تأملات .. دهشة للكائنات

موقع الكتابة الثقافي
Share on facebook
فيسبوك
Share on twitter
تويتر
Share on whatsapp
واتس أب
Share on telegram
تيليجرام

قصائد : مارى أوليفر*

ترجمة : غادة عبدالمنعم *

البجعة

أنتَ أيضا ..

رأيتها تطفو طوال الليل، فى النهر الأسود ؟

رأيتها فى الصباح تشرق فى هواء من الفضة؟

زراعيها مزهوة ببراعم بيضاء،

زغب من حرير وكتان منثور بتأن على امتداد جناحيها

اللتان كضفة من الثلج ، ضفة من الزنبق

سمعتها تصفر

بصوت حاد لموسيقى قاتمة

تعض الهواء بمنقارها الأسود؟

كالمطر وهو يرشق الأشجار

كشلال ماء يطعن الصخور السوداء

هاهى ..

قدماها كورقتى شجر سوداوتان

جناحيها كضوء لنهر ممدود ..

أشاهدتها تحت السحب كأنها مجرد

صليب أبيض ينساب عبر السماء؟

 

 

الشمس

 

أشاهدت ؟ فى حياتك كلها ،أى شيء أكثر روعة من طريقة الشمس وهى تستريح كل مساء بيسر، تغضن البحر فى طريقها للذهاب ، أو تطفو تجاه الأفق وتنسرب داخل السحاب أو الهضاب.

ثم كيف تنسل ثانية ، من الجهة الأخرى من العالم ، خارجة من الظلام ، كل صباح ، كزهرة ضخمة حمراء تصعد من الزيت المقدس؟

دعنا نتصور متعتك – فى صباح، فى أوائل الصيف، فى لحظة مناسبة جدا، بينما أنت متيم فى حب برى، لم تشعربمثله أبدا–

أتعتقد أنك قد تجد فى أى مكان، فى أى لغة، متعة كافية متقدة قد تملأك ، كتلك التى تدفأك والشمس تصعد خارجة للسماء؟

وأنت تقف هناك فارغ اليدين – وربما أيضا، منصرفا عن هذا العالم –

أو ربما .. بسبب الأشياء.. العظمة .. قد تكون على وشك الجنون.

 

 

نهار صيفى

 

من خلق العالم ؟

من خلق البجعة والدب الأسود؟

من خلق الجُنْدُب ؟

أقصد – ذاك الجُنْدُب الذى يقذف نفسه خارج الأعشاب، النوع الذى يحرك فكه للخارج والداخل بدلا من أعلى وأسفل، الذى يأكل السكر خارجا من يدى –

ذاك الذى يتلفت حوله بعيونه المركبة الضخمة.

الآن.. هو يرفع ساعده الشاحب ويغسل وجهه.

الآن.. بحركة خاطفة يفتح جناحيه ويطير مبتعدا.

أى صلاة تلك التى يؤديها، لا أعرف تماما ..

لكننى أعرف كيف أنتبه ، كيف أسقط فوق الحشائش ،كيف أجثو جالسة عليها.

كيف أكون كسولة ومحظوظة.

كيف أتجول عبر الحقول.

هذا ما أفعله طوال اليوم

وإلا فقل لى، ما الذى على أن افعله، غير ذلك؟

ألن يموت كل شىء فى النهاية ،بل وقريبا جدا سيموت؟

قل لى ، ما الذى تخطط أنت لفعله فى حياتك الثمينة الموحشة ؟

 

 

زائـــــــر

 

هناك .. زائر

لنقل مثلا أنه والدى

الذى كان زات مرة شابا، بعيون زرقاء

عاد..

فى الليالى الأكثر ظلمة

يقف خارج باب بيتى يدق بقوة عليه

اذا أجبته وفتحت الباب

علىَّ أن أكون مستعدة

لوجهه الشمعى، لشفته المتضخمة التى تتدلى بشكل مؤلم

..لكننى لوقت طويل لم أجبه..

كنت أنام مقلقلة بين ساعات طرقاته

ثم أخيرا عندما وقف هناك، وأنا أبتعد خارجه من بين أغطيتى

أمشى بتعثر داخل الردهة

سقط الباب مفتوحا

عرفت وقتها أننى محمية وأنه بإمكانى احتمال وجوده

كما هو متجمد من الداخل، ُمشفق وأجوف، مع أقل قدر من الأحلام

رحبت به ، وبعد أن تبخرت عنى خستى ووضاعتى، سألته الدخول

أشعلت المصباح

ونظرت داخل عينيه السوداوتين، حيث فى النهاية، شاهدت داخلهما، أى طفل علىَّ أن أسعى لحبه

ياله من طفل من علىَّ أن أحبه.. وياله من حب ما يتوجب على أن أمنحه..

هل كان علينا أن نتحاب ولكن.. فى ذلك وقت المحدد..

 

 

عندما ياتى الموت

 

عندما يأتى الموت.. كدب جائع فى الخريف

عندما يأتى الموت.. ويأخذ كل العملات المعدنية المضيئة من كيس النقود، ليدفع لى..

ثم بحركة خاطفة يغلق حافظة النقود؛

عندما يأتى الموت .. كالجدرى

عندما يأتى الموت.. كقمة جليدية تقف بين جانبى كتفىَّ

أرغب فى الخطو عبر الباب ممتلئة بالفضول والتعجب :

ذاك الكوخ من الظلمة.. كيف يكون ؟

أنظر عبر كل شئ، الأخوة..مثلا

أنظر عبر الوقت، حيث لا يوجد المزيد من الأفكار

أعتبر الأبدية مجرد احتمال آخر

أفكر فى كل حياة كأنها زهرة اعتيادية

كمفردة، كحقل للقدر

وكل اسم، كموسيقى، مريحة فى الفم

موسيقى تستحضر كل الرنات الموسيقية، تجاه الصمت

وكل جسد كأنه أسد من الشجاعة، وشىء ما، ثمين وغال على الأرض

عندما ينتهى كل شىء ، أرغب فى ذكر حياتى كلها:

لقد كنت عروسا ، آخذُ العالم بين زراعى

كنت عروسا قد تزوجت الدهشة ..

 

.. عندما ينتهى كل شىء.. لا أرغب فى التعجب..!!

لا أريد أن أجد نفسى وقتها – إذا كنت قد فعلت فى حياتى أى شىء خاص، أى شىء حقيقى؟ – مرعوبة، أتنهد..أو ممتلئة بالنزاعات.

لا..لا أريد أن ينتهى كل شىء بسهولة من قام بمجرد زيارة لهذا العالم.

 

 

الكوكابورا  

 

فى كل قلب.. هناك جبان وبيروقراطى

فى كل قلب.. هناك إله زهور ينتظر مجرد أن يخطو خارج السحب ليفرد جناحيه

طيور الكوكابورا ..تدفع حافة قفصها

تسائلنى أن أفتح الباب

أتذكر كيف لم أستجب لها فى السنين الماضية

بل كيف تركتها وابتعدت

طيور الكاكوبارا لديها العيون البنية لكلاب رقيقة ناعمة

هى، لا ترغب فى فعل أى شىء خارج المألوف

تريد فقط أن تطير عبر موطنها حتى تصل حتى نهرها

فى تلك الساعة فى قفصها – كما أتصور – قد غطتها الظلمة

 

فيما يخصنى، وحيث أننى لست بعد ربة للزهر الشاحب

لم يتغير شيئا آخر..

السماء تشرق على مزلاج أقفاص الكاكوبارا

شخص ما رمى عظامه مع روث الأغنام

وقلبى يخفق وأنا أتمدد فى الظلمة.

 

 

رحــــــــــلة

 

يوما ما أخيرا ستعرف ما عليك فعله

وتبدأ، عبر الأصوات المستمرة فى الصراخ من حولك

وعبرنصائحهم السيئة التى تدوى فى البيت كله، والتى تبتدأ سلسلة من متاعبهم

ستشعر بالتمزق القديم فى ركبتيك

وكل صوت يصرخ فيك

” غير حياتك”

ولكنك لن تتوقف

أنت تعرف ما عليك فعله

عبر ريح تداخلاتهم

مع أصابعهم التى ترتفع صارمة فى وجهك

صارخة بسوداوية، مثيرة متاعبهم عند كل منحنى من حياتك

الوقت كان متأخرا تماما، الطريق ممتلأ بفروع الأشجار والأحجار المتساقطة، والليلة موحشة

ولكن خطوة فخطوة للأمام وكلما شعرت بأصواتهم خلفك

وعبر أشرعة السحب، النجوم تشتعل أمامك

وصوت جديد يظهر

صوتك الذى ببطء تتعرفه

الصوت الذى يحافظ على رفقتك

بينما تخطو للأمام بعمق أكثر فأكثر ، تتعرف العالم

عاقد العزم أن تفعل الشىء الوحيد الذى تستطيع أن تفعله..

عاقد العزم أن تحافظ على الحياة الوحيدة التى يمكنك أن تحافظ عليها.

 

 

 

نعم.. لا

 

ترى .. هل من الضرورى أن يكون لك موقف؟!

تخيل..

السوسن المرقط يقف أعلى الأرض ببضعة إنشات وهو راض عن نفسه..

النقاء شيئا، لا وجود له فى هذا العالم ..

لا ليس موجودا، ليس كبنفسج على طول النهر يفتح وجوهه الزرقاء كمشكوات صغيرة غامقة،

ولا كشجرة برقوق ممسكة على بتلاتها البيضاء، أوكمستنقعات خضراء على كثرتها غنية وممتلئة.

 

ما أهمية أن تسير للأمام فى بطء ، بلا تردد ،ناظرا فى كل شىء، وصارخا فيه نعم !.. لا!..

أتعرف..

البجعة بكل أبهتها وأثوابها المنسوجة من الحشائش والبتلات، لا تريد أن يسمح لابنها، سوى على الأكثر، أن يعيش فى بحيرة بلا اسم.

سمان الماء وهو يقف بين الصخور الموحلة ، والعوسج البرى المخلوق بلا غلطة واحدة فى حسنه ، كلاهما على حالته، يكاد يجن من السعادة.

 

الخيال.. أفضل من المواقف الحاسمة. .

انتبه هذه لا نهايتنا، وما يليق بنا من فعل..

 

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ

الشاعرة : مارى أوليفر واحدة من أهم وأشهر شعراء الولايات المتحدة الأمريكية، ولدت عام 1935، وعملت أستاذة للأدب الأنجليزى بجامعة بننجتون حتى عام 2001 ومنذ بدايات نشرها عام 1963 وحتى آخر مجموعاتها الشعرية التى صدرت مؤخرا ” العطش ” ، ومجموعاتها الشعرية تحقق أعلى الايرادات، وتتصدر قائمة أكثر الكتب الأدبية مبيعا فى الولايات المتحدة، وقد حصلت على العديد من الجوائز منها جائزة الأكاديمية الأمريكية للآداب والفنون، وجائزة لينان للآداب.

 

غادة عبد المنعم  ، شاعرة ومتر جمة مصرية

 

مقالات من نفس القسم