الكتابة: ذئب وحيد

موقع الكتابة الثقافي writers 1
Share on facebook
فيسبوك
Share on twitter
تويتر
Share on whatsapp
واتس أب
Share on telegram
تيليجرام

محمد الفخراني

أنت وحدك، هذا أفضل.

جائع، ولن تتوقف عن أن تكون جائعًا، الجوع يُبقيكَ صاحيًا، مُتشوِّقًا، ومتأهبًا، لن تشبع حتى لا تنام روحك.

أنت اخترتَ أن تكون ذئبًا وحيدًا، اخترْتَ طريق اللاطريق، أنت بلا خريطة، أو علامة، لن يأتى أحد لمساعدتك، لا تريد، لن يشاركك أحد ألمك، لا تريد، ستعوى وحدك، عواؤك شغف وجموح وأحلام.

لا تنطر إلى النجوم أيها الذئب، فلن تدلَّك، لا تختبئ خلف الأشجار، فلن تحميك، أنت وحدك، وإياك أن تشبع، أو تسكن، فيأكلك البرد والكسل، أنت وحيد، وطريقك بلا نهاية، تمشى إلى الأبد، وتموت ماشيًا.

شرف الذئب أن يموت ماشيًا وحيدًا.

 العَقْ جرحك، أو دعه ينزف، ربِّت وحدك على روحك، ليست هناك ثمرة أو جمرة تأكلها لتُقوِّى قلبك، قوتك من داخلك، أنت تعيش من قواك الداخلية، قوة روحك وقلبك، من عالمك الداخلى الكبير، أنت تمشى كى تأخذ المزيد من العالم إلى عالمك، أنت جائع للعالم، وهو جائع لك، تلتهمه ويلتهمك، امشِ أيها الذئب، كلما ابتلعتَ من العالم صار أكبر وأكثر حياة، كلما ابتلعَ هو منك صِرْتَ أقوى وأكثر حياة.

ستمشى بين الأشباح، ستحب أن تمشى لسنوات تحت المطر، فى الرعد والبرق والريح، تمشى تحت الشمس، وتستغربك، أنت وحدك يمكنك أن تُحدِّق فى الشمس حتى تُغلق هى عينيها، تمشى أيها الذئب، ولن توقد نارًا لتتدفأ بها، النار بداخلك، إياك أن تنطفئ، أو تخبو، لن تُرهبك السماء الجافة، والأرض القاحلة، ماؤك بداخلك، غذاؤك بداخلك، ستقابلك الريح، إعْوِ فى وجهها، حتى يبتلع عواؤك صراخها، حتى يزحف الإعصار تحت قدمك.

ذئب وحيد، وأنت متناغم مع وحدتك، تفهمها وتفهمك، تُسلِّيك وتُسَلِّيها، لا أحد يعرف لعبتك غيرك، لا أحد يعرف جرحك غيرك، لا يعرف حياتك أو موتك غيرك، تمشى فوق الزجاج المكسور، بين أشجار الشوك، وأشجار الجليد، تصعد الجبل وحيدًا، ستعوى الريح فى داخلك، وتعوى أنت فى داخلها، ستحاول الريحُ معك، لكنك ستقتلعها، أو تُثبِّتها بمخالبك، الذئب ينتصر فى النهاية.

أنت حُضنك، أنت مُنقذكَ الوحيد، لا شىء ولا أحد لديك إلا أنت، اِخترْتَ، لا ترغب فى بيت، أو مُستقَرّ، أنت تحب الخطر، لن تجلس فى ظل شجرة، لن تمشى بجوار نهر، لا تستهويك الممرَّات والأماكن الآمنة، إنها مُمِلَّة، ضعيفة، روحها راكدة، تُضيِّع وقتك، وتُعطِّل روحك، الخطر يُبقيك حيًا، مشتعلاً، يُرضى جموحك، وطموحك، ستحب أن تُصاب بجروح، أن ترى دمك، عندها تعرف أنك فى طريقك، الخطر لائق بك، إنه توابل دمك، ونزيف الجسد يُجدِّد الروح.

الذئب لا يأكل الجيفة، لا يأكل مما اصطاده أو لمَسَه غيره، أنت تأكل مما تصطاده بنفسك، لا تقبل الأشياء المجانية، ليس أتفه من شىء مجانى، الذئب لا يريد غير ما يستحق، وما يستحقه الذئب لا يعرفه غير الذئب.

أنت تبدأ بأجمل شىء فى صيدك، القلب، أنت تعرف قيمة القلب، لذا أجمل القلوب قلب الذئب، قلبك أيها الذئب الوحيد، حيث هناك تحتفظ بكل شىء.

أنت مستحيل على الاصطياد، وأنت لا تُقدِّم عروضًا فى سيرك ولا تتملَّق لأجل مكافأة أو إعجاب مزيف، لا أحد يملك تجويعك أو إطعامك، ولا أحد يقترب منك إلا بقدر ما تسمح، أنت حُرّ أيها الذئب الوحيد.

لا أحد سيغنِّى لك، أنت تُغنِّى لنفسك، لن يكتمل القمر إلا بوجودك، سيظل الليل خاويًا حتى يملؤه عوائك، تظل النجوم ميتة حتى تنظر إليها عيناك، يظل اللحن ضائعًا حتى تسمعه أنت، أيها الذئب، أنت لا تمشى فى الطرقات القديمة، المأهولة، المُمَهَّدَة، أنت تبحث عن درب جديد، وحيد، ويَسُرُّكَ أن تدفع لأجله من روحك ودمك.

ولا طريقاً للعودة، أنت لن تعود، لا تعود، ولا تتردَّد، عيناك هما مصابيحك، تضيئهما روحك، أنت تحمل نورك الداخلى، وقلبك الجسور هو دافعك، أنت لا تتبع خطط غيرك، أو خطوطًا رسمها غيرك، أنت تصنع خطتك، وترسم خطوطك، تعشق المجهول، ستمشى فيه، ويمشى فيك، أنت فضولى، لن تتوقف عن البحث، الاكتشاف، هذا يحييك، وكى تحيا سترى الموت والحياة بعينيك، ويريانك بأعينهما، تُحدِّق بهما ويُحدِّقان بك، إلى ما لا نهاية من المرات.

الذئب الوحيد لا ينتظر مكافأة كى يُكمل طريقه، لا مكافأة ستجعله أكثر شغفًا، ولا شىء يمكن أن يُضعِفه، أو يَردعه، أنت تُرضى قلبك المتشوِّق، وروحك الحُرِّة، الذئب لا يلتفت ورائه، دائمًا أمامه مسافة ليقطعها، لا يندم على شىء سقطَ منه، الذئب الوحيد يُسابق روحه، لن تدخل معارك صغيرة أيها الذئب، لا يناسبك هذا، وأنت لا تهين كبرياؤك، الوقت قليل، والطريق لاطريق. 

 أنت أحد سكان العالم الأصليين، تبحث عن أسراره، أنت أحد أسراره، لك أسطورتك، حكايتك، دائمًا هناك حكاية تخص الذئب، لا تشبه غيرها، قصة القصص، حكاية الحكايات، اِبحث عنها، اِصنع أسطورتك أيها الذئب الوحيد.

والذئب الوحيد، ليس لديه غير حَدْسه، وقلبه، هذا يكفيك، اِتْبَع قلبكَ أيها الذئب، ثِقْ فى حَدْسك، هذا أجمل، حتى لو خسرتَ ستخسر ما راهنتَ عليه بروحك وحلمك أنت، ومهما خسرتَ لن تخسر، ضَعْ رهانك على ما لديك، والذئب ليس لديه غير نفسه، ولا شىء أيها الذئب يستحق أن تُراهن عليه غير روحك، راهن على روحك بروحك.

أنت لا تنام أيها الذئب، لا يمكنك أن تغفل عن أشواق روحك، تمشى وأنت غير مهتم بالوصول، الذئب لا يتوقف عند نقطة، ستظل تبحث عن لاطريق جديد، وقلب الذئب لا يتعب، تبتسم عندما تقابلك العتمة، ستحب أن تدخلها، تضيئها عيناك، تكشف لها عن قلبك، فتكشف لك عن كنوزها التى خبَّأتْها فقط لأجل ذئب وحيد.

والذئب لا يبالى، سيُكمل طريقه، على طريقته، بمزاجه، وهواه الشخصى، أيها الذئب الوحيد، لك أسلوبك، إيقاعك، ورونقك الخاص. 

أنت تتبَع ذلك الصوت العميق بداخلك، ذلك الصوت العميق بداخل العالم، الذئب الوحيد يرى ما لا يراه أحد، يسمع ما لا يسمعه أحد، ويشعر ما لا يشعر به أحد.

ذئب وحيد، ستموت ماشيًا، تموت داخل حلمك، فتبقى دون موت، حيًّا، تبقى ماشيًا، حالمًا.

مقالات من نفس القسم

محمد العنيزي
كتابة
موقع الكتابة

أمطار