الكتابة على الورق والمغامرة

موقع الكتابة الثقافي
Share on facebook
فيسبوك
Share on twitter
تويتر
Share on whatsapp
واتس أب
Share on telegram
تيليجرام

 رزان نعيم المغربي

في أحد الحوارات مع الأديب العالمي ( أرنست همنغواي) لفتتني عبارة يقول فيها: ” ستكون هناك فرصة أخرى للتصحيح وإعادة الكتابة حين يقوم شخص آخر بالكتابة على الآلة… وأنه اضطر إلى إعادة كتابة الصفحة الأخيرة من روايته "وداعا للسلاح" تسعًا وثلاثون مرة قبل أن يرضى عنها” .

مناسبة هذا الاقتباس هو تقاسم الشبه بين الكتاب، لايهم إذا كانوا من بلدان بعيدة ونالوا جائزة نوبل، أو مازالوا في بداية الطريق. أسوق ذلك وأعترف أنني اشترك مع همنغواي في كثير من طقوس الكتابة، إذ إنني لا أحب التعامل مباشرة مع طباعة نص على جهاز الحاسوب، فقلم الحبر أكثر تجاوبًا مع أفكاري، من النقر على لوحة المفاتيح، والأوراق البيضاء المسطرة أوضح للرؤية من التحديق إلى شاشة مضيئة، والشطب والحذف على الورقة أجمل من الضغط على زر(delete) المسح .

الكتابة على شاشة الجهاز المعدني، يفقدني التواصل الحميم مع أفكاري ويشكل عائقا لتدفق أفكاري. وعملاً بنصيحة (أرنست همنغواي) الذي يقول عن الكتابة: (على الكاتب أن يكون مغامراً بحيث يذهب إلى مكان لايمكن لأحد أن يساعده ) وهو يقصد عملية الخلق والإبداع ، لكنها بالنسبة لي هي العزلة، وهكذا اخترت العزلة لانجاز روايتي الثانية، وكنت خلال كتابتها على الورق ، وبعد إنجاز عدد من الصفحات أسلمها لزميلتي في المكتب، لتقوم بطباعتها، ولأن حالة الكتابة تشترط المزاج، لم يكن بوسعي الكتابة وتسليم الأوراق بشكل يومي، ولم أنتبه إلا بعد عدد من المرات، أن زميلتي أخذت تلح علي كل صباح بسؤال: هل لديك أوراق للطباعة؟

فيما كنت أعتقد أنني أثقلت عليها بهذه المهمة، وجدت حماسا لم أنتظره ، والأهم أنها لم تحاول مناقشتي فيما أكتبه ، وبالأمس وقبل أن أسلمها الدفعة الأخيرة من العمل سألتها: هل تتابعين ما أكتب؟ أجابت على الفور: نعم وأريد معرفة بقية الأحداث، كل صباح انتظر منك الأوراق بلهفة أكبر.

أسعدني كلام قارئتي الأولى بتعبيرها عن التشويق في العمل الروائي، إلا أنني أخفيت عليها سراً، لاتعرفه وهو أن إعادة الكتابة سأتولاها بنفسي، على الجهاز وتبدأ المرحلة الحقيقية لصياغة الرواية، وبهذا يمكن أن تفاجأ عند طباعتها بشكل نهائي ، أن أحداثا أخرى ظهرت واختفى البعض الآخر، ,ان حوارا شطب منها، واستبدلته بوصف سردي جديد.

في كل مشرع أدبي أبدأه أشعر بأنني أكتب للمرة الأولى وكل ما سبقه لا يمنحني جرأة الاتكاء عليه ، كل عمل جديد هو مغامرة جديدة لاتربطها بالماضي أي صلة، ومايحفزنا على امتلاك الشجاعة هو أننا ذاهبين إلى مغامرة ولايمكن لأحد أن يقدم لنا فيها يد العون والمساعدة سوى الموهبة والمثابرة، التي قال عنها (اوسكار وايلد) العبقرية والإبداع هي عشرة بالمائة أما الباقي فهو الجهد والمثابرة.

 

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
روائية ليبية  ــ نُشر في مجلة “قورينا”

مقالات من نفس القسم

محمد العنيزي
كتابة
موقع الكتابة

أمطار