«المايسترو».. وجبة من الأفكار على مائدة الدراما

المايسترو سعد القرش
Share on facebook
فيسبوك
Share on twitter
تويتر
Share on whatsapp
واتس أب
Share on telegram
تيليجرام

صَـبا قاسم
أحب قراءة الكتب من آخر صفحة والعودة. أتجاهل الكتاب الذي أرى نهايته في أول صفحة. لكنني هذه المرة وجدت نفسي في تحدٍ أمام هذه الرواية، كي لا أتركها من يدي حتى أنهيها. خمس ساعات من المتعة تكفلت بها رواية «المايسترو» للروائي المصري سعد القرش.
على قارب صغير أشبه بمائدة مستديرة يجلس حولها أربعة أشخاص ينتمون إلى أديان وثقافت مختلفة، لا رئيس لجلسة بينهم ولا زعيم، وجباتهم أفكار ومعتقدات تحتاج إلى كتب كي تعرف عنها، وأحيانا تفيض أفكارهم كالنهر المتدفق لتحلق بها.
القارب يمثل عقل كل واحد منهم ينقله من شط إلى آخر، فيلقي نظرة على الشيوعية والاشتراكية والبوذية والإسلام والعربدة والعشق والنبيذ والمحرمات. يطرحون أسئلة، فيعلو الموج الذي يعصف بقارب عقولهم تارة، ويهبط تارة، مع آية قرآنية، أو بيت شعر للمتنبي، أو سؤال يعجز الجميع عن الإجابة عنه، كأنه سر لا يعرف كنهه «أي عدل في هذا العالم».
وصراع الموج مع الريح في الرواية ليس إلا صراع نفس كل واحد منهم مع ريح تعصف بداخله، باحثا عن هويته أو عائدا إليها.
ضاق القارب واتسعت الأفكار، واتسعت مخيلتي لأقول، وأنا أبحث عن صفحات إضافية بعد آخر سطر: هل من مزيد؟
كان العيش، وهو الخبز، إكسير الحياة في الرواية والحب ملحها، فمثلا ثنائية القَسَم لدى المصريين تتضح من حوار عبثي بين مصطفى وصديقته الأميركية لورا:
ـ مجنون، وحياة «العيش» أنت مجنون يا مصطفى.
تفاءل بذكر اسمه:
ـ أرأيت؟ لا يمكن الرجوع إلا بعد إتقان القسَم المصري. نحن نحلف بالعيش والملح، لا بحياة «العيش».
ـ كم يلزمني هنا لإجادة الدلالات المصرية؟
ـ يلزمك أن نتزوج، الليلة يا لورا.
فيؤنسن الخبز، تارة يصفه على لسان أبطاله بأنه روح فلاح مهّد الأرض، وتارة جسدا يمكن ملامسته «حين تقبض اليد قطعة عجين، وتحنو عليها، وتبتهج بها وتكورها، وتصنع صدرا يشتهيه صاحب اليد».
ومن جماليات الرواية ابتكارات كوصفه للمعاجم بالقبور، توقفك كقارئ فتذهب إلى أقرب معجم إليك وتبحث بين صفحاته عن أمواته الذين نحييهم بإعادة استخدامهم في لغتنا «المعاجم أحيانا قبور تحفظ مومياوات الألفاظ، والشارع يحرر اللغة من ضيق التوابيت والأقبية».
وفي تشبيه لافت يقول الكاتب «للأقدام ملامح». نظرتُ إلى قدم لورا ـ التي صورها بطريقة سينمائية يتقن فنونها ـ فوجدتها صورة مثالية لرماد سيجارة غواية يحرق القارب ويحيي عاشقة.
«المايسترو» رواية نخبوية، وما تطرحه من غزارة وكثافة بالأفكار يهددك كقارئ بالغرق في بحر ليس له قرار.
……………….
* شاعرة من سورية

مقالات من نفس القسم