حسين عبد الرحيم: “زووم إن” مرثيتي الجديدة عن فردوسي المفقود “بورسعيد”

حسين عبد الرحيم: "زووم إن" مرثيتي الجديدة عن فردوسي المفقود "بورسعيد"
Share on facebook
فيسبوك
Share on twitter
تويتر
Share on whatsapp
واتس أب
Share on telegram
تيليجرام

حاورته:   زيزي شوشة

بحنين جارف إلى موطنه الأصلي ”بورسعيد”، وبحميمية مفرطة مع تلك المدينة الباسلة، ومشاعر تقف أحيانًا على حافة الجنون، من فرط عبثية ما وصل إليه حال معشوقته، يواصل القاص والروائي “حسين عبدالرحيم” في مجموعته الجديدة “زووم إن” الصادرة حديثًا عن المجلس الأعلى للثقافة، ضمن سلسلة إبداعات التفرغ، الإبحار في عالمه الخاص، هذا العالم الذي تشكل عبر ذاكرة معبأة بأنين الفراق والحنين والتي يستقي منها قصصه ورواياته، بدءًا من “عربة تجرها الخيول”، انتهاءً إلى “زووم إن” التي يلملم فيها أشلاء هذه الذاكرة المبعثرة غير الانتقائية، تحت وطأة العصف والتلاشي والهذيان.

حاورته:   زيزي شوشة

بحنين جارف إلى موطنه الأصلي ”بورسعيد”، وبحميمية مفرطة مع تلك المدينة الباسلة، ومشاعر تقف أحيانًا على حافة الجنون، من فرط عبثية ما وصل إليه حال معشوقته، يواصل القاص والروائي “حسين عبدالرحيم” في مجموعته الجديدة “زووم إن” الصادرة حديثًا عن المجلس الأعلى للثقافة، ضمن سلسلة إبداعات التفرغ، الإبحار في عالمه الخاص، هذا العالم الذي تشكل عبر ذاكرة معبأة بأنين الفراق والحنين والتي يستقي منها قصصه ورواياته، بدءًا من “عربة تجرها الخيول”، انتهاءً إلى “زووم إن” التي يلملم فيها أشلاء هذه الذاكرة المبعثرة غير الانتقائية، تحت وطأة العصف والتلاشي والهذيان.

وعبر 21 نصًا يرثي «عبد الرحيم» حال مدينته التي عاش فيها أكثر من 20 عامًا، قبل تهجيره في زمن الحرب إلى إحدى قرى محافظة الدقهلية، معلنًا سخطه وغضبه على ما آلات الأمكنة والشخوص إليه، وتشوهات الروح والجسد لمدينة كانت تسقى في زمن مضى بماء الورد.

تلك التشوهات يرجعها “عبد الرحيم” إلى سياسة الانفتاح الاقتصادي التي اتبعها الرئيس الراحل أنور السادات، وهنا يقول: حين أصدر السادات قرارًا رئاسيًا بتحويل “بورسعيد” إلى منطقة حرة كان ذلك بمثابة تدشينًا أوليًا للعبث في مصر، بل كان أول خروج عن المألوف فيما يخص مفهوم التجارة والرشوة والفساد، ذلك لأن الاقتصاد المفتوح نفذ بشكل تخريبي وتدميري، واستفاد من ذلك كل الفاسدين على مستوى مصر، الأمر الذي أدى إلى تشويه روح المدينة وجسدها، ومن ثم انتقلت هذه التشوهات إلى باقي المدن المصرية، فبورسعيد بالقدر وبالتعمد هي ماكيت مصغر لما حدث من تناقضات في كل المدن المصرية، ولما حدث من تراجع لدور مصر وتهجين في شكل العمارة والشوارع وسلوكيات البشر.

تتعالى أصوات الغضب وتكثر مشاهد الرثاء في متتالية “زووم إن” القصصية من خلال قصص الموت التي صاغها الكاتب بلغة مريرة ومشاعر تصل في أحيان كثيرة إلى حد الهذيان، ويشير القاص إلى أن ما سرده من قصص موت لأصدقائه القدامى ليس الغرض منها الاستغراق في همومه الذاتية، بل يؤكد أن الاحتفاء بالموت في المجموعة يتوازى مع موت بورسعيد القديمة، ويرمز إلى احتضار وانهيار الكثير من القيم الاجتماعية والأخلاقية.

ويتابع “بورسعيد كانت بالنسبة لي الفردوس المفقود، رأيتها في “ريمينيه” المكان الذي ولد فيه المخرج السينمائي الشهير فيلليني، ورأيتها أيضًا في بعض الأعمال الخاصة بنجيب محفوظ، وتعاملت معها بشكل روحي قاتل في الكثير من الأعمال السينمائية وخاصة فيلم “الموت في فينيسيا”، ولذلك عندما بدأت مشروعي الكتابي كان همي الأساسي هو إحياء هذه المدينة عبر التخييل، وهذا ما فعلته في رواية “العربة تجرها الخيول”، ولكنني الآن أحاول لملمة أشلاء الذاكرة، قبل فقدها تحت وطأة هذا الزمن في “زووم إن”، ورغم أنها حاضرة في كل أعمالي إلا أن الكتابة عنها لم تستطع حتى الآن أن تطفئ لهيب الذاكرة، ولم تستطع الكلمات أن تطارد رائحة البحر، وفي كل مره كنت أحس أن علاقتي بها انتهت، تأتي الذاكرة لتحركني من جديد وتدفعني للكتابة ولكن بأشكال مختلفة عن كتاباتي السابقة.

في ثنايا السرد تظهر صورة جمال عبد الناصر، ذلك الحضور المرتبط بالصورة الذهنية المرسومة له في أذهان المهمشين، وهنا يقول “ما زالت صورة «ناصر» موجودة، تحرك ويحركها كل ما هو سياسي واجتماعي ونضالي وثقافي، وكل ما هو مرتبط بالفقر والغنى والعدالة الاجتماعية وفكرة الخلاص في حد ذاتها، فالتاريخ والتأريخ يؤكدان وبجسارة نافذة، ماهية عبد الناصر في نفوس وأرواح المصريين وسلوكياتهم وتعاطيهم مع السياسة والانتخابات المنتظرة، لأنه الرئيس الوحيد الذي حلم بالعدالة الاجتماعية والاستقلال”.

ثمة محطات رئيسية ساهمت في تشكيل كتابات حسين عبد الرحيم يتحدث عنها قائلًا: منذ صغري كان عندي ولع بأن أتتبع مصائر الشخصيات الروائية في كتابات ونصوص نجيب محفوظ، ويوسف إدريس، توماس مان، روجار ألن، تشيكوف، مستكملًا ما آلت إليه أقدار أبطال قصص هؤلاء، حتى فيما يخص الصورة السينمائية، والدليل ولعي حتى هذه اللحظة بشخصيات وجودية مثل عيسى الدباغ في السمان والخريف، فتحية في النداهة، أغلب أبطال السينما الإيطالية، بحيث إنهم أصبحوا بالنسبة لي صورة مثلى للمتاهة وتلك الأزمات الوجودية التي يعانيها الكاتب والمكتوب عنه، كل هذه المحطات ساهمت بشكل كبير وحيوي ومتجدد في علاقتي بالكتابة ودوافعها.

مقالات من نفس القسم