تحت جلد البحر

تحت جلد البحر
Share on facebook
فيسبوك
Share on twitter
تويتر
Share on whatsapp
واتس أب
Share on telegram
تيليجرام

لطالما تمنّيتُ أن يكون لى بيت من خشب على شاطئ البحر، تلمسه كل موجة.

البحر أول ما أذهلنى، وجدْتُ نفسى بمواجهته، كأنه يختبئ لى خلف شجرة، أو فى انعطافة شارع، ابتسمْتُ له، أكون سعيدة لو ظهر لى من تحت ملابسى، كان مهتاجًا، كأن به شهوة غامضة، رأيته يندفع فى موجات متتالية باتجاه السماء، تمتزج كل موجة منه بجزء منها، حتى انتقل كله إلى هناك، إلا أن هذا الهُناك لم يكن فيه بحر أو سماء، إنما مزيج منهما، يمكن تسميته بحر- سماء، أو سماء- بحر، تحوّل سقف الدنيا إلى أمواج سما- بحريّة، زرقاء، تتقلّبُ فيها نجوم وقوارب، يسبح القمر بينها لبعض الوقت بحالته الطبيعية ثم يتحوّل شابًا له جسد زَلِق مثل سمكة، مرة قمرًا، وأخرى شابًا، امتزج صوت البحر بصوت السماء، صَنَعَا معًا، يا للجمال، صوتًا رأيته بعينىّ، تساقطَتْ منه عملات نقدية خفيفة بلون الفضة، منقوش على أحد وجهيها ما بدا لى أنه صوت السماء، وعلى الوجه الآخر صوت البحر، تأمّلْتُ هذا كله وروحى تهدر بداخلى، كان ما أتأمّله قريبًا منى، شعرْتُ أن نصفى سماء ونصفى الآخر بحر، حتى بدأ كل شىء يرتفع تدريجيًا وغاب عن عينىّ، لكنّ رذاذًا أزرق ظَلّ يتساقط وينثر فى الليل نورًا خافتًا.

لا أعرف متى انتبهْتُ على أصوات تنادينى من الأرض التى تركَها البحر، رأيت بمدى عينىّ رمالاً ملوّنة بدرجات لا نهائية من الأزرق، كانت بمستوى الأرض التى أقف عليها، كأنما صعَدَ قاع البحر، أسماك كبيرة تضرب بذيولها بحثًا عن بحرها، وتنفثُ من خياشيمها دفقات هواء مُبلّل، أسماك صغيرة ترتعد من البرد، سفنًا قديمة، بحّارة يهتفون لى بلُغات لا أفهمها، ويقذفون باتجاهى قِطَعًا من ملابسهم، غرقى من جميع الأعمار ينهضون بأجساد زرقاء جميلة، يقفزون بخفّة فوق صخور ملساء لا يكادون يلمسونها، أشجارًا يسيل بينها زبدٌ دون موج، حيوانات لها فراء، وأخرى بجلود لامعة، طيورًا بأحجام ضخمة، وأخرى صغيرة، تُحلّق ولا تتجاوز حدود أرض البحر، عُمّالاً يبنون بيوتًا من خشب، قطارًا قديمًا راقدًا على جَنْبه ويتنفس، فرقة موسيقية، سيرك، جنازة، حفل زفاف جماعى، بلاد كاملة تمتد أمامى.

تقدّمْتُ خطوة، قبضَتْ يدٌ على ذراعى، أعرف فيما بعد أنها جدّتى، تحرّرتُ منها، تقدّمْتُ خطوة أخرى، انحنيتُ لألمس الأرض الزرقاء، شعرْتُ أنى لمسْتُ ما تحت جلد البحر، وأنه لمسَ ما تحت جلدى، أغمضْتُ عينىّ لحظة، أو ألف عام، لا أعرف، وعندما فتحتهما رأيت البحر قادمًا من بعيد، لم أستطع أن أُحوّل عينىّ عنه، أزرق، يملأ الدنيا، فتحَتْ الأسماك زعانفها، خياشيمها، أطلقَتْ السفن أبواقها، أشرعتها، هَلّلَ البحارة، اعتدل القطار واقفًا ونفَثَ دفقات من رذاذ الماء، تقافز الغرقى بخفّة أكثر، الطيور، الحيوانات، الكل ينتظره، غمرَهم بسرعة، كنت أنتظره، أريد أن أُجرّب ما يشعرون به، لا بد أن شيئًا جميلاً يحدث لأرواحهم هناك، لكنى لم أتقدّم خطوة واحدة، هو ما يحدث لإنسان يرى جمالاً مُرعبًا، أو رُعبًا جميلاً، لا يستطيع أن يقترب منه أو يبتعد، فقط يبقى فى مكانه، وينتظر.

البحر قادم باتجاهى، سمعْتُ أجمل ما فىّ يقول له “أنت جميل”، شعرْتُ أنه يملأ الوقت والمكان، لم يكن ضِمْن حدود بصرى، كان بصرى ضِمْن وجوده، مستعدة ليأخذنى، لكنه لم يفعل، رأيته ينتهى عند قدمىّ زبَدًا رهيفًا، لمسْتُه بيدى، بللّتُ شفتىّ به، نظرْتُ إلى السماء، مغسولة، قمرها مكتمل، نجومها لامعة، كأنما خُلِقَ العالم لتوّه.

البحر أول ما أذهلنى، وجدْتُ نفسى بمواجهته، كأنه يختبئ لى خلف شجرة، أو فى انعطافة شارع، ابتسمْتُ له، أكون سعيدة لو ظهر لى من تحت ملابسى، كان مهتاجًا، كأن به شهوة غامضة، رأيته يندفع فى موجات متتالية باتجاه السماء، تمتزج كل موجة منه بجزء منها، حتى انتقل كله إلى هناك، إلا أن هذا الهُناك لم يكن فيه بحر أو سماء، إنما مزيج منهما، يمكن تسميته بحر- سماء، أو سماء- بحر، تحوّل سقف الدنيا إلى أمواج سما- بحريّة، زرقاء، تتقلّبُ فيها نجوم وقوارب، يسبح القمر بينها لبعض الوقت بحالته الطبيعية ثم يتحوّل شابًا له جسد زَلِق مثل سمكة، مرة قمرًا، وأخرى شابًا، امتزج صوت البحر بصوت السماء، صَنَعَا معًا، يا للجمال، صوتًا رأيته بعينىّ، تساقطَتْ منه عملات نقدية خفيفة بلون الفضة، منقوش على أحد وجهيها ما بدا لى أنه صوت السماء، وعلى الوجه الآخر صوت البحر، تأمّلْتُ هذا كله وروحى تهدر بداخلى، كان ما أتأمّله قريبًا منى، شعرْتُ أن نصفى سماء ونصفى الآخر بحر، حتى بدأ كل شىء يرتفع تدريجيًا وغاب عن عينىّ، لكنّ رذاذًا أزرق ظَلّ يتساقط وينثر فى الليل نورًا خافتًا.

لا أعرف متى انتبهْتُ على أصوات تنادينى من الأرض التى تركَها البحر، رأيت بمدى عينىّ رمالاً ملوّنة بدرجات لا نهائية من الأزرق، كانت بمستوى الأرض التى أقف عليها، كأنما صعَدَ قاع البحر، أسماك كبيرة تضرب بذيولها بحثًا عن بحرها، وتنفثُ من خياشيمها دفقات هواء مُبلّل، أسماك صغيرة ترتعد من البرد، سفنًا قديمة، بحّارة يهتفون لى بلُغات لا أفهمها، ويقذفون باتجاهى قِطَعًا من ملابسهم، غرقى من جميع الأعمار ينهضون بأجساد زرقاء جميلة، يقفزون بخفّة فوق صخور ملساء لا يكادون يلمسونها، أشجارًا يسيل بينها زبدٌ دون موج، حيوانات لها فراء، وأخرى بجلود لامعة، طيورًا بأحجام ضخمة، وأخرى صغيرة، تُحلّق ولا تتجاوز حدود أرض البحر، عُمّالاً يبنون بيوتًا من خشب، قطارًا قديمًا راقدًا على جَنْبه ويتنفس، فرقة موسيقية، سيرك، جنازة، حفل زفاف جماعى، بلاد كاملة تمتد أمامى.

تقدّمْتُ خطوة، قبضَتْ يدٌ على ذراعى، أعرف فيما بعد أنها جدّتى، تحرّرتُ منها، تقدّمْتُ خطوة أخرى، انحنيتُ لألمس الأرض الزرقاء، شعرْتُ أنى لمسْتُ ما تحت جلد البحر، وأنه لمسَ ما تحت جلدى، أغمضْتُ عينىّ لحظة، أو ألف عام، لا أعرف، وعندما فتحتهما رأيت البحر قادمًا من بعيد، لم أستطع أن أُحوّل عينىّ عنه، أزرق، يملأ الدنيا، فتحَتْ الأسماك زعانفها، خياشيمها، أطلقَتْ السفن أبواقها، أشرعتها، هَلّلَ البحارة، اعتدل القطار واقفًا ونفَثَ دفقات من رذاذ الماء، تقافز الغرقى بخفّة أكثر، الطيور، الحيوانات، الكل ينتظره، غمرَهم بسرعة، كنت أنتظره، أريد أن أُجرّب ما يشعرون به، لا بد أن شيئًا جميلاً يحدث لأرواحهم هناك، لكنى لم أتقدّم خطوة واحدة، هو ما يحدث لإنسان يرى جمالاً مُرعبًا، أو رُعبًا جميلاً، لا يستطيع أن يقترب منه أو يبتعد، فقط يبقى فى مكانه، وينتظر.

البحر قادم باتجاهى، سمعْتُ أجمل ما فىّ يقول له “أنت جميل”، شعرْتُ أنه يملأ الوقت والمكان، لم يكن ضِمْن حدود بصرى، كان بصرى ضِمْن وجوده، مستعدة ليأخذنى، لكنه لم يفعل، رأيته ينتهى عند قدمىّ زبَدًا رهيفًا، لمسْتُه بيدى، بللّتُ شفتىّ به، نظرْتُ إلى السماء، مغسولة، قمرها مكتمل، نجومها لامعة، كأنما خُلِقَ العالم لتوّه.

مقالات من نفس القسم

موقع الكتابة الثقافي uncategorized 12
تراب الحكايات
عبد الرحمن أقريش

المجنون