العصافير تحلق ليلا

موقع الكتابة الثقافي
Share on facebook
فيسبوك
Share on twitter
تويتر
Share on whatsapp
واتس أب
Share on telegram
تيليجرام

قصة .. أحمد عامر

مع اول التفاتة ركلني القطار الحربي ، قلت كل شئ جائز وصاحبت كلمات أمي " النهار له عنين " جذبتني الامنيات قلت زجاجة فيروز مثلجة ومعارك مفتعلة لتوطيد علاقتي بالوقت ، أحاول الاستعانة بالصبر والخروج الي الحارات الضيقة ليلا ، العصافير تحلق بالقرب من الارض مخدوعة بضوء المصابيح الخافتة ، أرداف البنات تجعل عيون الرجال ،متحدة ، ترسل بصرها الي صدرها ، تتحسسه، تنظر حولها تنظر طويلا نحو الطريق ، بعثت رأسي ناحية الوسادة ، أخرجت يدي من رأس جاري وتركته متلفحاَ بفخذ البنت القصيرة ، تواريت عن شعرها الاسود ،أحاول الهروب من حصار الهواء ، أسلم نفسي إلي الدوامات المتشابكة ، قالت :ــ " للحكام طرق غيرنا ".. فأجلت عدائي للقطار الحربي ،

انتشيت بوجودها جواري ، قالت ــ ” دعهم وشأنهم “.. رسمت دائرة محاطة بسور حديدي ذي رؤوس مدببة ، وضعتني في الوسط قالت :ــ ” وطن جميل ؟!!” . لوح لي الخلود فخرجت من ظهر ابي إلي المنفي لفظني رحم امي عاريا ، صارخا . لا اتذكر التفاصيل .. هذه اشياء قديمة حدثت عندما كانت الذاكرة معطلة ، ما اتذكره انها اشارت الي الشفة السفلي فانزويت خلف باب القطار الصدئ مراقبا الولد مرتدياَ الملابس الزيتية وهو يتبول من فتحة الباب علي الحقول الخضراء والبيوت المهدمة، أصبح جسد البنت أسيرا في رأسي ، تغضط كتبا مدرسية إلي صدرها ، البنطال اخبرني بالتفاصيل الناعمة ، زرعت رأسي في وضع غير مريح وكنت لا افعلها واتلصص علي شرطي المرور حين ينحي ويرسم نصف ابتسامة لصاحبة السيارة الجديدة وهو يلتقط العملة المثقوبة التي طوحتها في الهواء ، استدعي التفاصيل الناعمة وأبحث عنها في الزحام لنذهب إلي مكان يعرفه الله وحده ولا تطولني تبجح نظرات حامل اللحية … ستكون مستعدة تماما وتنزع التفاصيل الاولي بلا عناء ولكي تنجح الخطة سأترك رغبتها تقودها وأمسح اللون الاحمر الذي احتل وجهها بكلمة حب ابتكرها بسرعة مذهلة … واصنع بسمة جائعة .. وأحاول قراءة التفاصيل بغضب ظاهر، يد جاري فوق جسدي والعيون مستعدة والبطن حتما ستتكور وتقول هي بصوت منخفض ” نحلق ” كانت هناك رغبة قديمة منسية في الركن الرابع من رأسي .. راودتني في ان اصفع الشرطي فيصفع هو السادة ، لا ادري لماذا جذبتني العصافير وهي تحلق فوق برك المجاري والقمر احتفظ بصورته فوق بحيراتها الصغيرة المتناثرة ، القطار الحربي يطلق صوتا عاليا ، يصرخ في البيوت المهدمة الساكنة في أحضان الحقول ، أشارت الي الذهاب إلي الذهاب إلي الطبيب ،” هززت رأسي نافيا قالت :ــ ” نقتله ” رميت التفاصيل من رأسي وحملت الطفل الباكي قلت :ـــ أضعه في وجه السادة وأتركه يبول فوق أرجل علماء الاقتصاد . فليأخذ كل منا ما يريده بلا عناء ولنكسر الدائرة اشار الشيخ إلي الرؤوس المدببة ، قلت :ـ العصافير مخدوعة ، فاستعدت الأرحام وألقت الاجساد بالتفاصيل صوب العيون وبدأت تلاحقها، ( سيدي انا العبد الذي رمته السماء حرا ، فوضعت حول رقبته دائرة ، ووضعت العقل بين فخذيه ) . جذبتها الي صدري ، تشاغلت عن صدر البنت العاري وفم الولد الذي يعمل بحركة ميكانيكية ، قلت ” للناس عذرهم ” ..فخاصمتني امي ، سئمت البحث في حافظتي ، وكانت تفتش عن سبب لتلك الخطوط المتداخلة التي احتلت جبهتي ، وكنت واقفا فجلست وكنت جالسا فنمت وحاولت ان اقيد حركتي وأكسر رقبة الوقت وأكف عن الدوران داخل الدائرة … فأخبرتني عندما وضعت نصف فخذها فوق فخذي قليل من الوقت والصبر “وتكون عظاماَ مفككة داخل قبر مهدم ” أخبرتها أن أحلامي تجاوزت النعومة وزجاجة فيروز مثلجة وعلبة سجائر رخيصة كفيلة بانتشالي من أمام التليفزيون وإبعادي عن العصافير الغبية التي لم تحاول أن تحطم المصابيح لتكتشف حلول الليل ويكف عمال النظافة عن انتشال اجساد الاطفال الرضع من الشوارع ووضع هذه الاجساد الصغيرة في صناديق كبيرة متراصة في لفافات بيضاء وزرقاء وحمراء وسوداء … حتي لا تعوق هذه الاجساد الصغيرة حركة السيارات الفارهة ، وتخرج البنات افواجا … افواجا في اتجاه طريق آخر ، لن يعاتبهم الرب ،هذه المرة ولن يتريثن أو يصبرن . القطار الحربي يهتز الجنود يترنحون . ( وينادي الملك بالثبات والخروج والكفاح ) . ويكف عمال النظافة عن التقاط الرضع بقلوب رحيمة ، ويبحث السادة عن شئ يسترهم ، ولتصبحوا جميعا زوان وعاهرات . قالت أمي :ـ قل للرب إني صائمة ، فانطلقت أبحث في الفضاء عن تلك الطيور .. وكانت تقترب من الارض رويدا رويدا .بينما كانت المصابيح الخافتة ترسل ضوء أصفر أو أحمر ، قفزت قفزة عالية فأدركت أن قانون الجاذبية لم يهادن وان الرب منح السادة الارض، البنات تركن التفاصيل الكاملة أمام العيون ، اشعر أن روحي ثقيلة فوق جسد المنفي ، وأردت أن أكون هادئا مبتسما للشمس وتظل فوق رأسي لأتبخر وأعانق الهواء البعيد وليسامحني الرب علي جريمتي حين أبتسم عندما يصنع السادة نُصباَ تذكرياَ ويفتحون زجاجات الخمر مرحبين بالقادمين من خارج الدائرة ليشتروا المنفي ويلوثوا العتبة بأخر قطرات دم احتفظت بها أجساد العصافير ، وليأتي الاطفال الرضع الذين صاروا رجالا ليبصقوا علي رخامة عالية مكتوب عليها بخط متعرج ولون أسود باهت ” الجندي المجهول”

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

روائي مصري

                                    

مقالات من نفس القسم

موقع الكتابة الثقافي uncategorized 12
تراب الحكايات
عبد الرحمن أقريش

المجنون