حطب سراييفو لسعيد خطيبي: لا شيء يجعل البشر متشابهين سوى الألم

موقع الكتابة الثقافي uncategorized
Share on facebook
فيسبوك
Share on twitter
تويتر
Share on whatsapp
واتس أب
Share on telegram
تيليجرام

أحمد طيباوي*

لا شيء يجعل البشر متشابهين سوى الألم.. أو هذا ما تقودنا إليه رواية  “حطب سراييفو” للروائي الجزائري سعيد خطيبي الصادرة صيف العام الماضي عن منشورات الاختلاف ومنشورات ضفاف. في الجزائر كما في البوسنة، انتهى القرن العشرون داميا، تفرق الناس بسبب الدين والعرق ووحدهم الألم. تشابهت أقدار سليم وإيفانا عندما هرب كل منهما من حرب طاحنة في بلده، ومن الكراهية، وذهبا ينشدان حياة أخرى في سلوفينيا، ثم تشابهت نهايتاهما أو خيبتاهما. يصور خطيبي في هذه الرواية محيطي البطلين ومساراتهما، مفسحا لهما الزمن والأمكنة- بين الجزائر وسلوفينيا والبوسنة- للتعبير عن آثار الخوف وعن التطلعات للمستقبل وحتى عن أشياء بسيطة وتافهة، ويرصد من خلالهما بشاعة الاقتتال بين إخوة الوطن.. الذين يصبحون إخوة في الألم فقط، وفي المنفى تتبعهما رائحة الحرب وتتبدى عليهم ملامحها.. والسعادة ليست في الانتظار دائما.

يهرب سليم، أو يطلب راحة، من موت مجاني يحصد الأرواح الآثمة والبريئة، يفقد وظيفته كصحفي مهدد بالقتل في أي لحظة، ويذهب لزيارة عمه في سلوفينيا. يخلف وراءه أبا مصابا بالزهايمر وحبا ليس على المقاس وأشياء قليلة أخرى.. في الفترة ذاتها تصل إيفانا إلى سلوفينيا، امرأة بوسنية تحمل طموحها في الكتابة المسرحية وتترك أما وشقيقة مريضة، شقيقها سبقها إلى الهجرة ولم تكن الحياة في نظرها ممكنة سوى خلف الحدود.. في البوسنة كان الموت ولا شيء معه.

تظهر بين سليم وإيفانا بوادر حب لم يسمح له الوقت ولا الظرف بأن ينضج، وتنقلب حياة سليم رأسا على عقب إثر مقتل عمه سي أحمد الذي لم يبق عمه بعد وفاته، بل صار والده، وأصبح مهموما بمعرفة أصل منبته.. لم يبق المرء دوما أسيرا لبداياته؟ يرجع إلى بوسعادة للبحث عن جذوره، ولن تتكرم عليه الحياة حتى بمعرفة قبر أمه كأن ذلك ترف لا يستحقه. وتعود إيفانا مهزومة إلى بلدها، حبيبها السابق هو من تورط بقتل سي أحمد عندما كان يحاول مساعدتها للخلاص منه.. تعلمنا هذه الرواية كيف أن المرء يلقى المصائب مجتمعة ومتتابعة بينما لا يظفر بالسعادة إلا نتفا، ناقصة ومتباعدة.

حطبا لحرائق الحياة.. رمادا قبل الموت، تمر الأيام على البشر، مجرد لاعبين لأدوار محددة سلفا على مسرحها. لم يظفر البطلان سوى بمسرحية اقتبستها إيفانا  عن فيلم “هيروشيما حبي” وسعيدين سعادة ما بأن رأت النور وقد تضمنت شيئا من حياتهما، فيما يتصالح سليم شيئا ما مع حاضره الملغم بماض ملتبس ويؤسس رفقة صديق له جريدة أسبوعية جديدة، يستهل النشر فيها بسرد يومياته تحت الاسم نفسه الذي اتخذته إيفانا لمسرحيتها “حطب سراييفو”.

نجح الروائي سعيد خطيبي، من خلال نصه الممتد على أكثر من 300 صفحة من القطع المتوسط، بفضل بنيان محكم ونسج جميل، وبلغة مناسبة لموضوع الرواية، في تحسس آلام البشر، وأثمرت التجارب التي رصدها في أن تقول بأن الألم يوحد البشر أكثر مما يفعل أي شيء مشترك آخر.

………………

* روائي وأستاذ جامعي- الجزائر

مقالات من نفس القسم