جمال الغيطانى: تنبأت ببيع مصر فى مزاد علنى عام 1974

موقع الكتابة الثقافي
Share on facebook
فيسبوك
Share on twitter
تويتر
Share on whatsapp
واتس أب
Share on telegram
تيليجرام

حاورته :  علا الساكت   

«أريد أن يقرأنى الناس فيقولون هذا النص غيطانى» هكذا لخص الكاتب الكبير جمال الغيطانى مشروعه الأدبى على مدار خمسين عاماً، المشروع الذى هيمن عليه ولع بالتراث المصرى والإسلامى، لم يجتهد الغيطانى فى إخفائه يوماً منذ أصدر أولى مجموعاته القصصية «أوراق شاب عاش ألف عام»، وحتى مشروع دفاتر التدوين الذى تصدر الحلقة السابعة منه بعنوان «الإقامة» خلال أسابيع.وقد عبر الغيطانى حدود مصر إلى الغرب مبكراً من خلال مشروعه الأدبى القائم على التراث، فترجمت أول أعماله إلى الفرنسية فى 1985، بادئة علاقة مع الثقافة الغربية اتسمت بالشد والجذب خصوصاً فى الآونة الأخيرة.

وفى حوارنا التالى يعلق الغيطانى على معركته مع واحدة من منابر الثقافة الغربية بالعالم العربى، وهى مجلة «فكر وفن» التى اتهمها الغيطانى بالتحريض على العنصرية، وخص بالذكر رئيس تحريرها شتيفان فايدنر فقال: «شعرت بإهانة شديدة، فمن هذا الذى يأمر الكتاب العرب بالكتابة بأسلوب معين، ومستواه لا يضاهى مستوى طالب فى الصف الأول بقسم اللغة العربية».

وتابع: «مجلة (فكر وفن) نموذج للتدهور، فقد كانت مجلة ذات قيمة وكانت أعدادها مراجع، لكن المجلة بدأت تغير اتجاهها ومارست الاستعلاء على ثقافتنا وانتقدت الثقافة العربية نقداً عنصرياً».

وأدان الغيطانى سعى بعض الكتاب العرب إلى الترجمة واعتبره سبباً لما يحدث قائلا: «قسم كبير من المسؤولية يقع على عاتق الكتاب المتلهفين على الترجمة، فهم سبب لإيجاد علاقة غير صحية بين الثقافة العربية وصغار المستعربين، إذ يرونهم طريقاً للعالمية، فيتحينون الفرصة لمستعرب لا يعرف العربية حتى، أن يمارس الاستعلاء على الثقافة العربية وأن يقيم ويأمر الكتاب العرب بأن يكتبوا بطريقة معينة».

 

ـ لكن رد شتيفان فايدنر أرجع هجومك على المجلة للغيرة من علاء الأسوانى، فما تعليقك؟

– أنا بالذات لا أشعر بتنافس مع أى كاتب، فأنا أكتب فى اتجاه وحدى، ومهمتى على رأس جريدة أخبار الأدب أن أبرز الكتاب.عيب أن يقال ماذا فعلت من أجل كاتب ما، لكنى أود أن أشير إلى خطورة تبرير الجرائم الكبرى بأشياء صغيرة، فهو يريد أن يجرنى إلى الرد بأنى لا أغار.وليس أدل على ذلك من أننا احتفينا بالأسوانى فى أخبار الأدب ونشرنا روايته كاملة على صفحات الجريدة.ليس لدى مسألة الغيرة هذه، وقد فوجئت بأن مستعرباً ألمانيا انحدر مستواه إلى «الردح» فى الحارات.

 

ـ لكن فى مقالك الأول أشرت لخطبته فى تكريم علاء الأسوانى، حيث تحدث حول وجوب نزول الكتاب العرب من أبراجهم العاجية؟

– فى المقال الأول لم يكن لدى الحيز الكافى لشرح رؤيتى كاملة، لذلك اكتفيت بالإشارة، على أساس أننى سأستعرض مضمون العدد العنصرى لاحقاً، وقد فعلنا ذلك فى الأعداد التالية.وبدلاً من المناقشة الموضوعية، تحول الأمر إلى شتائم، وجعلنا فايدنر نرى وجهاً جديداً للغرب «يردح».

 

ـ لديك مشروع أدبى قائم على التناص مع التراث، كيف تجد استقبال القراء لهذا النوع من الكتابة؟

– فكرة إمكانية وجود هذه الكتابة مرضية بالنسبة لى، فقد أصبح من الممكن وجود تيار يتعامل مع التراث، يستوعبه الوسط الأدبى العربى بشكل مختلف عن الوقت الذى بدأت فيه الكتابة فى الستينيات.ففى ذلك الوقت لم تكن القضية متعلقة بإيجاد شكل التعبير بقدر ما هى متصلة بحرية التعبير، فكانت الأشكال المتاحة والمكرسة نقدياً صارمة لكنها لا تريحنى، إذ لم تكن إطاراً مناسباً لما أريد أن أقوله.

 

ـ لكن هل ينسجم القراء مع الكتابة بلغة رصينة قريبة من المنطقة التراثية؟

– لدى شعور بأننى وكل الكتاب الكبار من جيلى والكتاب الجادين من الأجيال الجديدة نشبه الفنانين فى خان الخليلى الذين ينقشون الصوانى النحاس بدأب وصبر حتى يصاب الفنان منهم بالعمى، وفجأة ظهرت بالسوق كتابة رديئة تشبه «الصوانى التايوانى».

 

ـ يعيش الأدب العربى الآن ظاهرة الكتاب الأكثر مبيعاً، فكيف تقيم المشهد الأدبى فى ظل هذه الطفرة؟

– هناك فوضى فى الحياة الأدبية نتيجة ضعف الحركة النقدية، فرغم الجهود الفردية المتميزة لبعض النقاد، ظهرت كارثة «الأفضل مبيعاً» وهذه ليست ظاهرة جديدة، ففى الخمسينيات كان هناك أدباء حطموا أرقاماً قياسية للبيع، لكن لم يكن أحد يتعامل مع كتبهم على أنها أدب رفيع.

 

وأذكر أن إحدى روايات عزيز أرمانى وزعت حوالى ربع مليون نسخة فى الخمسينيات، ولم يدع الرجل أنه أديب كبير.أما الآن وأصبح البيع مقياساً، فينشر الكاتب كتاباً صحفياً، ثم يدعه إبداعاً حين يحقق مبيعات ثم يعود ويقول إن هذه رواية، والسبب فى ذلك أنه ليس هناك ناقد كبيراً يضع كل كاتب فى حجمه الطبيعى.ما يزيد الواقع الثقافى تأزما، هو دخول الإعلام كعنصر تقييم، فأصبح كافياً أن يُستضاف شخصاً ما مرة واحدة مع مذيع مشهور فيقدمه للناس باعتباره الأاديب الكبير فلان، ليكرس اسمه ويعمد هذا الفلان أديباً كبيراً.

 

ـ  إذا تحدثنا عن الأكثر مبيعاً، فلابد أن نتحدث عن ارتباط هذه الصفة بالرواية الواقعية كنوع أدبى؟

– نحن جيل الستينيات- مشتبكون مع الواقع منذ البداية، وهذا لم يكن اشتباكاً أدبياً فقط بل عملى أيضاً، فقد دفع معظم كتاب جيلنا ثمن هذا الاشتباك، فدخل البعض السجن وتعرض البعض للضغوط فى عملهم.ما أريد أن أقوله أن جيلنا كان يعتبر الشأن العام خاصاً، ولم يكن لدينا مسافة بين ما يمس الوطن وما يمس الفرد، أما الآن فالتمركز على الذات أصبح كبيراً.وخلال السنوات الأخيرة وبحكم المرحلة العمرية التى أمر بها شغلنى التأمل فى الوجود الإنسانى وانطلقت من ذاتى كمركز، وذلك عملاً بقول جلال الدين الرومى «لا تبحث عن مركز العالم، أنت المركز».وتجلى هذا خلال تجربتى فى كتابة دفاتر التدوين التى يصدر منها الدفتر السابع خلال أسابيع.قد يظن البعض أن المصريين لم يعودوا بحاجة لهذا التأمل، لكن الأدب ليس مجرد كتابة كرد فعل للواقع القائم الآن، فقد تنبأت ببيع مصر فى مزاد علنى عام 1974 فى قصة «ذكر ما جرى»، وأتذكر هذه القصة كلما تأملت واقعنا الآن.

 

ـ  لكن هل تجد فارقاً فى تناول جيلك للواقع وتناول الجيل الجديد للواقع؟

– فى الأدب أرفض فكرة المجايلة، فليس هناك جيل يتخرج كل عشر سنوات، بل هناك مجموعة كتابات تشكل ظاهرة.أول مرة أشعر أن ظاهرة الستينيات بدأ اجتيازها خلال السنوات الأخيرة، من خلال ما أسميه الكتابة الجديدة، فهى تشمل كتابات تعبر عن الواقع بضراوة، وأخرى ترتكز على الذات.لا شك أن هذا الجيل لديه إحساس مختلف بالواقع، فجيلنا الآن فى مرحلة المراثى، على سبيل المثال سيصدر الشاعر عبد الرحمن الأبنودى ديوان يحمل نفس الاسم قريباً. وكل كتاب الستينيات، إما بين رثاء الذات أو الوطن الذى نفارقه وهو ليس فى أفضل حالاته.

 

ـ  أنت من أوائل الكتاب العرب الذين تم الاحتفاء بهم فى الغرب، كيف تجد الاحتفاء الغربى بالأدب العربى الآن؟

– اختلفت القواعد إلى حد ما، فعندما صدرت الزينى بركات فى 1985، كان صدورها حدث، لأن كل ما نشر قبل ذلك كان ينشر فى دور نشر صغيرة، متخصصة فى الأدب العربى.أما الزينى بركات فكانت المرة الأولى التى تقدم فيها دار نشر فرنسية كبيرة ترجمة رواية عربية جنباً إلى جنب مع الأعمال المهمة التى قدمتها الدار للكتاب الكبار من أنحاء العالم مثل روايات جابرييل جارثيا ماركيز وجوزيه ساراماجوا وإيتالو كالفينو.فى رأيى القضية ليست الترجمة، بل من يقوم بهذه الترجمة ومن أين تنطلق.وكان ذلك ميلاداً جديداً بالنسبة لى، وحالياً لدى 15 كتاباً مترجماً إلى اللغة الفرنسية، ومن بعدها بدأت حفاوة بالكتابات العربية حتى وصل حجم ترجمة الروايات العربية إلى مئات، حتى إن بعض الأسماء المترجمة من الأجيال الجديدة.

 

ـ  البعض يرى أن هذا الرواج أضر بالأدب العربى، ودفع بالبعض إلى اللهاث وراء الاعتراف الغربى بكتاباتهم؟

– الغرب به اتجاهان، أولهما يتعامل مع النص الأدبى الرفيع، وأشهد أن هناك حركة نقدية نشطة تستقبل النصوص الجيدة.وآخر يريد استخدام الأدب كوسيلة للتلصص على المجتمعات العربية، وهذه رؤية استشراقية موروثة من أيام الاستشراق الاستعمارى الذى تحدث عنه إدوارد سعيد.وفى المقابل صار هناك تيار فى الأدب العربى يدس موضوعات بعينها فى رواياته حتى تترجم، بالطبع يكون ذلك مكشوفاً لنا نحن أهل الصنعة، وهنا تكمن الأزمة، فأخطر ما يهدد الكاتب هو تقديم تنازلات لأجل الشيوع والترجمة.يتضح ذلك بشكل كبير فيما يتعلق بالأدب السعودى على سبيل المثال، ففى الأعوام الماضية خرجت رواية «بنات الرياض» لرجاء الصانع، وهى رواية متواضعة فنياً، لكنها وصلت لأن تكون أكثر مبيعاً وترجمت بأهم سلسلة أدبية بالعالم «بنجوين». على الرغم من أنه هناك أدب أرقى فى السعودية لم يحظ بحقه من الرواج.

 

ـ  هل أثر اختلاف المعيار على رغبتك فى الانتشار غرباً؟

 

ـ عادة حين نفكر فى العالمية نعانى من حالة «حَوَل» فى اتجاه الغرب، رغم أن العالم أوسع بكثير، ولا يمكن أن أنكر أننى استفدت كثيراً من انتشار كتاباتى فى الغرب.لكنى حين دعيت إلى الصين، وترجمت لى أربع كتب، وزعت هذه الكتب مئات الآلاف من النسخ.

 

ـ  مؤخراً للمرة الأولى قمت بتوقيع كتابك «رن» فى مصر، تماشياً مع طريقة دور النشر فى الدعاية لكتبها، فهل ترى هذا الطقس إيجابى أم سلبى؟

ـ الحقيقة زاد الأمر على الحد، بمعنى أن هذه الحفلات كثرت وابتذلت، لكنها ليست مضرة للأدب، لأنها تساعد على ترويج الكتاب، وتقرب الكاتب من قراءه.

 

 

 

مقالات من نفس القسم