الوميض

موقع الكتابة الثقافي uncategorized 73
Share on facebook
فيسبوك
Share on twitter
تويتر
Share on whatsapp
واتس أب
Share on telegram
تيليجرام

إيتالو كالفينو

ترجمة: عبير الفقي

لقد حدث ذات يوم، عند مفترق الطرق، وسط جمع من الناس يجيئون ويروحون. توقفت، ثم طرفت بعيني: فجأة لم أفهم شيئًا.

لا شيء، لا شيء عن أي شيء: لم أفهم أسباب الأشياء أو الناس، كان كله لا معنى له، مناف للعقل. ضحكت.

ما وجدته غريبًا في ذلك الوقت هو أنني لم أدرك من قبل؛ إنه حتى ذلك الحين كنتُ متقبلا لكل شيء: إشارات المرور، السيارات، الملصقات، الملابس الرسمية، الآثار، أشياء منفصلة تماماً عن أي إحساس بالعالم، قبلتها كما لو كانت هناك ضرورة ما، سلسلة ما من السببية والنتيجة التي تربطها معًا.

ثم ماتت ضحكتي. توردت خجلاً. لوحت بيدي لأجذب انتباه الناس. “توقفوا لحظة !” صحت، ”ثمة شيء خاطئ! كل شئ خاطئ! نحن نفعل أشياء منافية للعقل. هذه لا يمكن أن تكون الطريق الصحيحة. أين يمكن أن تنتهي؟ ”

توقف الناس من حولي، أحاطوا بي، بفضول. وقفت هناك في وسطهم، ملوحاً بذراعي، بيأس لأفسر موقفي، لأشاركهم وميض البصيرة الذي فجأة أنار لي: ثم لم أقل شيئاً. لم أقل شيئاً لأنه في اللحظة التي رفعت فيها ذراعي وفتحت فمي، وحييِ العظيم كان كما لو ابٌتلع مرة أخرى وخرجت الكلمات القديمة كماهي، مندفعة.

“حسنا؟” سأل الناس:

 “ماذا تقصد؟ كل شيء في مكانه. كل شيء كما ينبغي له أن يكون. كل شيء هو نتيجة لشيء آخر. كل شيء يناسب كل شيء آخر. لا يمكننا أن نرى أي شيء خاطئ أو مناف للعقل “.

وقفت هناك، تائهًا، لأنه كما رأيت الآن كل شيء قد عاد إلى مكانه ثانية وبدا كل شيء طبيعياً، إشارات المرور، الآثار، الملابس الرسمية، المباني العالية، قضبان الترام، المتسولون، المواكب. ولكن هذا لم يهدئني، لقد عذبني.

“أنا آسف” قلت.

“ربما كنت أنا المخطئ. لقد بدأ الأمر هكذا حينها. ولكن كل شيء على ما يرام الآن. أنا آسف”. ثم شققت طريقي وسط غضبهم الهادر.

ومع ذلك، حتى الآن، في كل مرة (وفي كثير من الأحيان) أجدني لا أفهم شيئًا، ثم، بشكل حاسم، أمتلئ بأمل إنه ربما تكون تلك هي لحظتي قد حدثت مرة أخرى، وربما لن أفهم شيئا مرة ثانية، ثم سأمسك بالمعرفة مرة أخرى، تلك التي وجدتها مرة وخسرتها في لحظة.

……………

*“من مجموعة أرقام في الظلام”

 

مقالات من نفس القسم