون أنى فى حاجة إلى تملقكم

أو مدحكم

أو هتافاتكم

أو رجاءاتكم

أو شعاراتكم

أو لافتاتكم

أو كلماتكم

هل تعتقدون أنى فى حاجة إلى صورتى تحملونها

أنا النسر المجنح يهيمن على السماء

هل يحتاج النسر شيئا من دويبات الأرض

أنا البركان الثائر

هل يحتاج البركان إلى التراب المتراكم عند السفح

أنا الفيضان العظيم

هل يحتاج الفيضان من يعلمه

كيف يغمر الأرض

لا أريد حناجركم التى تهتف

ولكن أريد الخشوع فى قلوبكم

لا أريد الكلمات المحفوظة على ألسنتكم

ولكنى أطلب دمعة العرفان

حين أطل عليكم

لا أريد تماثيلى تنصبونها فى الميادين

ولكنى أريدها تمائم فى أعناقكم

قريبة من أنفاسكم

*

أنا حزين

شدَّ ما أنا حزين

أهذا قدرى

أن أحملكم على ظهرى

وكلما ارتقيت بكم الجبل

تهوون بى إلى السفح

لتنهش الحسرة ُكبدى

أهذا قدرى؟

أن أعبر بكم الجحيم

فتنفلتون من يدى

إلى الهوة السفلى من النار 

لأعود أفتش عنكم من جديد

أهذا قدرى؟

أن أحول عناصركم الخسيسة إلى ذهب

فترتدون مرة أخرى إلى تراب

يعلق بالأحذية

 

جبناء وتلبسون أقنعة النمور

خائفون وترغبون فى الانتصار

قاعدون وتحلمون بالسيادة بين الأمم

جاهلون وتزعمون أنكم المختارون

لماذا تقيدون أنفسكم بكل هذه الأغلال

أغلال الماضى

أغلال المكتوب

أغلال الخوف

أغلال القناعة

أغلال القطيع

أغلال الأمان

تحرروا  

انشروا أجنحتكم مثلى

وحلقوا فى الأعالى

حيث تجدوننى دائما

ارتفعوا عن الطين الذى تتمرغون فيه

ألا تحبون أن تلحقوا بى

ألا تتمنون أن تسيروا على دربى

ألا تحلمون أن تكونوا أشباهى

لامعين

أقوياء

نابهين

جسورين

رائين

لكنها طبيعتكم الخسيسة

وعرقكم الضعيف

ماذا أفعل لكم؟

ماذا أفعل معكم؟

ماذا أفعل بكم؟

أنا حزين

شدَّ ما أنا حزين

*

تسألوننى إن كنت أحبكم

وإجابتى : لا

تسألوننى إن كنت أكرهكم

وإجابتى : لا

لا أجد فى قلبى مكانا لمحبتكم أو كراهيتكم

أنا أحتقركم

أحتقر ورعكم الزائف

أحتقر أخلاقكم المهترئة

أحتقر انتهازيتكم

وسماجتكم

وزيفكم

أحتقر هوانكم على أنفسكم وهوانكم على الناس

هل تصدقون أنفسكم

أنكم أشجع أمة

وأنبل أمة

وأجمل

وأحسن

وأبقى

إلى آخر أفعال التفضيل الفارغة

كذب كذب كذب

بهتان بهتان بهتان

أوهام أوهام أوهام

خرافات خرافات خرافات

أنتم الراكب الزائد فى المركب لتغرق

البهلول فى القرية

والشحاذ فى المدينة

أنتم الحشرات التى تفاجئنا

عند دخولنا البيت

ورغم ذلك لا تفكرون مطلقا فى قتل أنفسكم

وتطمعون فى مزيد من الحياة المجانية،

الحياة المسروقة

الحياة الزائدة

الحياة بالمصادفة

الحياة المسحوبة على المكشوف

الحياة التائهة من أصحابها

الحياة الميتة

*

ياربُّ

يا جبّار

لماذا غضبتَ علىَّ جدا

لماذا كرهتنى كلَّ الكراهية

ماذا فعلتُ لك

لتبلونى بالبهائم

بالهوام

بتراب الأقدام

ماذا أفعل بكل هذه الأفواه؟

ماذا أفعل بالمعِدَات التى تطلب الطعام على الدوام

شرهون شرهون شرهون

شرهون ولا يشكرون عند الشبع

ظمأى ظمأى ظمأى

ظمأى ولا يرويهم النهر

أياما وليالى أسألك أن تمنحنى معجزة

عصا سحرية

حتى أحول ترابهم ذهباً

حتى أجعل منهم بشراً

حتى أغيرهم إلى أشباهى

لكنك لا تستجيب لى يا رب

ولا تساعدننى عليهم يارب

وتصغرنى أمامهم يارب

وتتركنى لعيونهم  وأفواههم يارب

لماذا منحتنى شعبا من القوارض

ألم أطلب نمورا عصية على الترويض

ألم أتمن عليك أسودا ولبؤات

ألم أسألك فيلة تهز الأرض بخطواتها

*

نعم، أسمعكم أيها المرجفون

أسمع همهماتكم ظاهرها البراءة وباطنها الغِلُّ

ماذا سنفعلُ إذا اختطفكَ الموتُ

إذا وصلتْ الرصاصةُ إلى جبهتكَ

إذا اخترقت الطعنةُ قلبكَ

إذا تسلل السمُّ إلى دمكَ؟

هل تصدقون أنه لم يحاول

هل تعتقدون أنى لم أصارع الموت

مثلما صارع يعقوبُ ملاكَ الرب

ماذا كانت النتيجة فى رأيكم

ألم يهزم يعقوبُ الملاكَ

ألا أقف أمامكم بكامل قوتى وعنفوانى

وألقى إليكم الآن بجواهر كلماتى

أنا لا أموت يا سفلة

أنا لا أزول يا بهائم

أنا لا أنتهى يا هوام

أنا معكم، أحرسكم وأرشدكم وأقومكم وأدلكم وأختبركم

وأضربكم ضربات قوية على وجوهكم

أنا أرفرف عليكم وأمنحكم القدرة على العيش

أنا فى نور الشمس وفى حبات المطر وفى نسمات الهواء

أنا حدةُ بصائركم

ورهافةُ أسماعكم

أنا حواسُّكم الخمس

أنا الرعدةُ التى تهز أرواحكم عندما تولدون وتدفعكم للبكاء

وأنا الشهقة التى تودعون بها العالم

أنا الحياة

وأنا كلمة النهاية

وأنا ما بينهما

ماذا تظنون يا بهائم

ماذا تعتقدون يا هوام

ماذا تتخيلون يا تراب الأقدام

إذا رأيتُ يوما أنكم قادرون على الحياة من دونى

ساعتها سأرتقى إلى السماء

وأراقبكم من الأعالى

نعم، من الأعالى

كما تفعل النسور

……………

*من ديوان ” ألف ليل وليل” – قيد الطبع

مقالات من نفس القسم