“جرعات الهذيان” لمحمد شوشان.. قصائد من رذاذ الحكايات

موقع الكتابة الثقافي uncategorized 41
Share on facebook
فيسبوك
Share on twitter
تويتر
Share on whatsapp
واتس أب
Share on telegram
تيليجرام

هدى الهرمي

في مجموعته الشعرية “هَالْدُول” أو “جُرعات الهذيان” والصادرة حديثا عن دار ديار للنشر و التوزيع، يملأ الشاعر التونسي محمد شوشان تلك الشقوق الغافية في ترهات الوقت، لينفذ إلى ممرّات أوسع من الأفق، فتضاهي ذلك الرشح في إناء القلب ومملكة الحلم كما عبّر عن ذلك في طيات القصائد التي اختزلت طقوسه المقدسة في إتيان ذلك الولع الخالص للكتابة، وجعلنا نرتشف جرعات الهذيان لنتغلغل في مكنونات الذات الشاعرة وهي تندلق فوق جسر من الصور الذهنية أو بالأحرى سريالية ترتاد نبض المتلقي لنرصد ذلك النزف الصوفي تارة والسرمدي تارة اخرى ثم يطوينا أرق إلى حد التقلب بوشائج روح متفردة في الأداء اللغوي السخي، بنبرة لا تخلو من الاستفزاز وهي تُروّج لخفقات متسارعة أثناء الولوج إلى أمزجة الشاعر المُندسّ في شغاف الأبجدية الفاخرة.

إنه منجز يصقل من القصائد قطرات من رذاذ مختلط بانبعاث الحكايات …”حكايات المدى ” فيهتف الشاعر :

الحكاية …أن لا حكاية

منذ نزع الله …

قلب المدينة المضيء عن سمائك

منذ انقشع …

ضباب،

جليد،

وماء مصلوب على الشفاه

كما أنه يحصد الوقائع في نصه “الواقعة” ويتساءل

كيف؟؟

وقعت الواقعة

جاء…

طيفك

الليل،

الخيمة،

الأرض،

والبادية…

ثم ينشقّ بين “المسام “و يفكّ ضفائرها قائلا :

المرأة

التي تدسُّ جلد الثعبان

بيديها…

بمسام روحها،

وتفرك ضفائر الحصان،

في رمشة حلم

لقد انفرطت الحروف كلؤلؤ يتدحرج في قلوبنا لتتوهّج الرؤى في ركب التفعيلات والذكريات، وتتداخل الجوارح بمنأى عن

التكرار والتوثّب خارج اللغة، بل إنه جسّم بحرفيّة تلك العلاقة التفاعلية بينه وبين فرائس الواقع لتغدو الكلمات شاهدة على نحت منفرد في فناء روحه التائقة إلى ترويض المجاز بلغة رصينة تقاوم الهجير والخواء والعدم لتنبت أكاليل من “زهر اللوز” وهو يردّد :

زهر اللوز

بقع الكرز

هذا يكفي لأظل مفتونا بالبياض الفاصل بين زرّ و زرّ..

إن نصوص محمد شوشان ما هي  جرعات روحية، تلامس الذات الإنسانية المرهقة وهي تكابد هسيس الوجع ويحتدّ وقعها باندلاع الهواجس والأرق الذي يتخبّط فيه الحبر بنسق فائض، يتسرب عميقا في المتلقي وتنصاع اليه اختلاجات الروح لتتأهب إلى وشايات القوافي حين تشذبّ أكوام من العطب والغبار فنترجّل منتصبين أمام طابور الشعر الخالص الذي يقوّض الوجوم بجرعات تأبى الانحياز للصمت الواجم قبالة الهوس.

…………

*قاصة وشاعرة تونسية

مقالات من نفس القسم