“باب الليل” .. رواية اللهجات العربية

موقع الكتابة الثقافي uncategorized 82
Share on facebook
فيسبوك
Share on twitter
تويتر
Share on whatsapp
واتس أب
Share on telegram
تيليجرام

وسام جنيدي

"كل شئ يحدث فى الحمام "

بتلك العبارة يستهل وحيد الطويلة روايته الأخيرة (باب الليل ) ربما ليجعلك على أتم الاستعداد لما أنت مقبل عليه، فالحمام فى العصور القديمة للوطن العربى أجمع، هو مهد الثورات، والدسائس والمؤامرات خاصة فى عصور الخلافة الأموية والعباسية، مهد الحديث بين الرجال وبداية الأفكار، مهد إعداد الجواري لليالي العشق فى قصور الخلافة، ونميمة النساء، ولعل من أبرز مشاهد السينما العربية فى ملاحم( نجيب محفوظ ) السينمائية حديث الحمام للفتوات وقراراتهم مثل فيلم (الهارب ) (والشيطان يعظ) ، وفيلم (أمير الأنتقام ) والمشهد الخالد للراحلين (محمود المليجي ) (فريد شوقي ) اثناء تأمرهم على بطل الرواية ، ومشاهد الجواري فى الحمام التي تقتظ بها السينما والدراما المصرية قبل أن تلحق بها في وقت قريب الدراما التركية .

وحيد الطويلة روائي مصري صدر له العديد من الروايات مثل  ألعاب الهوى، أحمر خفيف ومجموعتين قصصيتين (كما يليق برجل قصير ،خلف النهاية بقليل ) ، تتمتع رواية باب الليل بإدراج جميع اللهجات للوطن العربي  فى الحوار أو الإشارة إليها ظرفيا لبعض الشخصيات بالمشاهد والكادرات ، التي التقطها الطويلة لمدة تسع سنوات هى مدة تنقله بين مقاهي تونس الخضراء.

فاللغة العربية ، بقراءتها وأساليبها الخمس المستخدمة فى مصر سواء الروائية  أو الصحفية منها ، تشتمل على اللغة العامية المصرية منها ،التي كان من روادها بمصر الدكتور (مصطفى مصطفى مشرفة ) بروايته العامية السرد والحوار (قنطرة الذي كفر ) عن ثورة ١٩١٩، وصولا الى الراحل (خيري شلبي ) بلهجته العامية ذات الطابع الخاص  فى رواياته، ولكن استطاع الطويلة فى روايته باب الليل ان يلتقط العامية بمفرداتها من مختلف اللهجات العربية خاصة ( التونسية ، الفلسطينية ، العراقية …) وإدراجها بالرواية لتصنع مزجا جديدًا على الرواية العربية .

فعلى الرغم من أن الروائي مصري إلى أن الرواية بأكملها تدور بمقهى يسمى  (باب الليل ) بتونس، وتأتي الشخصيات أبطال الرواية من مختلف بقاع الوطن العربي .

فالحمام بباب الليل هو المكان الذي يستطيع رواد المقهى الإتفاق مع فتيات الليل بعيداً عن أعين الراصدين بالمقهى ، بل أيضا في بعض الأوقات تستطيع من خلاله النساء المتحررات من قيود  المجتمعات الشرقية معرفة من عليهن الاصطياد من الذكور بالغي الفتوة، فتأتي الصورة المجملة لنساء تونسيات ومن القرن الأفريقى الحالمين بالزواج فى بدايتهن ليستقروا بمقهى باب الليل كفتيات ليل ، صورة بالغة الآسي ينقصها أغنية المغربية (نجاة اعتابو) الشعبية التي تنعي بها حظ فتيات الليل وتذكرهم بالزواج والإنجاب ، تلك الأغنيةالتى كانت تجري دموع بنات الليل بتونس والمغرب.

الجسد سيد اللعبة واللون الخمري بوابته،والعجيزات بطاقته، وبنات محتاجات يعملن في مقاه غالباً، يلقّطن أرزاقهن، يضغطن على أمعائهن بقسوة زائدة، يعصرنها كصائمي الدهر ويدخرن ما استطعن من نقود للمظاهر، يلبسن ويمنحن أنفسهن مظهراً براقاً وعافية وفيرة بين نعيمة وحلمها بالزواج من السائح الإيطالي والاستقرار وترك مهنتها كنادلة بالمقهى ، أستطاع الطويلة ادراج اللهجة التونسية الخالصة بالحوار  بشكل مباشر:

حين عاد ليدفع مست بيدها صدرها العالي:

ضيفناك على حسابنا.

واستطاع الإحالة إلى اللهجة بمشهدية الرواية  ، مثل أبو شندي الفلسطيني ذو اللكنة اللبنانية الذي يملك طرقا مختلفة لنضال الصهاينة :

اشترى ماخوراً في ألمانيا، داراً أو سوقاً للمومسات كما يحب أن يسميها،  يلفظها كأهل لبنان، من دورين : التحتي  صالة للقمار يرتادها الألمان   والأجانب من كل لون وفي العلوي اثنتا عشرة غرفة للعاهرات المرخصات، ساحة للعمليات، يدخل من يدخل ويخرج من يخرج.

البدروم كان مخزن العمليات : القنابل والرشاشات والخرائط واللاسلكي وبقية الأجهزة .

العمليات في الأعلى والمخزن في الأسفل، كانت الفكرة لعميل مزدوج بيننا وبين إسرائيل اشتكى من بعد مركز اتخاذ القرار عن مكان العمليات.

تمكن الطويلة أيضاً من تكنيكات الرواية المتعارف عليها مثل (المخاتلة ) بفصل (باب الأقواس ) ليصف البندقية الخاصة بابو شندي المجاهد الفلسطيني عندما كان يجاهد بطريقة مختلفة في شبابه، فتقع بين حيرة وصفها كبندقية أو هى وطن أو حتى امرأة  يقع الرجال بحبها .

هل تعرف الحب الذي يسبب العدوى ؟

صرنا كالعدوى لكل مكان ندخل فيه، لكل الأصدقاء ولبعض الأعداء، يشار علينا بمجرد أن ندخل ردهة مطعم أو مقهى،عندما نتسكع في سوق أو حانة، كوباءٍ فاخر لا يحتاج مصلاً ضده، مصله من وبائه.

وعلى الرغم من كثرة الإطناب والاستطراد فى رواية باب الليل إلا أنك لا يتسرب إليك الملل اثناء قراءةالرواية على الإطلاق. بتنوع الاستعارات والتشبيهات ، مثل خطاب الصحفية الى ذكرها الأقوى التي قامت باصطياده من المقهى :

اجعل المقدمة الموسيقية طويلة قدر ما تستطع، كانوا  يسهرون مع أم كلثوم للصباح، الأغاني القديمة وجبة معمرة تحقق لك الطرب والنشوة، الجديدة سريعة متشابهه تفر من المستمعين،خل زيارتك طويلة ما استطعت، أنا من سلالة قوم كرام،الضيف له ثلاثة أيام، والمعشوق له ما استطاع إلى جسدي سبيلاً.

وبين شخوص الرواية المتعددة المتميزة كأبو جعفر العراقي وكسوف الذي يعمل بالمقهى والنساء بتعددها التي لا يتسع لقراءة واحدة وصفهمن والقاء الضوء عليهن ،يلامس الطويلة الثورة التونسية من بعيد ، كانما يلوح لها ولتونس التى ألهمته مقاهيها تلك الرواية   ، لرمزية صورة الرئيس التى لا تتغير ولا يتغير مكانها فوق راس  طاولة ابو شندي الفلسطيني بنهايتها فى الحمام الخاص بالبنات ، بل وركلها من قبل صاحبة المقهى وهي قابعة فى الحمام ، ولتنتهي الرواية كما بدأت مثل بدايتها فى مهد الثورات والدسائس وإعداد الجواري ،الحمام .

 

عودة إلى الملف

مقالات من نفس القسم