تَأْتِي إِلَيَّ كَأَنَّهَا الأُولَى!

موقع الكتابة الثقافي
Share on facebook
فيسبوك
Share on twitter
تويتر
Share on whatsapp
واتس أب
Share on telegram
تيليجرام

مُحَمَّد حِلْمِي الرِّيشَة*

"الزَّهْرَةُ الَّتِي تُرَدِّدُ مِنْ حَافَّةِ الْهَاوِيَةِ: لَا تَنْسَانِي، لَا تَمْلِكُ أَلْوَانًا أَجْمَلَ وَلَا أَبْهَجَ مِنَ الْفَرَاغِ المَحَشُورِ هُنَا بَيْنِي وَبَيْنَك."

(أُوجِينُو مُونْتَالِي)

كَيْفَ يَسْتَطِيعُ الَّذِي يَتَقافَزُ فِي حَدِيقَةِ النَّارِ فَوْقَ جِهَاتِهَا السِّتِّ، أَنْ يَصِفَ سَاعَاتِ مُكُوثِهِ فِيهَا؟ كِتَابَةُ الشِّعْرِ، بِاختِصَارِ المَشْهَدِ المَسْرَحِيِّ السَّاخِنِ هذَا لِمُمَثِّلٍ قَلِقٍ، هِيَ شَمْسُ السُّؤَالِ وَظُلُّ إِجَابَتِهِ.

*

(أ)

أَبُثُّ الْآنَ، مِنْ فُوَّهَةِ الرُّوحِ، هَوَاءً ضَعِيفًا مُحَمَّلًا بِبُرُودَةٍ مُزَيَّفَةٍ، عَلَى أَصَابِعِ يَدِي الَّتِي اقْتَرَفَتْ، بِارْتِبَاكِ مُفَاجَأَةِ (أُوغَارِيتْ)، كِتَابَةَ السُّطُورِ أَعْلَاهُ، وَأَقُولُ لَهَا: أَتَكْفِي قُبْلَةٌ وَاحِدَةٌ وَضَعَتْ شَفَتَيَّ عَلَى صَفِيحِ رُؤَايَ السَّاخِنِ؟ وَأُعَلِّلُ: أَنَا، الْآنَ، فِي حَالَةٍ تُشْبِهُ حَالَةَ الْإِبْدَاعِ الشِّعْرِيِّ المُتَرَدِّدِ، وَلَا أَقْوَى عَلَى الْبَقَاءِ فِي سَرِيرِهَا المَائِلِ لِقُبُلَاتٍ نَاجِعَةٍ أُخْرَى؛ إِنَّهُ قَلَقُ الْحُضُورِ الَّذِي تُزَاحِمُهُ رِيَاحُ بَيْتِ (أَبِي الطَّيِّبِ المُتَنَبِّي)، تِلْكَ الَّتِي قَدْ تُبطِلُ، بِإِمْعَانٍ، شَهَوَاتِ الشَّاعِرِ فِي ذُرَاهَا، فَتَفْضَحُ سَرِيرَتَهُ، وَتَفُضُّ أَسْرَارَهُ.

لكِنْ.. لَا عَلَيَّ، سَأُحَاوِلُ الاسْتِجَابَةَ لِنِدَائِهَا، وَعَلَيْهَا أَنْ تَعْذُرَنِي إِنْ لَمْ أُتْقِنِ اتِّزَانِيَ تَمَامًا أَمَامَ رَغْبَتِهَا المُدْهِشَةِ.

(ب)

قَرَأْتُ، ذَاتَ يَوْمٍ بَعِيدٍ، مَقُولَةً لِلشَّاعِرِ الْفَرَنْسِيِّ (بُولْ فَالِيرِي): “تَهَبُنَا الْآلِهَةُ الْبَيْتَ الْأَوَّلَ بِظُرْفٍ وَدوُنَ مُقاَبِلٍ؛ أَمَّا الْبَيْتُ الثّانيِ فَعَلَيْناَ صَنْعَتُهُ”. وَوَقَفْتُ طَوِيلًا أَمَامَهَا مِثْلَ مُكْتَشِفٍ يُحَدِّقُ مَلِيًّا بِرَوْعَةِ اكْتِشَافِهِ، ثُمَّ أَخَذْتُ أُؤَوِّلُهَا؛ غَيْمَةً صَغِيرَةً لكِنَّهَا مُمْطِرَةٌ.. طَائِرَ نَوْرَسٍ بِمَلَامِحَ دَافِئَةٍ.. وَرْدَةً مِنْ يَدِ عَاشِقَةٍ مُضَمَّخَةً بِأَرِيجِهَا الْعَالِيِّ.. نَجْمَةً بَارِدَةً تَجُرُّ ذُيُولَهَا كَعَرُوسٍ شَهِيَّةٍ… مِن حِينِهَا وَأَنَا أَدُسُّ فِي جُيُوبِي، وَمُخَيَّلَتِي، هَدَايَاهَا النَّاقِصَةَ كُلَّمَا وَهَبَتْنِي إِيَّاهَا، وَأُرَدِّدُهَا مُحَاوِلًا إِكْمَالَ نَقْصِهَا الَّذِي أَعْرِفُ أَنَّهُ لَا يَكْتَمِلُ أَبَدًا؛ فَالْقَصِيدَةُ تَكْتَمِلُ بِنُقْصَانِهَا، لِأَنَّ كَمَالَ الْقَصِيدَةِ، بِاعْتِقَادِي، لَيْسَ أَكْثَرَ مِنْ شُعُورٍ يُقْنِعُ الشَّاعِرَ بِتَوَقُّفِ نَزِيفِ عُذْرِيَّةٍ كَانَتْ لِتَجْرُبَةٍ مَا، عَلَى بُقْعَةٍ بَيْضَاءَ مِنْ قِمَاشِ الْحَيَاةِ.

(ت)

مَا يُثِيرُ قَلِيلًا مِنَ الْغِبْطَةِ الرَّاقِصَةِ فِي نَفْسِي الْقَلِقَةِ الْآنَ، وَيُخَفِّفُ عَنِّي جُزْءًا مِنْ عَنَاءِ هذَا (النَّشِيدِ) النَّثْرِيِّ، كَأَنَّهُ التَّكْفِيرُ عَنْ أَوْزَارٍ لَمْ أَرتَكِبْهَا، هُوَ مَا سَبَقَ طَلَبَ (أُوغَارِيتْ) هذَا ذَاتَ يَوْمٍ.

ذَاتَ يَوْمٍ حَدَّثَنِي الشَّاعِرُ فِيَّ، بِضَمِيرِ الْـ (هُوَ)، عَنْ تَحَوُّلِ إِحْدَى (هَدَايَاهَا) الْإِبْدَاعِيَّةِ إِلَى قَصِيدَةٍ تَحْكِي حِكَايَةَ تَعَبِ كِتَابَتِهَا، وَحِينَ تَذَكَّرْتُهَا قَبَضْتُ عَلَيْهَا بِالنَّوَاجِذِ، كَأَنَّهَا صَكُّ إِعْفَاءٍ مِنْ كِتَابَةٍ هِيَ أَصْعَبُ بِكَثِيرٍ مِنْ كِتَابَةِ الْقَصِيدَةِ الَّتِي تَعْنِي الْإِقَامَةَ لِسَاعَاتٍ مُتَقَارِبَةٍ، أَوْ مُتَنَاثِرَةٍ، فِي حَدِيقَةِ النَّارِ.

فَتَحَ الْكِتَابةَ وَاتَّكَأْ

فَوقَ الْبَياضِ، أَسَالَ مِنْ تَعَبٍ كَلَامًا، لَمْ يَقُلْ

مَا يَستَطِيعُ، وَيَستَطِيعُ السَّيْرَ فَوْقَ المَاءِ إِنْ

ضَاقَتْ مَرَاكِبُهُ.. هُنَا

نَهْرٌ لَدَيْهِ إِذَا تَطَاوَلَ حَالِمًا

إِذْ يَنْتَهِي فِي اللاَّضِفَافِ.. هِيَ الْقَصِيدَةُ هكَذَا

سُحُبٌ مِنَ الأَوْرَاقِ فِي وَدَقِ الْكَلَامِ، تَظَلُّ سَابِحَةً هُنَاكْ

تَحْتَ الْفَضَاءِ، وَلَا يُرَى

ذَاكَ الَّذِي فَضَّ الرِّئَاتِ ، كَجَمْرَتَيْنِ بِحَلْقِهِ

لَا تَظْمَآنِ، وَإِنَّهُ

مَا زَالَ يَبْحَثُ عَنْ رَغَائِبَ فِي الْبَيَاضِ يَشُدُّهَا

مِنْ إِبْطِهَا

قَبْلَ انْتِشَارِ الْوَحْلِ فِي الصُّوَرِ الْجَدِيدَةِ.

(ث)

مَنْ ذَا الَّذِي يَسْتَطِيعُ تَفْكِيكَ صُوَرِ الْإِقَامَةِ المُرَكَّبَةِ، بَعْدَ الْخُرُوجِ بِجُهُدٍ مُضَاعَفٍ مِنْ بَابِ حَدِيقَتِهَا الشَّبَحِيِّ، وَقدْ كَانَ فِي غَيبُوبَةٍ لِحِينٍ مَا؟ بَلْ، أَيُّ ذَاكرَةٍ لَهَا الْقُدرَةُ عَلَى تَقْشِيرِ ثَمَرَةِ تِلْكَ الْغَيبُوبَةِ بِإتْقَانٍ، وَالَّتِي هِيَ، أَيْضًا، لَيْسَتْ كَتَوْأَمِ حَبَّةِ الْبَصَلِ الْجَارِحَة؟ لكِنْ، كُلُّ مَا أَذْكُرُهُ أَنَّنِي، فِي بِدَايَةِ الْحَمْلِ الشِّعْرِيِّ، وَقَبْلَ الْوَضْعِ- الْكِتَابَةِ، أُصَابُ بِـ (وَحَمٍ) شَدِيدِ التَّأْثِيرِ عَلَى لَحَظَاتِي وَسُلُوكِي الْحَيَاتِي، وَيَنْعَكِسُ هذَا سَلْبًا عَلَى آخَرِينَ مِمَّنْ أَوَدُّهُم يُقِيمُونَ حَوْلِي، خُصُوصًا فِي سَاعَاتِ النَّهَارِ المُرْتَبِكَةِ- المُرْبِكَةِ، وَالمُرتَّبَةِ بِفَوْضَاهَا إِلَى مَا بَعْدَ حَافَّةِ المَلَلِ.

أَنَا لَسْتُ أَنَا الَّذِي يَعْرِفُونَ؛ فَهُناكَ شَيْءٌ يُحَاوِلُ تَفْجِيرَ (إِنَائِي) الْهَادِئِ، كَأَنَّ (الْهَدِيَّةَ) قُنْبُلَةٌ مَوْقُوتَةٌ بِإِرَادَتِهَا، وَكَمْ أُصَابُ بِالنَّدَمِ إِذَا لَمْ أَستَطِعْ احْتِضَانَهَا كَأَنَّهَا طَائِرٌ بَرِّيٌّ، وَمَا أَكْثَرَ الطُّيُورَ الَّتِي كَانَتْ، وَلَا تَزَالُ، تَبْرُزُ لِي لِلَحَظَاتٍ دُونَ أَنْ تَتَمَكَّنَ يَدِي مِنْ عِنَاقِ يَرَاعٍ، بِسَبَبِ انْشِغَالِي بِحَالَةٍ حَيَاتِيَّةٍ تَقْلِيدِيَّةٍ، إِذْ عَلَيَّ أَنْ أُطَارِدَهَا طَوِيلًا وَهِيَ تَعْبُرُ مُنَاخَاتٍ وَجُغرَافِيَّاتٍ تُجَدَّدُ فِي كُلِّ مُحَاوَلَةٍ:

– كُنْ شَاعِرًا وَاقْبِضْ عَلَيَّ.

هكَذَا يَقُولُ عَطْفُ الْإِبْدَاعِ الشِّعْرِيِّ فِيهَا، بِدَايَةً، لِفَقِيرٍ لَمْ يَقتَنِعْ بَعْدُ بِكَرَمِ الْعَطْفِ الْكَثِيرِ = الْقَلِيلِ.

أُطَارِدُ، لَاهِثًا، الْقَصِيدَةَ الَّتِي تَشْرَئِبُّ لِي مُطَارَدَةً طَوِيلَةً؛ هِيَ لَا تَتْعَبُ وَلَا تَسْتَسْلِمُ بِسُهُولَةٍ، رَغْمَ رَغْبَتِهَا فِي شَاعِرِهَا، وَأَنَا أَفْقِدُ الْكَثِيرَ مِنْ حَرَارَةِ شَهْوَتِي، إِذَا شَعَرْتُ بِعَبَثِيَّةِ المُطَارَدَةِ، لِأَنَّ الْقَبْضَ المُفْتَعَلَ سَيَكُونَ نَيِّئًا، أَوْ خُدَاجًا، فَيَعْلُو صَوْتُ فَضِيحَةِ الشَّاعِرِ.

(ج)

أَعْرِفُ أَنَّهُ لَا تُوجَدُ قَصِيدَةٌ تَأْتِي بِهُدُوءٍ إِلَى سَرِيرِ الشَّاعِرِ الْوَرَقِيِّ، لكِنَّ المَعْرِفَةَ الْأَهَمَّ تَكْمُنُ فِي مُحَاوَرَتِهَا بِثَقَافَةٍ، وَحَدْسٍ، وَاسْتِشْرَافٍ، وَصَبْرٍ عَلَى تَمَنُّعِهَا وَدَلَالِهَا كَيْ يَتِمَّ الْوِصَالُ المُوجَبُ؛ حِينَهَا تَتَحَقَّقُ الشِّعْرِيَّةُ الَّتِي هِيَ الْفَاصِلُ الْأَهَمُّ بَيْنَ الْقَصِيدَةِ وَحُضُورِهَا الْغَائِبِ.

بِالتَّأْكِيدِ؛ إِنَّ احْتِوَاءَ الْقَصِيدَةِ- الْقَصِيدَةَ، أَصْعَبُ بِكَثِيرٍ جِدًّا مِنْ تَوْقِيعِ السَّفَرِ دَاخِلَ الْحُلُمِ مَعَ امْرَأَةٍ لَمْ تَعْرِفُ، بَعْدُ، تَجْرُبَتَهَا الْأُولَى عَلَى سَرِيرٍ مُرْتَعِشٍ.

حِينَ انْتَهَى مِنْ وَجْهِهَا الْبَرِّيِّ أَطْفَأَ عَيْنَهُ

ذَاكَ الدُّخَانُ، تَمَدَّدَ الْجَسَدُ الطَّرِيُّ، تَثَاءَبَتْ

كُلُّ الْمَفَاصِلِ وَالْحَوَاسّ،

وَرَأَى بِأُخْرَى أَنَّهُ

فِي حَالَةِ الْإِغْمَاءِ أَنْضَجُ مِنْ فَوَاكِهَ تُشْتَهَى..

لَمْ يَسْتَرِحْ فِي مِتْعَةٍ

قَلَقٌ يُطَالِعُ بُقْعَةَ اللَّوْنِ/ الْحِكَايَةَ فِي بَرَارِيهَا/ المَدَى

وَهُوَ انْتِظَارَاتُ الصَّدَى..

هِيَ هكَذَا، أَوْ هكَذَا

تَأْتِي إِلَيْهِ كَأَنَّهَا الْأُولَى، فَيَرْشُقُ سُؤْلَهُ

مِنْ فُوَّهَاتِ جُنُونِهِ:

هَلْ مَا يَرَاهُ هُوَ الْقَصِيدَة؟

(ح)

ضَعْ بَيْنَكَ وَبَيْنَ الْقَصِيدَةِ- الشِّعْرِ (شَعْرَةَ مُعَاوِيَة).. هكَذَا عَلَّمَتْنِي أَنْ أَفْعَلَ حِكْمَةُ الرَّائِي؛ حِينَ تَشُدُّنِي إِلَيْهَا، أُرْخِي لَهَا مِنْ طَرَفِي كَيْ أَتَأَكَّدَ مِنْ صِدْقِ لَحَظَتِهَا، وَتَفْعَلُ مِثْلِي حِينَ أَشُدُّهَا، لِأَنَّهَا لَا تَكُونُ جَاهِزَةً لإِشْرَاقِهَا.

أَتَذَكَّرُ، الْآنَ، مَوْقِفًا طَرِيفًا حَدَثَ بَيْنِي وَبَيْنَهَا حِينَ كُنْتُ أَخُطُّ مَجْمُوعَتِي (كِتَابُ المُنَادَى)؛ شَدَدْتُهَا، مَرَّةً، بِقُـوَّةٍ مِنْ جَانِبِي مُخْتَبِرًا مُقَاوَمَتَهَا، وَرَغْبَةً مِنِّي فِي فِرَاقِهَا، وَهِيَ فَعَلَتِ الْفِعْلَ نَفْسَهُ، ثُمَّ قَرَّرْتُ أَنْ أُفْلِتَ الْخَيْطَ، إِلَّا أَنَّهَا كَانَتِ الْأَسْبَقَ مِنْ نِيَّتِي (المَاكِرَةِ)، فَوَقَعْتُ عَلَى ظَهْرِي وَرِجْلَايَ لِلْأَعْلَى، وَقَهْقَهْنَا مَعًا؛ أَنَا مِنْ أَلَمِ نَدَمِي، وَهِيَ مِنَ التَّشَفِّي بِي، وَإِبْرَازِ قُدْرَتِهَا عَلَى الاسْتِشْرَافِ.

تُلْقِي عَلَيْهِ رَبِيعَ رَغْبَتِهَا إِلَى شَايِ المَسَاءْ

وَكَسَاحِرٍ

مُتَمَاثِلٍ

يَتْلُو عَلَيْهَا مِنْ يَدَيْهِ حُرُوبَهُ

فِي يَوْمِهِ الْغَجَرِيِّ/ فِي فَوْضَى المُكُوثِ عَلَى سَفَرْ..

يَنْسَى الْإِنَاءَ عَلَى حَرَارَةِ لَمسِهِ،

وَيُسَرِّحُ الْأَفْعَالَ مِنْ إِغْمَاضِهَا

وَخُيُولَ فُسْحَتِهِ الْبَعِيدَةْ،

وَكَشَاعِرٍ فِي رَقْصِهِ الْعَفَوِيِّ حَوْلَ مَدَارِهِ

رَشَفَ الْبُخَارَ عَنِ الرُّسُومِ وَكُوبِهَا

فَرَأَتْ مَلَامِحَهَا الْوَحِيدَةْ.

(خ)

سَأَلَتْنِي/ سَأَلَنِي: لِمَاذَا أَكْتُبُ؟ وسَأَلْتُنِي هذَا السُّؤَالَ، لكِنَّنِي سَأَلْتُنِي أَيْضًا: مَا جَدْوَى الْكِتَابَةِ؟

مِرَارًا طَرَحْتُهُ، قَبْلَ جَفَافِ عَرَقِ النَّشِيدِ، أَرْضَ عُرْيِ الْحَقِيقَةِ اللَّدِنَةِ، وَكَمْ كَانَ يَمَلُّ مِنْ أَلَمٍ أُسَبِّبُهُ لَهُ فِي كُلِّ مَرَّةٍ.

مَعًا تَخْرُجُ الْكِتَابَةُ مِنْ خُشُونَةِ مَلْمَسِ الْفَرَحِ، وَأُلْفَةِ مَسْحَةِ الْقَلَقِ؛ فَرَحِ الْوَالِدَةِ بِالمَوْلُودِ وَقَلَقِهَا عَلَيْهِ.. لِهذَا لَا أَطْرَبُ لِلْقَابِلَةِ الَّتِي تُزَيِّفُ حُضُورَهَا طَمَعًا فِي إِقْنَاعِنَا بِأَنَّهَا هِيَ كُلُّ مَا حَدَثَ.. لكِنْ؛ مَا الَّذِي حَدَثَ فِعْلًا؟ وَلِمَاذَا نُصِرُّ عَلَى تَدَفُّقِهِ رَغْمَ وُثُوقِنَا بِأَنَّنَا كَمَنْ يَحْرُثُ الْبَحْرَ ظَنًّا مِنْهُ بِأَنَّ بُذُورَ سَمَكٍ فِي جُعْبَتِهِ الشَّخْصِيَّةِ، وَتَقُودُهُ شَهْوَةُ أَنْ تَنْبُتَ، يَوْمًا مَا، أَسْمَاكُ ذَاتِهِ النَّرْجِسِيَّةِ؟

أَلَا يُشْبِهُ فِعْلُ الْكِتَابَةِ المُتَكَرِّرِ فِعْلَ اغْتِصَابِ مُومِسٍ قَرَّرَتْ، بَعْدَهُ، أَنْ تَحْتَفِظَ بِجَنِينِهَا- رَاغِبَةً أُمُومَةً مَا؟ لِهذَا، وَبَعْدَ اسْتِدَارَةِ الْبَطْنِ، وَصُعُوبَةِ مُزَاوَلَةِ الْمِهْنَةِ جَسَدِيًّا، تُدَافِعُ، بِقُوَّةٍ، عَنْ أَبْوَابِ ثِيَابِهَا المُرْهَقَةِ، رَيْثَمَا تَضَعُ حَمْلَهَا، لَعَلَّ أَبَاهُ الَّذِي تَعْرِفُهُ وَلَا يَعْرِفُهُ، بَعْدَ جَدَلِ الْجَدْوَى وَعَدَمِهَا وَاحْتِوَاءِ الْأُولَى، يَقتَنِعُ بِشَرْعِيَّتِهِ وَمَشْرُوعِهِ.

إِذًا.. أَكْتُبُ لِأَنَّنِي:

– لَا أَسْتَطِيعُ أَنْ أُحَاوِرَ الْآخَرِينَ سِوَى بِالْكِتَابَةِ؛ مَنْطِقِي الشَّخْصِيِّ، وَسَيْفِ شَجَاعَتِي، وَعُشْبِ أَسْئِلَتِي.

– لَا أَسْتَطِيعُ احْتِمَالَ رُؤْيَةِ زَهْرَةِ حَيَاتِنَا الْإِنْسَانِيَّةِ تُقِيمُ وَحْدَهَا فَوْقَ عَرْشِ الْخَرَاب.. مِنْ هذَا فَإِنَّ عَلَيَّ أَنْ أَصْرُخَ، بِجَمَالِيَّةٍ مَا، تَكْشِفُ قُبْحَ المَشْهَدِ الْعُضَالِ: كَفَى.. كَفَى.. إِلَى مَتَى؟

– حِينَ حَاوَلْتُ أَنْ لَا أَكْتُبَ، ضَرَبَتْنِي الْقَصِيدَةُ عَلَى يَدِي بِحَنَانِ قَسْوَتِهَا، ثُمَّ عَاتَبَتْنِي بِالتَّحَوُّلِ إِلَى كَائِنٍ عَامٍّ، بَعْدَ أَنْ سَلَبَتْ تَفَرُّدِي وَخُصُوصِيَّتِي.

– أُرِيدُ أَنْ أَرْدِمَ الْهُوَّةَ الَّتِي بَيْنِي.. وَ.. بَيْنِي.

– آمَنْتُ بِأَنَّ عَلَى الْإِنْسَانِ أَنْ يُقَاوِمَ فَنَاءَهُ وَيَنْتَصِرَ عَلَيْهِ بِأَنْ يَتْرُكَ أَثَرًا جَيِّدًا هُوَ أَبْقَى مِنْهُ.

الْآنَ.. لَا أَشْعُرُنِي قُلْتُ كُلَّ شَيْءٍ، تَمَامًا كَمَا لَا أَشْعُرُنِي قُلْتُ أَيَّ شَيْءٍ.

– لِمَاذَا؟

أَعْرِفُ جَوَابَ (لِمَاذَا) تِلْكَ، كَمَا يَعْرِفُهُ غَيْرِي مِمَّن يُقِيمُونَ بِثِقَةٍ فِي حَدِيقَةِ النَّارِ، لكِنْ تَأَكَّدْ- أَيُّهَا الْقَارِئُ الْقَرِيبُ/ الْبَعِيدُ- أَنَّ هذَا لَيْسَ تَوَاضُعًا كَامِلًا مِنِّي، وَلاَ نَرْجِسِيَّةً زَائِدَةً.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

*شاعر من فلسطين

خاص الكتابة

مقالات من نفس القسم