بابل حضارة عريقة.. ومهرجان لتواصل الثقافة العالمية

بابل حضارة عريقة.. ومهرجان لتواصل الثقافة العالمية
Share on facebook
فيسبوك
Share on twitter
تويتر
Share on whatsapp
واتس أب
Share on telegram
تيليجرام

صفاء النجار

لم يكن طريقى إلى بابل مجرد طريق طوله ١٠٠ كيلو متر فى الاتجاه جنوبا من بغداد، لكنه طريق يمتد فى عمق التاريخ إلى ما يقرب من ٤ آلاف عام.. منذ أصبحت بابل- أو باب الآلهة- التى تقع على نهر الفرات عاصمة البابليين أيام حكم حمورابى أول من سن القوانين فى العالم القديم.

فى هذه الفترة بلغت حضارة المملكة البابلية أوج عظمتها وازدهارها، وانتشرت فيها اللغة البابلية بالمنطقة كلها، حيث ارتقت العلوم والمعارف والفنون وتوسعت التجارة لدرجة لا مثيل لها فى تاريخ المنطقة. حتى إن عالم الآثار الإنجليزى «ريتشارد ديمبرل» يبرهن بالدليل العلمى على أن السلم الموسيقى الحديث هو اختراع بابلى وليس يونانيًا، كما يعتقد الكثيرون.

شهدت مدينة بابل فى عصر الملك نبوخذ نصر قيام الإمبراطورية البابلية التى توسعت أرجاؤها، وكانت مبانيها من الطوب الأحمر. واشتهرت بالبنايات البرجية ومنها برج بابل، ومعبد «مردوك».

على مدخل المدينة الأثرية توجد بوابة عشتار، وقد أوضح لنا مرافقونا أن ما نراه ليس البوابة الأثرية فهذه نموذج مقلد تماما، بينما البوابة الأثرية تقبع فى متحف بيرجامون فى برلين.. بعد أن اكتشفها المنقب الألمانى روبرت كولدواى فى عام ١٨٩٩م كاشفا النقاب عن أول معالم هذه المدينة.

والبوابة على اسم إلهة الزهرة (عشتار) وهى تعنى حسب أساطير بابل أنها المتحكمة فى أمور البشر وقيل إن نبوخذ نصر الثانى بناها حبا لزوجته.

يبلغ ارتفاع باب عشتار مع الأبراج خمسين مترًا وعرضه ثمانية أمتار، والباب محاط بالأبراج الجميلة والعجيبة، وهى مكسوة بكاملها بالمرمر الأزرق والرخام الأبيض والقرميد الملون. وكانت مزينة بـ٥٧٥ شكلا حيوانيا بارزا منها الأسود، التنين، والثيران.

وكانت المواكب تدخل من بوابة عشتار إلى المدينة الداخلية، ويعود تاريخ بناء بوابة عشتار إلى حقبة زمنية سابقة لعهد نبوخذ نصر البابلى، لكنه أعاد بناءها وتعميرها وتجميلها بحيث غدت أكثر جمالًا وتميزًا، وهو من قام بتزيينها بالتنين والثيران، وبالأحجار المصقولة المطلية باللون الأزرق، وهو الذى وضع الأبواب بعد أن قام بتغطيتها بالنحاس وثبت فيها مغاليق ومفاصل من مادة البرونز وهى مازالت موجودة فى برلين.

من بوابة عشتار نفذنا ليس فقط إلى التاريخ البابلى القديم، ولكن إلى حاضر العراق ومستقبله، إلى محاولة تجاوز الألم والخراب والتحليق فى آفاق الثقافة والفنون.. فبابل التى تعرضت آثارها للتدمير عمدا أو جهلا، وبعد أن حوّلت القوات الأمريكية والبولندية منطقة الحفريات الأثرية فى البلدة القديمة ببابل، عامى ٢٠٠٣ و٢٠٠٤، بما فى ذلك بوابة عشتار وطريق الموكب ومعبد ننماخ، إلى قاعدة عسكرية، تضم كذلك مهبطا للمروحيات. تستيقظ بابل من مرقدها ويمشى فى الطريق الملكى بدلا من جنود الاحتلال مثقفون وكتاب وشعراء وموسيقيون وعلماء آثار من مختلف الجنسيات مع فعاليات مهرجان بابل للثقافات والفنون العالمية.. وتقوم رؤية هذا المهرجان على المزاوجة بين الفعاليات الأدبية والتشكيلية والموسيقية لتعطى انطباعا بضرورة الانفتاح على الآخر وثقافته، واحترام الاختلاف معه من خلال التعرف على الجوانب الجمالية لديه، وتعريفه بما فى المجتمع العراقى من رؤى ثقافية وفنية وفكرية. وكان عام ٢٠١١ عام انطلاق هذا المهرجان الشامل تحت إشراف مدير المهرجان دكتور «على الشلاه»، وليؤكد المهرجان فى دورته السابعة انتصار العراق على الإرهاب وانتصاره على محاولة «داعش» وأد المهرجان، عبر محاولة تفجير مدخل المدينة لعامين متتاليين قبيل موعد إقامة المهرجان، لكن المهرجان بقى، وبقى العراق، وبقيت إرادته الوطنية.

مهرجان بابل للثقافات والفنون العالمية، الذى شاركت فيه بشهادة عن تجربتى الإبداعية، وقراءة من مجموعتى القصصية «الحور العين تفصص البسلة»- صورة جديدة لعراق تجمعه الثقافة والفنون والفكر بعيدا عن الخلافات السياسية أو الدينية.. مكان تلتقى فيه الأرواح التواقة للسلام والمحبة، وجسر لثقافات العالم، كما وصفته اليونسكو.

مقالات من نفس القسم

محمد العنيزي
كتابة
موقع الكتابة

أمطار