الفاتنات يصنعن حياة

موقع الكتابة الثقافي uncategorized 3
Share on facebook
فيسبوك
Share on twitter
تويتر
Share on whatsapp
واتس أب
Share on telegram
تيليجرام

أحمد ثروت

ثلاث جميلات وقرد واحد:

لو اطّلعت عليهن،

لمُلئت منهن رغبةً،

وانتصاراً..

لن يكتمل.

وحيدات باسمات

ناظرات للأسفل،

 نحو مغازلهن الذهبية،

 يغزلن الحيوات الجديدة، ثم يسلمنها للقرد الوحيد..

الذي ينثرها في كل مكان، يبعثرها بلا رابط ولا قاعدة،

 يمسك الحياة بين ذراعيه، يحضنها، يشمها، ثم يلقيها في البحر الهائج.

القرد فوق الشجرة..

 الفاتنات يستظللن بأوراقها العريضة،

 التي تحملها الفروع السميكة،

الملتفة حول نفسها.

تستغرق الواحدة عمراً كاملاً لتغزل ثوباً،

أعمار هي، والأعمار تتفاوت.

بينما الفاتنات صانعات الحياة لا يكبرن،

 لا يصغرن،

شعورهن بلون السماء؛ المتردد..

شعورهن بطول الزمن الخفي..

شعورهن أسماك زينة، وغزلان ناعسة..

فرائس أو صيادين ثمالى..

وأجهزة مراقبة في غاية التطور.

بينما يتغوط القرد زمناً كدائرة.

 

مياه سرمدية تتهادى كسلحفاة أحياناً، تحمل فوقها أرواحاً متناثرة:

فصل الشتاء الثالث،

 يعقبه ثلاث آخرون، ثم الفصل الأقدس.

 ليبدأ بعده الشتاء الأول،

هكذا دائماً.

البحر يهيج ويموج، دافعاً ماءه حتى الأعالي،

 الموجات تلتف وتهبط..

 في اللحظة التي تقذف فيها الحائكة الثوبَ الجديد،

 ربما تقذفُ الثلاثةُ ثلاثةَ اثواب في اللحظة ذاتها،

 تلتقمها الأمواج وترحل بعيداً..

نحو الجفاف..

نحو الصَفار المتباين،

 لتندفع أمواج بديلة تنتظر حصادها.

 

ملاحظة باهتة:

لم ينعق الغراب،

ولم يهلك الحرث،

لكن الماء انحسر..

وانتشر الصَفار..

فلم نعرف الممكن.

 

أصول مذكورة عن حكاية الغزل:

لا يكون الغزلُ رائقاً،

 إلا إن غزلت الذراعُ الذراعَ،

 وغزلت الصدورُ الصدورَ،

وغزل القلبُ قلباً..

يهبط خيط العين من عين الحائكة،

 مستيقظة أو متسعة مندهشة..

يهبط خيط العين محاطاً بدمعاته الفضية..

قد استعدت ليتم استخدامها وقت الضرورة.

 

أنشودة الشجرة:

أنا الشجرة الأولى.

ظل الحياة، وحاملة الأقدار..

لا يقترب مني صَفار، ولا تجرؤ موجة على اقتلاعي..

ها هي جذوري تمتص الأحلام من حلمات الأم المطمورة..

 تشهق رائحتها..

تلعق عناصرها،

لتسحبها رويداً رويداً لأوراقي السامية..

 تظلل الفاتناتِ صانعاتِ الحياة..

وثماري المذهلة، طعام حسناوات الدوام.

 

فراغات:

الفراغات بين الأوراق والفروع، تفيض بداخلها قاعات،

 يصطف فيها المقاتلون على الجوانب..

يتقدمون خطوات،

يتقاتلون،

يَقتلون

ويُقتلون..

ثم يعود كل مقاتل لموضعه..

بينما ثلاث نحلات عظيمات يحملن الجثث بين مخالبهن، ليلقينها في أفواه،

الجميلات الثلاث.

 

أقدام:

أقدام الفاتنات صغيرة خلابة..

 أصابعهن رقيقة دقيقة..

يفترشن الثلج الأخضر، يداعبن سطحه الأملس..

والذباب الأزرق محبوس،

 تحت طبقة شفافة من الثلج الممتد.

 

حالات التلاعب بالأثواب، ليست دائمة:

لا ترتدي الثعابين قلائد،

 أو سلاسل ذهبية..

لكنها تُعلّق دوماً حِلقان دائرية تعبر الفك السفلي..

تنساب بين القاعات والأوراق المزدهرة..

 تحيط رقاب الفاتنات الغازلات..

ها هنا تلتقي الجلود اللامعة بنظائرها..

 ليسقط سُمّها متقاطراً نحو الثوب المقصود.

يخسر الشيطان معاركه منذ الأزل..

لكنه مثابر..

لا يهاب الموت..

أو الحياة.

لا يختبئ خلف الحصون..

ولا يُشيد القلاع..

يظل شامخاً وسط نيرانه الزرقاء..

يبكي كل ليلة..

فقدان حبيبته.

 

العصافير لا تهاب الموت

كالشياطين تماماً..

تتكاثر.. تزقزق..

ولا تهبط من الأعلى..

إلا لالتقام دودة وحيدة.

 

الشتاء الواحد:

الشتاء لا تراه الشمس.

إنه فصلٌ حَذِر.

تلك شتاءات متعاقبة،  

قد رحلت عنها الشمس بعيداً بعيداً، نحو الأصفر الذهبي..

حيث تُسقط الأمواجُ حصادها.

فلا تترك الغازلاتُ الثياب أبداً،

حتى بعد احتضانها الأمواج..

بعد القذف في الصَفار.. الوحل..

كنّ يظهرن لها كل غروب..

مع انحناءة لا تراها..

سوى القلوب العارية.

 

ما قاله البحر المضطرب للشجرة الراسخة:

لي زئير،

ولموجي اندفاع..

 ولكي الصمت المريب..

 الصمت الأخضر.

 

ترطب الحائكة إصبعها بِرِيقها العسلي..

تمسح به ما تريد من المغزول.

يرتدي الثوبَ سعيدُ الحظ.

 

ليلة الحوت تبدأ قبل أول يوم من الفصل الأقدس..

تلتصق زعانفه بالموج العالي..

 يحتضن الماء في انتظار قذفه قريباً من الشجرة.

لكن الفاتنات ينظرن نحوه، بخفة وشبق..

يعود سريعاً للأعماق.

 

الفاتنات نسل الشجرة..

الشجرة نبتت في الأصفر المتهادي المختلط..

رواها الموج الهادر، حين كان،

لطيفاً،

وعذباً.

حينها لم تملك الشجرة إلا، فرعاً واحداً.. يحمل ورقة واحدة..

وثمرة خضراء.

 

الحنكة والحكمة

نصيب الفاتنة الأولى.

الذكاء والغباء نصيب الثانية.. فلا تستلق فوق الجليد الأخضرحتى تقف..

ولا تتكئ حتى تركض،

تدور حول الشجرة.

استحوذت الفاتنة الثالثة البصق الأعمى،

وأقراط الثعبان المتجددة،

وكلمات الغفران.

 

الدلال:

قد يؤدي للغضب..

لكن الحب.. حزن دائم..

كحورية وحيدة.. بلا ذيل..

كغدير توقف انسيابه..

منذ البدايات.

 

صناديق الكوارث لا تنفتح عفواً

 تستشري بضائعها فوق كل ميناء.. لكنها، لا تفرغ من حكايات الجدات.

تخرج منها رؤوس، وحيّات مبتسمة.. وهذيان قوطي.

عيون مكسورة، وأكواب برائحة البيرة.

صناديق الكوارث يفتحها المطالبون بحقوق تخص أحدهم..

يفتحها البكاؤون والحالمون وقاطعو الطرق..

صناديق الكوارث لا تنفتح عفواً.

 

لو تحقق:

الشرف في القتال..

الانتحار بالسيف..

مواجهة الشرطي الصَلِف..

والانتصار في الثورة..

كلها أشياء تثبت أن الأرض مسطحة.. لو تحققت.

غزوات ومعارك وقادة عظام..

سبي ونهب وغنائم..

ومخطوط وحيد..

احترقت أطرافه.

أصدقاء محاصرون،

أبناء قتلى،

ومهارة فريدة في البقاء جائعاً.

 

حرب:

هي اسماء مخلدة..

لمدن مهدمة.. وقادة مهزومين..

وكلب مخلص.

لكن، لا بد من استثنائه،

فلم يدن بأديان الأرض..

أو السماء..

لم يؤمن بمقدس..

ولم يصدق غير عينيه،

وقلبه الدافئ.

 

للتنين لهيب واسع المدى:

أكان التنين حصيفاً في محاولة إحراق البحر؟

أم كانت إحدى نكاته الليلية،

التي يحكيها لصغاره قبل الزوال؟

لِمَ جلس التنين دون حركة حين رآني؟

ألأني لم أكذب؟

حين أخبرتكم بالحكاية الأصلية..

وحين بكيت،

وحين غادر القطار دون وداع يليق به؟

لم أكذب..

حين همست بالمجازر،

حين نُحتُ على الفارين من المذبحة..

كنت فقط.. أداعب مخيلاتكم..

التي اضطرتني.. للكذب.

 

 

 

مقالات من نفس القسم

محمد العنيزي
كتابة
موقع الكتابة

أمطار