بياضٌ

موقع الكتابة الثقافي uncategorized 22
Share on facebook
فيسبوك
Share on twitter
تويتر
Share on whatsapp
واتس أب
Share on telegram
تيليجرام

البشير الأزمي
أتذكر.َ.
أتذكر أنك قلت لي: “رأيتُ في المنام أنني أسعى لالتقاط لون من ألوان قوس قزح الذي بدا اليوم في السماء..”..
صَمتتَ وبقيتَ تُحَدِّقُ في وجهي منتظراً وقع كلامك عليَّ.. ظللتُ بدوري صامتاً أبادلك التحديق؛ تحديق الغرابة بدل تحديق انتظار أثر السؤال عليَّ.. غمرك عرقٌ باردٌ وأنت تراني صامتاً، قعدتَ ويدُك تسند ذقنك كما كنت تفعل كل مرة تجد فيها نفسك في حيرة من أمرك..
حاولت عبثاً أن أقول لك إن أحلامك انعكاس لفترات القلق الذي أصبحت تعيشه من مدة؛ من يوم فقدت أبويك في حادثة سير.. لم تقتنع بقولي، حاولتَ أن تجد تفسيراً لحلمك؛ أن تجد ما يلطف من الثقل الذي يجثم على قلبك. كان حلمك دائماً مرتبطاً بالألوان..
أتذكر..
أتذكر يوم حدثتني عن سطوة اللون الأبيض.. وعن اللون عندما يصبح بحد ذاته مقدساً.. كنا وقتها جالسين وأنت تتناول خبزاً فأدَ تحت نار هادئة وَرُشَّ بزيت ونَثارِ جُبْنٍ.. أخذتَ ثمرة برتقال قشرتها وأعطيتني فصوصاً منها.. أخذتُ الفصوص، وضعتها أمامي.. ابتسمتَ.. ابتسامتُك غزلت خيوطاً من الفرح في السماء.. اقتربتَ من النافذة، وكَلِصٍّ أطللتَ إلى الخارج أجلتَ نظرات بين الأزقة والدروب، نظرت إلى الأفق، وقلتَ دون أن تلتفتَ نحوي:” شمسُ اليومِ تشرق دافئة فتزيد البيوت بياضاً”..
وارَبْتَ النافذة ، اقتربت مني وحكيت لي عن قوس قزح وألوانه..
أتذكر..
أتذكر أنك حكيت لي عن قوس قزح وألوانه، تدفقت الكلمات من فمك.. أضفت أنك من يوم رأيت قوس قزح أصبحت ترى نفسك وأنت تصغر .. تصغر وتغيب في عتمة دامسة وظلمة حالكة..
قلت إن رأي ابن سيرين الرأي الوحيد الصائب والقادر أن يوضح لك دلالة حلمك، استدعيت ذاكرتك عَلَّكَ تستحضر رأيه كاملاً، زحفتْ صورٌ عديدة متلاحقة، ضاعت صورة ابن سيرين ورأيُه بين الصور والآراء التي تتزاحم داخل دماغك.. ضياع الصورة وصاحبها جعلاك تنقبض وتحزن.. خبت ابتسامتك وتملكك الضجر..
أتذكر..
أتذكر أنك قلت لي إنَّ صوتاً همس في أعماقك:” إن قوس قزح علامة نزوح أو سفر أو رحيل. ورؤيته على اليمين علامة خير، و رؤيته على اليسار قد تفيد عكس ذلك..”، هذا ما قلتَه لي وأنت تفتح عينيك وتصيح:” هذا ما قاله ابن سيرين.. هذا ما قاله ابن سيرين..”
تظاهرت أني أجاريكَ في رأيك، سألتكَ:” أكان على اليمين أم على اليسار؟” ذهلتَ لسؤالي، تبين لي أنت لم تعد تتذكر شيئاً..
أغلقتَ درفات النوافذ.. غمرتِ العتمة المكان.. أخذتَ المطرية، توجهت نحو الباب، فتحته وخرجت دون أن تلتفت نحوي.. خرجتَ..
أتذكر..
أتذكر أنك خرجتَ دون أن تكلمني.. الهدير صاخبٌ وأنت تمشي وحيداً وألوان قوس قزح تصاحبك.. أنهككَ المشي.. غاصت قدماك في أرض سَبِخَةٍ، مررت قرب منزلكم.. أبوك قاعد عند مصطبة الدار، يلوح بيده اليمنى للتخلص من بعوض يؤرق راحته.. يأخذ كوب الماء ويدلقه في فمه.. تلتفت صوب البحيرة؛ أطفال القرية يتلهَّون بقذف الأحجار في البركة، كانوا تستمتعون وهم يرون ارتطام الأحجار بصفحة ماء البركة فتحدث دوائر تتسع وتموت عند الشط وأنت تصرخ وتستنجد بهم، لا يصلهم صوتك.. لا يصلهم استنجادك..
أغمضتَ عينيك وتركت قلبك يقودك.. خيم الليل على المكان.. التمعت النجوم في السماء تحت رذاذ ناعم وألوان قوس قزح تنير لك الطريق مشيتَ.. طَوَتْكَ المسافاتُ وانت تستغرب وتردد:” قوس قزح ليلاً.. قوس قزح ليلاً..”..

مقالات من نفس القسم

موقع الكتابة الثقافي uncategorized 12
تراب الحكايات
عبد الرحمن أقريش

المجنون