حياة رائعة.. قصيدة سينمائية

موقع الكتابة الثقافي
Share on facebook
فيسبوك
Share on twitter
تويتر
Share on whatsapp
واتس أب
Share on telegram
تيليجرام

رامي عبد الرازق

هذا الفيلم نموذج للقصيدة السينمائية التى تحاول أن تفرز اكبر قدر من الشعرية الدرامية والبصرية، وهو يستلهم الروح الملحمية فى تناول سيرة حياة شخص ينتمى وجوده للواقعية السحرية فهو قد ولد شيخا عجوزا فى حجم وليد، وهو يسير بعكس اتجاه البشر فى النمو والتقادم الجسماني.. فيصبح مظهره مظهر الشيوخ وهو لا يزال فى السابعة.. ثم رجلا فى الستين وهو فى العشرين وهكذا.

لكن هذا الاختلاف فى خط سير الجسم البشرى لا يوازيه اختلاف فى الروح والعقل فروحه وعقله ينموان بشكل طبيعى وبخط سير بشرى بحت ومن هنا تنبع الدراما.. ونصبح أمام حبكة تناقش فلسفة الإنسان والزمن من أكثر من زاوية حيث يطرح السيناريو العديد من الأسئلة على المتلقى طوال الوقت.. فهل لو قدر للإنسان أن يصغر فى السن ولا يكبر فهل كان سيكون اكثر سعادة؟..

وماذا تساوى الحياة ونحن نفقد كل الذين نحبهم بينما نحن نسير فى اتجاه معاكس تماما؟.. وما هى الحكمة الإلهية فى كون نمو الإنسان العقلى والروحى يوازى نموه الجسمانى وليس العكس!

أسئلة يجيب عنها السيناريو بشكل واضح بل مباشر فى بعض الأحيان من خلال الخط الحياتى لـ«بنجامين باتون» منذ نهاية الحرب العالمية الأولى وحتى منتصف الثمانينيات.. ومن هنا ندرك هامش الشعرية المطروح فى السيناريو فالقصائد الشعرية لا يعنيها السؤال والجواب ولكن يعنيها أن تترك لنا أفقا واسعا للتأمل والانفعال بما تقدمه من أفكار تقف فى المساحة السحرية ما بين العقل والوجدان..

لذلك فقد أجاب الفيلم عن كل الأسئلة التى طرحها ولكنه ترك لنا دفقات شعورية حادة عما تعنيه تلك الإجابات وقد اعتمد فى تكنيكه السردى على أسلوب الفلاش باك القائم على مذكرات «بنجامين باتون» التى تركها لحبيبته ورفيقة مشواره ديزى «كيت بلانشيت».

ويعتبر أسلوب الحكى من خلال المذكرات أسلوبا كلاسيكيا بسيطا وقد لجأ إليه كتاب السيناريو لان فكرة الفيلم أو حبكته غامضة وغير سهلة الاستيعاب فى حد ذاتها ومن ثم لم يثقلوا على المتفرج بأسلوب حكى معقد يزيد من غموض الفكرة..

لكن مشكلة هذا الأسلوب السردى أنك تفترض أن كل ما يحكيه «بنجامين» فى مذكراته قد عاشه أو حكاه له أحدهم بشكل أو بآخر، ولكننا نكتشف فى بعض المواضع أن هناك أحداثا لم يكن هو أو أحد ممن حوله يعلمون عنها شيئا مثل مجموعة المشاهد الرائعة عن حادث السيارة الذى أصيبت فيه «ديزي» وتسبب فى تهشم ساقيها واعتزالها الرقص فى أوج مجدها.

لقد أراد صناع الفيلم أن يلخصوا لنا فكرة القدرية والمصادفة بشكل سينمائى براق لكن فاتهم أن كل ما تمت روايته جاء من خلال ذاكرة «بنجامين» إذ لا يمكن أن يعلم بالطبع أن موظفا تأخر عن عمله فعطل سيدة عن استقلال تاكسى توقفت أمامه عربة مثلجات فمر من خلف المسرح فى اللحظة التى خرجت فيها ديزى ليصدمها.. ولو أن طرفا واحدا من تلك المعادلة لم يتأخر أو يتعطل لم يكن التاكسى قد صدمها لذلك نحن أمام هفوة سردية سببها هذا النوع من السرد بل لوهلة أصبحنا أمام «ديفيد فينشر» صاحب فيلم «نادى القتال» وليس «بنجامين باتون»..

ورغم أن «إريك نورث» أحد كاتب السيناريو حاصل على أوسكار أحسن سيناريو عن «فورست جامب» الذى ظلت روحه السردية تحلق على «بنجامين» طوال الوقت خاصة مع اعتماد «إريك» على الحوادث التاريخية والاجتماعية الشهيرة لكى يتجنب ذكر السنة الزمنية التى تدور فيها الأحداث بشكل تسجيلى مباشر كأن يذكرها فى الحوار مثلا..

فنحن نتابع المحطات الزمنية فى حياة «باتون» تماما مثلما تابعناها مع «جامب» من خلال الحروب وظهور الصراعات الفنية – كالبيتلز- وصعود الإنسان للقمر وصولا إلى إعصار كاترينا عام ٢٠٠٣ حين توفيت «ديزي» التى تتولى رواية بقية الأحداث بعد أن يتوقف الصوت السردى للمذكرات..

والتى نكتشف على غرار «بين الأطلال» أنه يكتبها لطفلته التى صارت امرأة تجلس مع أمها المحتضرة فى المستشفى ولا تدرى أن أباها الحقيقى صاحب حالة– زمنية- شاذة.. هذا الشذوذ وضع صناع الفيلم أمام أكثر من فخ أصابنا بالحيرة فنجد شكل وقدرات «بنجامين» الجسدية وهو فى بداية المراهقة شكل وجسد عجوز شائخ بينما روحه وذهنه روح وذهن مراهق..

وإذ به يذهب إلى أحد بيوت الدعارة ويهلك العاهرة التى ينام معها لساعات كأنه فتى فى عنفوان قوته الجسدية فى حين أنه لم يكن قد سار على قدميه نتيجة شيخوخة جسده إلا منذ سنوات قليلة.. إذن فقد ربط الفيلم القوة الجنسية لديه بروحه وذهنه وليس جسده رغم أنه ربط غريب لان القوة الجنسية مرتبطة أساسا بالجسد، إذن نفترض أن «باتون» سوف تقل قدراته الجنسية عندما يصبح مراهقا فى طريقها التنازلى نحو الصغر والموت..

لكننا نكتشف انه لا يزال يحافظ على قوته الجنسية وهو فى جسد مراهق وروح شيخ.. فهناك أمر ما غير مفهوم فى تلك المسألة فهل كان الأحرى أن تصبح قوته الجنسية مرتبطة بخط سير جسده وليس روحه لان ذلك أصابنا بتشويش غير هين فى استيعاب تلك المعادلة.

وقد قدم «فينشر» حالة لونية مميزة للفيلم وإن بدت كلاسيكية فى كثير من المواضع مثل الفصل اللونى بين الأزمنة فزمن الأم المحتضرة فى المستشفى تغلب عليه زرقة الموت والبرودة الأخيرة للجسد.. بينما حياة «باتون» فهى الأصفر الحار الذى ينسحب تدريجيا بتقدم خط سير الشخصية..وبما أنه يقدم فلاش باك داخل الفلاش باك مثل مشاهد العجوز الذى يحكى لـ«باتون» عن ضربات البرق التى تعرض لها فإنه يقدمها بالأبيض والأسود الشبيه بالأفلام الصامتة..

وضربات البرق هنا رمز لضربات القدر التى تتوالى على الإنسان ولكنه يظل مقيدا فى حبل الحياة لا يستسلم ولا يخشى أن يستمر فيها. و قد بنى «فينشر» الإيقاع المونتاجى للفيلم قريبا من حياة «باتون» الجسدية، فالفصلان الأول والثانى يحركهما البطء فى إيقاعهما..

لأنهما يتعاطيان مع شيخوخة جسد «باتون» بينما الفصلان الثالث والرابع أكثر حيوية وتدفقا بالأحداث.. لان الجسد اصبح أكثر شبابا وهو بناء مونتاجى حسى فى الأساس أصاب البعض بالملل أو الشعور ببطء حركة الدراما ولكن من قال إن الشعر قوته فى سرعة إيقاعه.

ورغم أن تركيز الكل جاء على «براد بت» كمرشح للأوسكار كأفضل ممثل إلا أن «كيت بلانشيت» قدمت واحدا من أجمل أدوارها فى لغة جسدية لرقصة الباليه التى لم تنس ذاكرتها الجسدية حتى وهى فى الستين ما تربت عليه.. بينما قدم فنانا الماكياج والمؤثرات الخاصة إضافة جديدة لهذا المجال بعد سلسلة «مملكة الخواتم»

حيث شاهدنا ملامح «براد» فى صورة شيخ عجوز على جسم طفل صغير وهو ما رسخ حالة الإيهام التى سربت إلينا اقتناعا كبيرا بواقعية الأحدث رغم سحريتها الشعرية الغامضة.

 

ريفيو

الاسم الأصلى: The curious case of benjamine button

الاسم التجارى:حياة رائعة

سيناريو: إريك روث – روبين سويكورد

إخراج: ديفيد فينشر

بطولة: براد بيت- كيت بلانشيت

مدة الفيلم: ١٦١ دقيقة

ــــــــــــــــــــــــــــــــ

ناقد سينمائي مصري

مقالات من نفس القسم