انتحار قِّط، موت مَلكة

موقع الكتابة الثقافي uncategorized 19
Share on facebook
فيسبوك
Share on twitter
تويتر
Share on whatsapp
واتس أب
Share on telegram
تيليجرام

منعم رحمة

لا، لا أنت لم تفهم شيئاً ؟

أنت لم تراها كما أراها أنا ؟!

حاولتُ أن أخمِشه، و أنا اهِّرُ فيه، هذا الشئ الذى لا يظهره الّليل و تُظهره كل شمس معى، بجانبى، تحتي و أمامى.

أنت لم َيتخطّفُك ذلك الذى يشّع  من عينيها، و هي تنظرنى من هنااك، بمقدار بطنٍ من الشّبع إلى الجوعِ،

و الرّيِّ  إلى الظّمأ. أنت لم تُغمض عينيك على  حُضنها، طيب رائحتها، و الذّنبُ منها يرتعشُ و اقِفاً، أما المخلّب فهو ينّز عرقاً، و الفّمُ يموء. لم تراها، و هي تُنظّفُ شعرها بلسانها، و الأطراف منها مُشرعة.

لم يدّق أُذنيك ذلك المواء الذى يفّوسُ الظهر مني، و القمر يعلونا، و أنا و هي كلٌ فى بيته المفتوح من اعلى. لا نملك من شئٍ سواء المواء البكاء. لم تكن هي، مثلما لم أكن أنا، نملك فماً كفم من يملكونا لِنموء مثلهم بما فى أجسادنا من جوعٍ إلى بعضنا البعض. حتى لو هررت أنا، هرشت بمخالبى الشعر  المفروش حيثُ بجلسون، و حيث ينامون، لن يُّحل ذلك من شئ. حتى لو اطلقتُ و أطلقت هي المواء كلّه، فكل ذلك لن يُّحل، لن يشيلنى، يحطّنى بقُربها، او يجئ بها إلي.

مِيااااو، جاااو مِيااااو،

يا ييتى و رائحتى، شوارِبي و مليكتى  ؟

مِياو مو.

ما العمل ؟

أو تُراه، سيظلُّ هذا السُؤالُ قائماً، شَبع جُوع، عطش رّي، شمس قمر ؟

النّوم ثمّ النّوم، و هي تأتيني فى النوم . لا، لا  هذا لا يكفى. يجب أن أمسّها، أشُّمها، أعضّها، أدعكُ بطني بظهرها.

مِى مِى، مِياااو مِى.

الأكلُ ثُم الأكلُ و الشراب..

مِيااااو، جاااو جوووو، مِيو مِيو.

لكم أكره أن تكون كّل الأشياء، أشياء الأكل و الشراب و (الكّاكّا)، كلها مع بعضها البعض، و ما بينها إلّا مقدار شّمةٍ و لحسة.

انظر إلى ذلك الملئ بِطرِّي شعرِ ريش .. إنه بيت راحتى، نومى و سكونى ، و تلك الحُفيرة للشّرب، و مثلها للأكل.

أما تلك الحجارة و لا حجارة، الكثيرة المواء، فهي للــ (الكّا كّا)، أيضا لا أحبّها جاااو جوووو. فأنا أريد أن أحفر حفرتى

يمخالبي، و اعمل الكاكا، ثم أشّمها و أدفنها بحيث لا تطير منها رائحة.

كل هذه الأشياء  هي مقدار بيتي. أما البيتُ، بيت مالكتى، فهو واسعٌ، بمقدار من القمر الى الشمس، فيه بيت للنَوم، بيتٌ للكّاكّا، بيت للأكلِ و بيت للشّربِ، فيه بيت صغيرٌ مُشّعً يموء، و تتحرك فيه اشياء.. مالكون و أشياء مثلي، و أكل و شراب كثير . فلماذا يضّيقون واسعاً ؟

مِيااااو، مِيااااو جاااو ..

ألا أكون حامداً و شاكراً ؟

ألا أحس بكل هذه الأشياء ؟

يشتغلُ رأسي.

أكلٌ نظيفٌ، من الشمسِ إلى الشمس. ماء نظيفٌ أيضاً، الماءُ هو الماءُ.

أكره هذا الأكلُ الناشف البارد، أُريد أن أخمشَ أكلى بيديّ مخالبى، ثم اُنظّف فمى، مخالبي بلساني.

لماذا لا يتركوننا نشربُ بقايا ما يشربون، و نأكل بقايا ما يأكلون، و خاصة تلك الأشياءُ التى تحرك بطنى و أنفي، تلك التى يأتون بها ساخنة من النيران، و شيئاً غريباً يتصاعد منها إلى أعلى، أعلى، أعلى.. أهي الرائحة، أم ماذا ؟

لماذا، هكذا.. ألِتُقتُلنا تلك الرائحة ؟

نحن الرائحةِ، أهلها و هي ملكتنا . بالرائحة نُحدد حدود ممالكنا، و نركض من الأخطار التى تطاردنا.

بالرائحة نفرزهم هم، من يملكون امرنا،

بالرائحة نصطفى ملكاتنا، ملكات أجسادنا. نعم بالرائحة نفعل كل شئ.

فلماذا يغطغطون كل شئ، كل شئ ؟

و لماذا لا نطارد الروائح، روائحنا ؟ أليست لهم أشياءٌ يشمون بها، و يتخيرون بها أكلهم، و شربهم ؟

لكم تشدنى أطرافي للركض و نهَشُ تلك الرائحة العجيبة، التى تاتينى من البيوت الدافئات التى يخرجونها منها.

سامحينى يا مليكتى، هل ترين كم أنا عاجزٌ عن إنقاذك، إنفاذُ جسدي من هذه البيوت، الشراك ؟

أعذرينى و أعذرى قّلة ما أملك. لكن يجب ان أفعل شيئاً، يجبُ ؟ 

كما تعلمين يا مليكتى، شواربي مخالبى، بأننى و أنت ايضاً، إننا لا يمكن أن نصطدم بما تحت أرجلنا، و مهما كانت درجة العلو التى نسقط أو يُرمى بنا منها. أجسادنا تقعل ذلك ، و أننا ننزل و نلامس ما تحتنا بأطرافنا، فنرفع ظهرنا و نمد تلك الأطراف إلى أسفل، فلا يضيبنا أذىً.

ستموءين، ماذا تريد أن تفعل يا لساني و رائحتى؟

لن اقول لك. فقط لدي ما سأفعله.

البيوت المفتوحة من أعلى متباعدات و عاليات، كما ان تلك االبيوت أيضاً، جحورها لا تسمح لشواربي بالمرور، و بالتالى لا يمكن العبور  الّا بالقفز ملء الظهر و الأطراف من فوقهن، ثم مواصلة العلوِ، و أماماً أماماً، بمقدار ما بين بطنٍ من الشّبعِ إلى الجوع، الظّمأ إلى الرّي، حتى استقر فى بيتك المفتوح من اعلى. و لكن كيف ؟

لماذا لا يأخذوننا لبعضنا ، أو يتركوننا نذهب لبعضنا ؟ لن نضيع طالما لدينا تلك الرائحة، و الشئ الذى به نشّمها  ؟

لماذا لا نتسلق تلك الأشياء العالية الجميلة ؟ لماذا لا نتمرغ فيما تحت اطرافنا و جسدنا، فى هذا الّلين الرطيب ؟

مِياو مو.

ما العمل ؟

علي أن أقفز، القفزة السكون. قفزتى مليكتى.

مِيااااو، مِيااااو جاااو ..

مِيااااو، مِيااااو جاااو ..

مِيااااو، مِيااااو جاااو ..

كانت عندما تتمطّى، و انا أنظرها عبر تلك الهنااك من الشّبع إلى الجوع، الرّيِّ إلى الظّمأ، تتمطّى مظهرة مفاتنها

و لين أطرافها، جمال شعرها و نظافته، كنتُ أهرّ، أموء حتى تنقطع أنفاسى:

       – مِيااااو، جاااو ، مِيااااو، جاااو .

أحس بظمأ جسدها، جسدى و لا أجد لذلك متنفساً، ثمّة شئ داخل بيت بولى لا يعمل ؟ 

لا أبصر، أشّم، ما هو تحديداً،

و لكنى عندما أتبول، يخمشني ذلك الشئ الذى أحسّهُ مواءاً و لا اجده، جوعاً و لا شبع، ظمأً و لا رّي.

أنتظره و لا يأتى، تؤلمنى رعشات فى كل جسدى، و ينتفش شعرى و ذنبى. و لكنى أنخمد، اتعب..  لا أريد اكلاً

و لا شراباً، فقط أريد أن انام، ليأتى ذلك الشئ الذى أُريده، لكن جسدى لا يطاوعنى. لا أريد التبول و كثيراً، و لا ادرى سبباً لذلك ؟ هل تُراني لا أشرب ماءاً كافياً، أم ماذا.. إلى من أموء بذلك، مالكتى تعصرنى إليها، أحسُ يدفئها. لكن كل ذلك يشعرنى أكثر و أكثر بألم فى بيت بولى فقط.. ثمّة شئ آخر، آآخر، لا يعمل.

جاااو ِجااااو، جاااو.. مِيااااو، جاااو.

ماهو ؟

ذلك الشئ الضخم  أب عيون كبيرة و من فوقها عيون أكبر، و شعره كما القمر، ذلك الشئ الذى تأخذنى إليه  مالكتى، يجّسنى جسّاً شديداً بشئ معلق فى رأسه، و يسّد علي أنفاسى، واضعاً و ضاغضاً بشئ على نفسي، 

و لكنه لا يفعل شيئاً، فقط يملأ فمي، بشرابٍ ذا طّعم حجرى قوي. 

مِي مِى ميااااو، جاااو ،..

حسناً، يبدو أننى سأفعل شيئاً .

خرجت الشمس من بيتها، و خرجت انا كذلك الى البيت المفتوحِ من اعلى. و خرجت كذلك مليكتى، تنتظرنى و عيناها

و أشعة الشمس تشعان. يجب علي أن افعلها.

مِيووومِى،  مِيووومِى

يجب، يجب، يجججججج.. وبقفزة واحدة كنت فى أعلى البيت، و منه….

مِياااااااااو، جاااااااااااااو.

ثُم…

دوت صرختان فى تلك الّلحظة، و صعدتا السماء فى وقتٍ واحدٍ، لتلحق بهما صرخة ثالتة.

صرخة بشرية من الشُرفة التى قفز منها ستة أمتار فى الهواء، قّط كما كرة مطاطية، جامعاً اطرافه إليه، و منكّساً رأسه. 

و صرخة، مواءٌ جريحٌ من الشرفة المقابلة، حيثُ شّبّت ثم سقطت قطّة، هلكت من فورها.

أما الصرخة الثالثة فقد كانت من كوابح العربة البيجو، التى دهسّت تحتها قّطاً أبيضٌاً، برأسٍ أسودٍ و جميل،

فم أحمر و ضحوك، و عينان راضيتان.

 

مقالات من نفس القسم

موقع الكتابة الثقافي uncategorized 12
تراب الحكايات
عبد الرحمن أقريش

المجنون