اليوم الذي سرقت فيه الكتاب

موقع الكتابة الثقافي
Share on facebook
فيسبوك
Share on twitter
تويتر
Share on whatsapp
واتس أب
Share on telegram
تيليجرام

قصة : طه عبد المنعم

شممت رائحة الورود تهب مع النيل، كان تيار الهواء المحمل برائحة الورود  يجري مع الماء في مجرى النيل، أكاد أؤكد  أن دوامة  المياه أسفل الكوبري  يصاحبها تيار كثيف من رائحة الورود يغمرني، رفعت ذراعي وفرجت ساقي كي تلتصق الرائحة بجسدي و ليس فقط بملابسي الخفيفة، لا أعتقد أنى شممت رائحة ورود طبيعية من قبل،  أعرف رائحة زهر البرتقال و الفل ورائحة أوراق شجر المانجو و الموز فقط، حتى عندما أمر على الصناديق الزجاجية أسفل الكباري ،

أفترض أن باقات الزهور الملونة التي تبعث رائحة الورود، ولكني  أنتبه في كل مرة بعد مروري السريع أنها الرطوبة مختلطة بصُنان البول مع تركيزات مختلفة لعطور فاتنات تمر دائما بجانبي  ، لكنى اليوم متأكد أنها ورود وطبيعية، لا يحتاج المرء لتعليم الأشياء بروائحها لكي  يعرفها يكفى  أنك تشعر بها،  إنها ورود.

لم يحدث قط في حياة المدينة  أن ارتفعت درجة الحرارة بهذا الشكل، لهذا غبطت نفسي لأني أستمتع برائحة ورود ترطب الجو الخانق، جعلت حذائي الرياضي يرتفع عن أرضية  الجسر، تمالكت نفسي  ونزلت، خفت من شرطي  بزيه الأبيض المتهدل يظن أنى مقدم على الانتحار، هو بالطبع لا يعرف  أن الكتاب الذي في يدي مسروق، حتى لو عرف فستحتاج أمينة المكتبة وقتا أكثر من  اللازم  لتقنعه بأهمية الكتاب ليسرق، هذا إذا كانت رأتني أصلا، تمهلت في مشيتي حتى نزلت من سلم المشاة، الحر القائظ لم يمنع المحبين والعشاق من التجول على الكورنيش، فكرت أن علي أن أجاور النيل طالما قررت المشي ، على الأقل في هذا الحر.أحسست أنى  ملهم – بالتأكيد – حينما  غمرتني رائحة الورود ثانية مع اقترابي من النيل، نيلنا محمل بكل ما هو جميل  بدءا من الطمي حتى رائحة الورود، سأحذف – بكل التأكيد – حكاية سرقة الكتاب عندما أحكى لنيرة حكاية الورود،  أشعر بأسف حين تظن أنها حكاية خرافية أخرى أطعم بها قصة من قصصي و تهز رأسها إشفاقا  لأن الله – والحمد الله – بلاني بخلل في عقلي من القراءة والكتابة فقط ولم يمتد إلى علاقاتي الاجتماعية مع أهلها أو  أهلي.

كيف سأبرهن لنيرة بضع سنتيمترات تفصلني عن الأرض ، كل هذا بدا طبيعيا بالنسبة لي، إلا أنى شعرت بالخلل –  الذي تقول عنه نيرة حين تشير بإصبعها إلى دماغي وتضغط – يتحول إلى جنون، فكيف تندفع رائحة الورود فجأة إلى أنفى عندما  أستيقظ في غرفة نومي، بعيدا جيدا عن النيل، على  أثر سهر طويل مع الكتاب، ارتديت ملابسي على عجل – هذا من بقايا العقل في – ورحت أتتبع –­­ ككلب بوليسي مدرب – الرائحة لأعرف إلى أين تقودني، وأيضا من بقايا العقل استنتجت  أن نهاية رحلتي ستكون موقفي أمس على الكوبري أو كورنيش النيل، طلاوة هواء الفجر أعطت رائحة الورود مذاقا أخر، قبل  أن أنزل فتحت الكمبيوتر لأكتب تدوينة  فوجدت رد نيرة على ايميلى  أمس تقول أنها شمت رائحة الموز وهى  تقرأ رواية لجابرييل جارسيا ماركيز  ولكنها انتهت،  ألم أقل قبلا أنى أعشق هذه البنت، تصاعدت رائحة الورود تملأ البيت حتى أن  أمي وأبى  صرخا في –  وهما نائمان – أن  أكف عن قراءة الكتاب وأطفئ النور لتخف الرائحة النفاذة وأضاف أبى بنبرة  تنبيه لأول مرة “رائحة الشواء مازالت تملأ البيت حتى أكملت روايتك في مكان أخر، فنم  الآن وصل على النبي.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

قاص مصري

مقالات من نفس القسم

موقع الكتابة الثقافي uncategorized 12
تراب الحكايات
عبد الرحمن أقريش

المجنون