حاجي غورا حاجي.. تعلم قراءة إيقاعات الأمواج قبل أن يقول الشعر

موقع الكتابة الثقافي uncategorized 23
Share on facebook
فيسبوك
Share on twitter
تويتر
Share on whatsapp
واتس أب
Share on telegram
تيليجرام

أماندا لياغه *

ترجمة: أحمد فاضل

حاجي غورا حاجي (85) عاماً، هو واحد من كبار الشعراء في زنجبار، يقضي صباحه في سرير مغطى بستارة خفيفة ضد الناموس، عقله يتجول وحيداً بين العالم الحقيقي وعالم الموتى المتخيل لغرفة صغيرة لا تكاد ترى ضوء الشمس في بوبو وهي قرية صيد تقع على بعد خمسة أميال شمال عاصمة زنجبار.

“عاد والدي إلى حالة الطفولة كما هو مكتوب في القرآن”، كما يقول ابنه ويدعى أيضا حاجي، الآن هو في أوائل الأربعينات من عمره يقول عنه أيضاً: “من واجبنا أن نهتم به ونحرص على تذكره”، لأنه   جزء   من الذاكرة الشعرية في زنجبار التي يقول عن ثورتها العنيفة عام 1964 التي أطاحت   بسلطانها   جمشيد   بن عبد   الله وحكومته المكونة بشكل أساسي من العرب عن طريق الثوار الأفارقة المحليين:

لقد وصل الإعصار مرة واحدة،

إلى هذه المدينة

لقد كانت فوضى

اقتلعت الأبواب،

لكنها تركت أشجار النخيل

كانت القلوب مضطربة.

طارت الصخور،

تدحرجت مراراً وتكراراً

سفن كبيرة غرقت،

مع هذا الإعصار العنيف

كانت القلوب مضطربة.

مساهمات حاجي غورا في الشعر السواحلي ولغته هائلة حيث اشتهر بكيمبونجا أول إصداراته عام 1994ومنذ ذلك الحين نشر ستة كتب أخرى منها أوتينزي وا فيزا فيا نبي سليمان بن داودي (ملحمة النبي سليمان ابن داود) ، وسيري يا غينغينغ (أسرار من غينغينغ) فضلا عن خمسة كتب للأطفال جميعها صدرت في أوائل عام 2000.

في عام 1999 ، كان يمثل الشعر السواحلي في مهرجان الشعر الدولي في روتردام ، وفي عام 2006 ، قام بتطوير أول قاموس لـتومباتا وهي لهجة يتحدث بها سكان جزيرة تومباتا على بعد نصف ساعة بالقارب من شواطئ شمال أونجاجا حيث ولد، وعلى الرغم من إنجازاته العديدة يعيش حاجي غورا في فقر وعزلة وصحته في تدهور ، وأولئك الذين يدركون أهمية عمله يدرسون كيفية الحفاظ على إرثه وقد تولى اثنان من أبنائه علي وحاجي مهام الرعاية الأولية في منزلهما في بوبو ، علي وهو إقطاعي يبلغ من العمر 28 عاماً، أكمل مؤخراً مخطوطتين من شعره وهو على اتصال دائم معه وكثيراً ما يتأكد من أن هاتف والدهم مفتوح باستمرار حتى يمكن أن يكون نقطة اتصال مستمرة معه، لدى حاجي وهو مدرس إسلامي سابق توكيل رسمي على ملكية والده، ويحلم الشقيقان معاً في يوم من الأيام امتلاك مؤسسة لترويج وحفظ عمل والدهما ، مع أنهما يمتلكان مكتبة صغيرة بالقرب من منزلهما لعرض كتب والدهما واستضافة محبي شعره وإقامة بعض الجلسات حوله ، ومع ذلك فبدون تمويل تظل الفكرة حلما.

ونظراً لأن بعض أعمال حاجي غورا المبكرة لا توجد في الطبعات النهائية، أو أي إصدارات أخرى على الإطلاق، فإنها تواجه خطر الاختفاء تماما، مع أنها تشكل أكثر من نصف قرن من تراث زنجبار الثقافي ، قال عنه الكاتب الحاج هلال:

“لا يعتبر حاجي غورا فقط أكبر كاتب يعيش في زنجبار من حيث العمر، بل أيضاً من حيث الشكل الفني نفسه، ولا يمكننا المضي قدماً في تعزيز أدبنا دون العودة إلى الوراء والنظر في الأدب القديم فإذا فقدنا رجلاً مثل حاجي غورا، فإننا نخاطر بفقدان أغنى وأقدم وأوسع الأمثلة على هذا الشكل الفني، ولن يراه الشباب اليوم أبداً ما لم نحفظه ونتعلم منه وعلى كُتاب المستقبل في زنجبار معرفة لماذا تألق حاج غورا في جميع ما كتبه من أعمال، مستقبل الأدب الزنجباري يعتمد على ذلك”.

مثل معظم الأطفال الذين نشأوا في المدن الساحلية لزنجبار، تم تعريف حياة حاجي غورا عن طريق البحر فقد وُلد حسب معظم الروايات، في تامباتو عام 1933بدون شهادة ميلاد، ولا أحد يعرف التاريخ الدقيق له وتعلم قراءة إيقاعات الأمواج قبل أن يختار القلم والورقة ليكتب شعراً، كان والده غورا حاجي قائدا بحريا وصياد سمك ماهر، أما والدته مزي مجمبي جوما فكانت ربة منزل وعلى الرغم من أن حاجي غورا لم يتعلم الكتابة بشكل رسمي، إلا أن أحد أصدقاء طفولته علمه الأبجدية وذهب حاجي غورا إلى المدرسة لدراسة القرآن (زنجبار مسلمة بشكل كبير)، وكما يشير علي صالح فإن حاجي غورا درس في محو الأمية حتى يتمكن من القراءة والكتابة من   تلقاء نفسه.

عندما كان في الرابعة من عمره انتقل حاجي غورا إلى الإمبراطورية، وهو حي مزدحم في مدينة ستون تاون التاريخية، أونغوجا (الجزيرة الرئيسية في زنجبار)، والتي كانت تحتوي على سينما شهيرة تعرض أفلام هوليوود عندما كان في سن   المراهقة،   كان   يتسلل   إلى سينما الإمبراطورية لمشاهدة الأفلام الأمريكية مثل 20 ألف فرسخ تحت سطح البحر، ثم يتوجه إلى البارازا (المقاعد الحجرية الطويلة) ليحتسي القهوة السوداء القوية ويتحدث مع الأصدقاء حتى المساء ، وكانوا يلعبون لعبة باو ، وهي لعبة شعبية شائعة على طول الساحل   وليستمتعوا بنسيم البحر الذي يجلب الهواء البارد بعد حرارة النهار الشديدة.

في أربعينيات وخمسينيات القرن الماضي   بدأ بالتنقل في كثير من الأحيان بين تامباتو الهادئة ومدينة ستون الفوضوية ، حيث   وجد مصدر إلهام لشعره المبكر في كلا المكانين ، كانت تلك هي الأيام التي ساد فيها السلاطين على الرغم من أن البريطانيين كانوا يدعون أيضاً   الحكم الإداري على زنجبار فاندلعت الاضطرابات السياسية والثورة في عام 1963 قبل   اندماج زنجبار مع تنجانيقا في عام 1964 لتصبح ما يعرف اليوم باسم جمهورية تنزانيا المتحدة .

وبينما تحول المشهد السياسي في   زنجبار عبر عقود، ظلت الثقافة والتقاليد السواحلية الساحلية محورية للحياة في الجزيرة ، يتتبع حاجي غورا حبه لموسيقى نغوما وهي قرع الطبول التي تصاحبها لغة هي في الأصل تتحدر من الكونغو ، إنه تقليد البانتو الذي انتشر في زنجبار عبر تاريخ مرهق من العبودية والتجارة بين أفريقيا الداخلية وساحلها، وكذلك شبه الجزيرة العربية وهناك أشكال مختلفة من نغوما، لكل منها الإيقاعات والأصوات الخاصة بها، ولكن تم توجيه حاجي غورا إلى نغوما يا كباتا   والذي يتميز بالحوار السريع المرتجل مع ايقاعات الطبول ، بينما يقف المغنون والراقصون صفاً واحداً يتحركون برشاقة على تلك الإيقاعات مع خطوط الكورال.

في سن المراهقة المتأخرة انضم حاجي غورا إلى زيغ ونغامبوا وهما فرقتان تتنافسان بالاعتماد على التومبتو المؤلفة من مئات الكلمات تتراوح بين حوارات متعرجة وحادة، وكثير منها لم يتم كتابتها أبداً ولا توجد إلا في ذاكرة حاجي غورا:

لا تشرب

لا تشرب، يجب عليك مشاركته مع الآخرين

يمتلك الإمام لعناتهم، ولأتباعهم أيضا لعناتهم،

لقد أصبح العالم مظلماً بسبب تصرفات البشرية

البشر ليسوا جيدين

وبالتأكيد ليسوا جيدين،

الشخص الذي تثق به، أظهر له الرحمة

أنت تثق بسرّك،

لكن الذي في قلبهم هو كتلة من الضغينة .

كتب حاجي غورا مئات من الكلمات التي تجمع بين   العاطفة   الرومانسية   مع   اهتمامه الشديد بالسياسة والفلسفة، كتب هذه الأغاني معظمها في نسق مقسم من ثلاثة أسطر مع أخرى مائلة، وتم قراءتها مع موسيقى عزفتها الأوركسترا الكبرى في قاعات الموسيقى في جميع أنحاء الجزيرة، وبدءاً من الستينيات، كانت كلماته تُعزف عبر إذاعة زنجباري والتي غناها العديد من أشهر فناني الطرب في الجزيرة ويعتبر النص الشعري “دنيا رانجي مبيلي” أي عالم ذو وجهين وهو أول نص لغورا كتبه عام 1959 يغنى من قبل المغني خميس عبيد من مدينة زنجبار لأول مرة في عام 1964 مباشرة بعد الثورة:

عالم ذو وجهين

الخير يأتي أولاً

عالم لا يمكن التنبؤ به

مثل لعق العسل

يجعل الناس يشعرون بالسعادة

ثم هناك شر

يمكن أن ينقلب ضدك

كرامتك

في الحق الذي دائماً تقوله

وكل ما تنوي القيام به .

على الرغم من أن العديد من كلمات قصائده هي من الحب وإلى الحب، إلا أن حياته الرومانسية كانت صاخبة، كان حاج غورا قد وقع في وقت من الأوقات بحب يبدو أنه لن يتكرر بسبب فشله فقرر أن ينأى بحياته بعيداً عن كل حب فراح يسبح خارج الشعاب المرجانية في المياه العميقة ولما   شارف على الغرق أنقذه بعض البحارة، في نصه “موبزي وانغو موانداني” حبيبتي يا حبيبتي، نتعرف على ذلك الحب الذي ودعه من غير رجعة :

حبيبتي يا حبيبتي

حُبي، أحييكِ

لا أستطيعُ أن أبتسمْ

روحيَّ هي لكِ،

لكن الحبَ يعاقبني

أنتِ بعيدة، لا أراكِ

أنا أبكي وداعاً

أنا لا أعرفُ ما يجبُ القيامَ به

أريني بعضَ الإيمانِ

لحبِ شخصٍ مثلكِ

أفكرُ باستمرارٍ

أنْ أرجعَ إلى حُلمي ..

إننا نرى من خلال هذه القصيدة أن العواطف هي أساس شعره والذي يدفع بها هو ذلك الشعور الطاغي تجاه من يحب ، البيئة هنا سبب في فراقه عنها ، لكنه ومع كل تلك الاحباطات العاطفية ظل متمسكاً بإنسانيته وأفعاله وبطبيعته وعالمه الذي يحياه.

مع نمو شهرته بين عشاق كتاباته ، اكتسب حاج غورا سمعة كبيرة كواحد من صناع الكلمة الجميلة والتي صاغ منها أشكالاً فريدة من أشكال الشعر المعروف على طول الشريط الساحلي لبلاده باسم مشهيري يا مامبانو ، أو “شعر المواجهة”.

في أوائل التسعينات ، بدأ حاجي غورا في جمع شعره المكتوب بخط اليد في مخطوطة   كتبها كيمبونجا شجعه عدد قليل من الأساتذة في جامعة ولاية زنجبار وشاركه عمله غير المنشور مع علي مواليمو رشيد ، الذي كان حينذاك مديراً لقسم الأبحاث والنشر بالجامعة الذي يقول عنه: “عرفت عندما قرأت مخطوطته أن الحاج كان لديه موهبة وإبداع أكثر من أي شخص صادفته على الإطلاق”، في نهاية المطاف وصل حاجي غورا بجامعة دار السلام   للنشر التي أصدرت كمبونجا في عام 1994، وهكذا بدأ الفصل الثاني من رجل من زنجبار يعتبر بالفعل أعظم شاعر سواحلي على قيد الحياة .

في عام 2015، عندما كان في أوائل الثمانينيات من عمره أصيب حاجي غورا بسيارته   أثناء قيامه بجولاته المعتادة في سوق دراجاني وهو سوق ستون تاون المترامي الأطراف، عانى من كسر في ساقه وانتقل على مضض خارج المدينة للشفاء في قرية مجاورة، حيث يمكن أن تعتني عائلته به، ومع أن متاهة المدينة كانت تغذي إبداعه، لكن عائلته أصرت على أنه بحاجة إلى إشراف دقيق خلال   فترة تعافيه، وعندما تم إصلاح ساقه بدأ عقله ينهار ما دفع بعائلته حجزه في غرفة بسيطة بدون إذاعة أو هاتف محمول، وهما شريكا حياته ، بحجة أنه سوف يضيع إذا غامر بالخروج وحده وتعتقد العائلة أن حاجي غورا لم يعد يستطيع الكتابة بالطريقة التي اعتاد عليها وأن عقله يجب أن يستريح وبعد مرور ستة أشهر على انتقاله إلى تلك القرية بدأ يتحدث إلى مخلوقات غير مرئية حتى أيقنت أسرته أنه بدأ يهذي ، أما الأشباح التي تظهر له فهي من صنع خياله .

تقول ناتالي أرنولد كوينينغز وهي باحثة ومترجمة التقت لأول مرة بالحاج غورا عندما كانت طالبة أدبية سواحيلية تبلغ من العمر 24 عاماً   في زنجبار: “إنني قلقة من أن يترك وحيداً، أريد أن أخبر أصدقائه بذلك وأن يخصصوا وقتاً   لزيارته ، دعونا نشكره ونعتني به لقد أعطى الكثير، لا ينبغي أن ينسى”.

………….

 

* أماندا لياغه ليختنشتاين: شاعرة وكاتبة ومحررة تقسم وقتها بين شيكاغو وزنجبار، كتبت لعديد القنوات الإذاعية الإنجليزية منها الإذاعة العامة الدولية ، سي إن إن، أطلس أوبسكورا، الأصوات العالمية، والإذاعة العامة الوطنية، ظهرت أعمالها الأدبية في عديد المجلات الأدبية الأمريكية .

*عن مجلة الشعر الأمريكية

مقالات من نفس القسم