“المعدية”.. حقائب سفر بلا اسماء

"المعدية".. حقائب سفر بلا اسماء
Share on facebook
فيسبوك
Share on twitter
تويتر
Share on whatsapp
واتس أب
Share on telegram
تيليجرام
رامي عبد الرازق ـ دبي تغيير الجلد. هكذا يمكن أن نصف ما فعله عطية امين فنان المؤثرات البصرية الذي قرر أن يخوض تجربته الأخراجية الأولى بعيدا عن مجال تخصصه، حكاية ميلودرامية تشتبك مع واقع عام تمثله حقيبة السفر التي نراها في نهاية الفيلم ينزع احد الاصدقاء الثلاث اسم صاحبه عنها لكي تصبح بلا اسم وكأنها كل حقائب السفر التي يحملها كل شاب يقرر أن يهرب من واقع حاد وصلب بعد أن اعلن هزيمته.

 بعيدا عن فن المؤثرات والتفنن في صناعة تيترات الأفلام يتخذ عطيه اسلوب واقعي بسيط للغاية تاركا القصة تتدفق في اطرها الأنفعالية التي تبدو ظاهريا مكررة لكن تكرارها جزء من مآساويتها العنيدة التي ترفض الانتهاء.

ثلاثة أصدقاء حسين وفارس ومنصور في مقابل ثلاثة فتيات أحلام ونادية وإيمان، ستة شخصيات درامية لكنها على المستوى الأجتماعي والنفسي نموذجين فقط كعملتين بثلاثة وجوه، حسين العائد من السفر بعد غياب ثلاثة سنوات يكتشف أن ايمان حبيبته الأولى التي سافر منهزما بعد أن رفضه اهلها قد طلقت من زوجها فيأخذه الحنين والرغبة في استكمال قصة الحب التي دمغتها الهزيمة امام الظروف المادية ورفض الاهل.

هذه التيمة المكررة جدا تكتسب عمقها النسبي بناء على شخصيات فارس صديقه الذي يحب أحلام أخت حسين والذي تبدو قصتهم هي بعث سيزيفي لبدايات القصة التي لم تكتمل بين حسين وأيمان، وهو ما يؤكد عليه تصاعد الصراع بين أحلام وحسين بسبب رفضه زواجها من فارس حين تصارحه أنه لا يرغب لقصتها هي وفارس ان تكتمل كنوع من الأسقاط الحاقد لفشله هو وايمان قبل سنوات.

في حين تمثل علاقة نادية بحسين زوجها النموذج الذي سوف تؤول له حياة فارس وأحلام لو انصاعت أحلام لرغبة اخيها في تزويجها من رجل أخر غير فارس لمجرد أنه ميسور ولديه القدرات المادية التي تمكنه من”فتح بيت” بالمعنى الدارج للزواج في المجتمعات التي تعاني من آفة الفقر والانحدار الأجتماعي الهائل.

بينما يمثل منصور الوجه الأخر لمستقبل فارس الأفتراضي في حال استمر على نفس الوضعية المادية الشحيحة، فبعد أن كان شابا منضطبا يعمل في مجال الحراسة الليلية لاحد البواخر النيلية المخزنة يتحول إلى نصف تاجر مخدرات ونصف قواد مستغلا الباخرة التي كان يحرسها كوكر لتعاطي الحشيش وتأمين أماكن سرية لراغبي المتعة.

هنا تمثل الشخصيات الثلاث في تجاورها وعلاقتها الوطيدة وحميميتها التي تتجاوز حتى رابطة الدم حركة داخل الزمن المعنوى وكأننا نتابع شخصية واحدة في ثلاثة أزمنة ولكن في نفس الوقت الأول قبل السفر والثاني بعد العودة والثالث في المابين.

على مستوى السيناريو فأن المشاهد الاولى للقاء الأصدقاء بعد عودة حسين تمثل التأسيس الدرامي لفكرة العملة متعددة الاوجة خاصة وقد تم التعامل معها اخراجيا في لقطات واسعة تجمع الأصدقاء الثلاث في جلسة مزاج يتبادلون فيها التدخين من نفس”الجوزة/الأرجيلة” هذه الجلسة التي تشهد حالة بوح وعتاب وفضفضة ركزت على الهم العام الذي بينهم وليس على مشاعر كل منهم الداخلية تجاه مشكلته الأسرية أو العاطفية أو الأجتماعية فإلى جانب اللقطات الواسعة التي تضم الثلاثة كان ثمة أكثر من لقطة ثنائية متوسطة تجمع وجهين للعملة حسين وفارس او فارس ومنصور.

وعلى الجانب المكاني فأن حالة التجاور أو لنقل التقابل الكامل بين شقة حسين التي تضم غرفة احلام أخته وشقة ايمان العائدة بعد الطلاق هي تجسيد لفكرة ان احلام وايمان وجهين لنفس العملة واحدة قبل الهزيمة والثانية بعدها- ومعنى الهزيمة هنا يأتي للتعبير عن فكرة الانسحاب من المعركة التي لم يستطع ايمان وحسين خوضها في سبيل حبهم والذي تعاتبه ايمان وتعاتب نفسها عليه في مشهد لقائهم السري في الباخرة التي يديرها منصور للقاءات مماثلة-.

كذلك لا يمكن اغفال دلالات الاسماء التي تخلص في معانيها إلى النوع ونقصد به الميلودراما الأجتماعية، ففارس يبدو في الكثير من ملامحه الخاصة بعيدا عن فكرة الوجوه المتعددة فارس بحق في طباعه واخلاصه وطيبته ورغبته في التضحية من أجل حبيبته، وأحلام هي الاحلام التي لا تجد لنفسها سبيلا كي تتحق أو ينالها فارس، في اليوم الاخير قبل سفره نراه يصطحبها على موتوسيكل/حصان حديدي كي يمارسان مشاعرهما الفي حرية كاملة دون خجل أو عنت من الظروف وان كانت نظرات الناس لا ترحمهم كعادة المجتمعات التي تمارس كبتا على كل ما هو حميمي كأنه عيب لكن “الفارس” و”أحلامه” لا يلقيان بالا لأحد ويجوبان شوارع المدينة في لحظة تحقق نادرة وأخيرة قبل أن يرحل.

 بينما منصور يبدو اسمه سخرية اقرب للكوميديا السوداء من وضعه الأنساني والاجتماعي والنفسي فهو مهزوم امام ظروفه المادية والأجتماعية حتى في محاولته الدفاع عن اخته ضد زوجها الذي يمارس عليها قسوة بدنية وشعورية منحطة بينما تقبل صاغرة فقط من أجل ان تظل على ذمته خوفا من الطلاق (وضعا ولقبا).

ان دلالة المعدية لا تتخذ عمقها في الفيلم من مشاهد القارب الذي يحمل الشخصيات من وإلى الجزيرة النيلية التي يقيمون فيها ولكنها تلك المشاعر التي لا تكتمل الشخصيات او تصمد ضد واقعهم اذا لم يتشبثوا بها كي تحمل كل طرف منهم إلى الأخر او تحملهم سويا إلى البر الثاني حيث البيت بمفهومه الشعوري والمعنوي وليس فقط المادي المتمثل في الجدران والأثاث والغرف.

 

ريفيو:

اسم الفيلم : المعدية

سيناريو : د.محمد رفعت

إخراج : عطية امين

تمثيل: أحمد صفوت- مي سليم- هاني عادل- درة- انجي المقدم

دبي 2013 – برنامج ليال عربية

 

نشر هذا المقال ضمن مواد النشرة اليومية لمهرجان دبي السينمائي (6-14-2013)

بتصريح من مسؤل النشرة

مقالات من نفس القسم