بين مقهى في برلين وآخر في بغداد

موقع الكتابة الثقافي uncategorized 40
Share on facebook
فيسبوك
Share on twitter
تويتر
Share on whatsapp
واتس أب
Share on telegram
تيليجرام

قيس مجيد المولى

في مقهى سيلو كوفي، نكتَ غونتر غراس سيكارته في المنفضة التي أمامه وهو يصارع الفصل الأخير من روايتهِ سنوات الكلاب، في نفس اللحظة وفي مقهى رضا علوان أخفيتُ المنفضةَ التي أمامي أسفل قدميّ ونكتُ رمادَ سيكارتي على الطاولةِ، وهكذا بين سيكارة وأخرى أتلذذُ بلعبتي هذه،

كتمَ النادلُ ضحكتَهُ، ولربما أسئلته، قطعا كتمها لبعض الوقت.

راح غراس يتأمل الغربانَ عند ملحقِ السّفن الشراعية ورحتُ أتأمل جداريةَ الأهواء المزيفة، لحظتها تواردت الخواطر ما بيننا، وما إن أفرغ القهوةَ في جوفهِ حتى رمى ثمالتَها على الطاولة حيث رسمت له متفرقات من ليلة البغاء الأخير، حين وصل إلى نهايات فصله الثالث توقف إزاء (هذه نظافة ثيابي السيئة) ووجدها صالحةً لما كان يفكر بهِ،

بدأ رمادُ سكارتي العاشرة يغطي نصف الطاولة بل كاد يغطيها بالكامل لولا هواء المروحة.

طلب غراس قدحا ثالثا من القهوة وأفرغها في جوفه ورمى الثمالة المتبقية على الطاولة وتوقف إزاء نهايات فصله الثالث عند (أعطني قبلة قبل الدخول إلى المشفى)، في آن واحد ضحك النادلان نادلُ مقهى سيلو كوفي في برلين ونادل رضا علوان في كرادة بغداد.

قلت لنادلي قبل أن يبدأ بأسئلته:

مجرد إعادة ترتيب للحواس، واستكمال النقص في مسودة التفسير .

قال غراس لنادله:

مجرد استحداث علامات كبدائل عن الترقيم.

التقط غونتر غراس بعض الديدان، وذهب بها إلى ملحق السفن الشراعية كي يطعم الغربان.

التقطت من حقيبتي علبة الزيت الأسود كي أدهن الجزء المعطوب من الكرسي الذي تجلس عليه السيدة الحزينة، السيدة الحزينة التي كانت تنكت رماد سيكارتها فوق بنطالها المعتم السواد، تيقن ماسح الاحذية أن الزبون لن يعود لحذائه لأنه لايملك ثمن تلميعه.

معا ورغم هول المسافة ما بين برلين وبغداد أكملنا أنا الفصل الأخير من رواية أم غويلينه وغونتر غراس أكمل رواية سنوات الكلاب.

عندها لم أجد رماداً على الطاولة ولم يجد غراس غربانا عند ملحق السفن الشراعية.

الذي بقي من غير المتبقي إيحاءات تُعلمُنا أن نتحكم بإيحاءاتنا إن عادت الينا من جديد.

 

مقالات من نفس القسم

خالد السنديوني
يتبعهم الغاوون
خالد السنديوني

بستاني