السلمة الناقصة

موقع الكتابة الثقافي
Share on facebook
فيسبوك
Share on twitter
تويتر
Share on whatsapp
واتس أب
Share on telegram
تيليجرام

قصة : شريف عبد المجيد * 

لما وصل لمدخل عمارته القديمه  توقف أمام السلالم متعجبا  ترك زوجته  وابنه عند مدخل الشقه

ـ ادخلوا انتو وانا هاجي وراكم

ـ  طيب مش كنت تسلم عليهم حتي  وتستريح من السلم

 انا مش  تعبان

ـ دول اربع ادوار ولا السجاير بتتعبك لما بتطلع بيتنا  بس

ـ اعوذ بالله

ـ  ايه!  شفت الشيطان؟  ولا طلعتلك حيه؟

ـ يا ستي ارحميني

ـ  انت هتتخانقوا تاني ، قالها الطفل غاضبا

ـ عاجبك كده

 ـ ولو مش عاجبني كل واحد بياخد نصيبه

ـ ربنا يصبرك

ـ العوض عندك يا رب

ـ  قوليلهم بس  اني نسيت اشتري حاجه هجيبها واجي علي طول

ـ براحتك  ،  قالتها وكأنها  تقول له  ” ربنا ياخدك “

 ـ خللي بالك علي الحاجه  ضغط علي الحروف وكأنه يهددها

ـ انا من ناحيتي مش هاعمل حاجه ،  فهمت  ما يقصده  ورمت الكره في ملعبه

ـ اسمع كلام تيته يا حبيبي

وجه  نظره لابنه  ثم نظر لها بطرف عينيه

تجاهلته وكأنها لاتعرف ما يريد

ـ  حاضر يا بابا ، قالها الطفل بلا مبالاه وكأنه سيفعل

 ترك يد الطفل

 

نزل السلالم مره اخري بينما كان صوت جرس الباب يرن في اذنه  بصوت عال توقف أمام شقه زكريا  صديق الطفوله الذي  يسكن في  الدور الارضي  تزوج في الشقه  بعد موت والديه ضغط بيده علي الجرس وجده لايعمل طرق علي الباب طرقات خفيفه .

حدث نفسه :  يارب زكريا اللي يفتح الباب

 فتحت له بنت صغيره

ـ بابا موجود يا حبيبتي

ـ لأ

ـ امال فين

ـ  في البيت 

ـ طب ما هو ده البيت

ـ لا ،ده بيت عمي

ـ طب عمك موجود

ـ انت عايز بابا ولا عمي

ـ انا عايز الاستاذ زكريا

ردت البنت بعصبيه :  طيب

اضطر أن يبتسم لها حتي تسسجيب له

جرت البنت من أمامه ، انتظر لدقائق كان الباب مواربا رأي صوره كبيره بالابيض والاسود لوالد زكريا عم  نصحي صاحب ورشه الجلد التي طالما لعب فيها مع زكريا

 

ـ ياه ازيك يا راجل

ـ ازيك يا ابو الزيك

ـ اتفضل

ـ انا بس عايز اسألك سؤال

ـ اسئل يا عم

ـ هي سلالم البيت كام سلمه

انفجر زكريا في الضحك وبانت علي ملامحه كل علامات الدهشه والتعجب

ـ انت شارب حاجه ، قالها زكريا وهو يحاول ان يتمالك نفسه

ـ والله العظيم بتكلم بجد  هي سلالم  العماره  كام سلمه؟

ـ طب اتفضل ولا هنتكلم علي الباب كده  ما يصحش برضه

ـ رد عليا يا زكريا  ما توجش قلبي

 

فكر زكريا  وحدث نفسه ” محمود با ين عليه اتجنن “

ـ أيه يا جدع  انت مش عايز ترد ليه؟

ـ بصراحه ما عدتهمش

ـ ازاي بس ، فاكر لما كنا بنلعب(مساكه) وكنا بنطلع نستخبي في السطح و بنعد سلالم العماره ، فاكر وكانوا سته واربعين سلمه ، دلوقتي عدتهم لقيتهم خمسه واربعين سلمه

رن جرس التيلفون المحمول من داخل الشقه

ـ عن اذنك يا حوده هرد علي الموبايل ، رد زكريا باب شقته ولان  تيار الهواء كان متدفقا مع حركه الباب فقد اغلق تماما دون ان يقصد زكريا ذلك

ـ كده برضه يا زكريا بتقفل الباب في وشي ، قالها محمود لنفسه بصوت هامس غير مسموع

 

امسك زكريا بالموبايل نسي ان محمود لازال واقفا امام باب الشقه المقفول ودون ان يعرف من الذي يكلمه قال له تصدق في واحد جاي بعد اكتر من عشرين سنه يسألني هي سلالم البيت كام سلمه ، ضحك الشخص الاخر الذي يكلم زكريا وعلق قائلا الناس باين عليها اتهبلت

فقال له زكريا لاحول  ولاقوه الابالله    هو مين معايا صحيح؟!

 

توجه محمود غاضبا  إلي مدخل العماره وتذكر ان المسافه الفاصله بين مدخل العماره  واول الشارع كانت حوالي ثلثمائه خطوه بس دلوقتي بقوا متين خطوه عشان أتأكد هعدهم تاني

ـ بس دي ليها تفسير اكيد خطوتي دلوقتي اكبر من خطوتي زمان انما السلمه الناقصه يا جدعان راحت فين؟      سمع سمير عبد الكريم- صاحب محل الخردوات الذي أفتتحه بعد موت والده لانه كان لايحب مهنه الحلاقه وكان دائما ما يقول يعني اخد شهاده عاليه وفي الاخر ابقي مزين انما دلوقتي انا صاحب سوبر ماركت محترم صحيح انا بكالوريوس علوم انما برضه الزبادي والصابون السايل ليهم علاقه بدارستي- ما قاله له محمود عن السلمه الناقصه وقال له

ـ شوف بقي يا حوده  انا رحت العراق بس انت عارف اللي حصلها ورجعت علي فيض الكريم ورحت إيطاليا ورجعت مترحل مرتين واتجوزت اتنين ستات وطلقتهم

وفي الاخر اديني شغال في المحل واللي جاي علي  قد اللي رايح

ـ  وايه علاقه ده كله بالسلمه الناقصه؟

ـ قصدي اقولك ان اللي يشوف بلاوي الناس تهون عليه بلوته يا صاحبي ماجتش يعني علي السلمه دي انا شوفت ناس كتير اتجننت بسبب حاجات  ابسط من كده  صدقني

ـ بقولك أيه انا مش هعرف اتفاهم معاك انت مش هتعقل الا لما تشتغل في المفاعل الذري

ـ ياه انت لسه فاكر يا حوده دلوقتي لو اشتغلت في معمل تحليل هيبقي منتهي املي

ـ انا هروح اقعد علي  القهوه واحاول افتكر ايه اللي حصل لسلالم العماره هي القهوه لسه موجوده

ـ ايوه تصدق هي دي بس اللي فضلت زي ما هي في الشارع كل حاجه اتغيرت يا حوده

ـ طب الحمد لله

ـ  الحمد لله ان كل حاجه اتغيرت

ـ لأ  ا القهوه لسه موجوده

ـ ايوه بس مشاء الله خدوا محل الدقيق بتاع الجمله واشتروا الجمعية الاستهلاكيه وكل ده بقي  تبع القهوه

ـ عندهم حق ما الجمعيات دلوقتي كلها قفلت

ـ ايوه دلوقتي بقي كله سوبر ماركت زي بتاعي كده ـ 00 انا بحلم اعمل واحد تاني علي اول الشارع وواحد كبيرعند ميدان السيده زيبنب

ـ ربنا يوفقك يا سمير

ـ ويهديك يا حوده ، قالها سمير وهو لازال واقفا امام  البنك غارقا بين علب السمن الصناعي ومساحيق الغسيل التي يرتبها بعنايه علي جانبي المحل

نظر محمود  لصديقه بعدما مشي بعض الخطوات ثم نظر إلي الامام توقف عند مدخل المقهي وسحب كرسيا ليتابع حركة الماره والباعه في محلات شارع الخليفه وفرشه الفاكهة التي  لايقترب منها احد في الصباح يحب محمود الوان الفاكهه المرصوصة علي جانبي المحل لطالما احب اشكالها المتعدده الجميله وقال محمود لنفسه الناس في الحتة زي ما همه كأن عقارب الساعه ما بتتحركش بيما هم يتعجبون من ذلك الرجل الابله الذي يسير وهو يعد خطواته وهو يمشي حتي ان المعلم صابر الجزارأدار وجهه حينما أقترب منه محمود وهم بان يلقي عليه السلام وقال صابر الجزار لنفسه يارب احسن ختامنا هي الحته ناقصه مجانين.

 

وضع صلاح القهوجي الشاي أمام محمود ثم وضع السكر وكوب الماء

 

ـ حاجه تانيه يا بيه

ـ شكرا

سرح محمود بخياله وقال لنفسه انا فاكر كل حاجه والله00 ايوه فاكر ده البيت اللي اتربيت فيه مش ممكن أنساه  هوه كله  تلت ادوار ومراتي فاكرهم اربعة طول عمري اقولها ما تحسبيش البدروم المهم  عند مدخل البيت اربع سلالم  وواحد وعشرين سلمه بين كل دور يعني اتنين واربعين واربعه يبقي سته واربعين سلمه

 

بالاماره كان في الدور الاول عم نصحي ابو زكريا  عنده شقتين والشقة التالته مقفولة كانت بتاعه اصحاب البيت وفي الدور التاني أم ليلي  وقصادها  شقة  الحاج عبد العزيز الكهربائي وبعدين الطرقه الطويله وشقة ابله  كريمة مدرسه العربي

 وفي الدور التالت كانت شقتنا وشقه الاستاذ عبد السلام  مساعد المهندس وكنا بقوله يا باشمهندس  وبعد كده شقة رشدي الترزي اللي ماحدش كان بيجي يفصل عنده لانه بيسرق في القماش أيوه انا فاكر كل حاجه وقصاد الشقه كان فيه السطح اللي بنلعب عليه مساكه وكهربا  حتي مره مسكتني فيه أم ليلي وانا ببوس البت ليلي  السلمة الناقصة راحت فين 000 حد يقولي؟ وكلم نفسة  قبل ما اسافر مراتي اتخانقت مع الحاجة وابويا حلف اني مدخلوش بيت لو فضلت علي ذمتي يا رتني كنت سمعت كلامة- الله يرحمك يا بة-  كانت دماغ محمود بتجيب وبتودي ولايمكن ان يعرف احد ما في داخلها سوي الله سبحانه وتعالي ونعرف جميعا الواحد لما يكون في الحالة دي يا مثبت العقل في الدماغ يارب – الله يكون في عونة-. وبينما محمود شارد مع خيالاتة سمع صوت ارتطام الكرسي  ببلاط القهوة القديم فكان الدوي الحادث وكأن شخصا قد ايقظك فجأه في وسط حلم طويل قبل انتهائه.

 

ـ هوه انت ،  قالها  محمود من وراء قلبة

ـ يا عم حوده اهدي شويه كان زكريا يشعر بحرج موقف صديقة

ـ حمد لله علي السلامه ـ وكان محمود  يقصد توبيخ زكريا

ـ  طب والله انا ما خدتش بالي ان الباب اتقفل وانت بتكلمني

ـ  ياسيدي، هي جت عليك انت

ـ صدقني انا طلعت  ادور عليك في كل حتة وبعدين روحت سألت عنك فوق عند الحاجه وقلت انت اكيد هنا في القهوه

ـ انت قلت كده ولا سمير اللي قالك

ـ المهم يا صاحبي  مش دي المشكله انا عرفتلك سلالم البيت كانوا كام سلمه

ـ بجد

ـ والله

ـ  كانوا ياسيدي  سبعه واربعين سلمه

ـ ياسلام

ـ  والله

 ـ ازاي بقي كانوا سته واربعين  أنا متأكد

ـ بقولك كانوا سبعه واربعين  ولما علينا المدخل بتاع البيت عشان في الشتا المطر بيدخل في الطرقه  كانوا السلمتين دول بقم ضمن المدخل فهمت

ـ لاء اكيد كانت سلمه واحده بس

ـ ياعم سلمتين ،متهيئلي كده

ـ متهيئلك .. مش كنت بتحلف من شويه

ـ انا مش فاهمك بصراحه ومش عارف عايز توصل لايه من كده

ـ  انا هاخد العيال وامشي ،  اشرب الشاي بتاعي

ـ انت زعلت ليه بس لو اعرف هتفرق معاك في ايه؟

كان القهوجي قد جاء بشاي ثاني لزكريا لانة كان قد طلبه قبل جلوسة مع محمود

ـ شاي تاني

ـ مش انت اللي طلبتة

ـ طب سيبه

تابع زكريا محمود وهو يقوم مسرعا من كرسيه ثم وهو يحاسب القهوجي ويتجه بعدها مباشره ناحيه البيت واكتشف الانحناء الصغير الذي في ظهره وخطوته التي بدت لرجل عجوز تجاوز الخامسه والخمسين وان مشيتة صارت تشبه مشية والده عم صابر صديق والده نصحي وان محمود لم يكن يتصور احد ان ينتهي إلي تلك النهاية الغريبه لانه كان أشطر طلاب مدرسة السيده سكينه الابتدائية ومدرسه الحلمية الاعدادية بنين وبعدها ذهب محمود للثانوي عام واكتفي زكريا بمدرسه صناعيه وبعدها فرقت بينهما الحياه في مسارات شتي  فقال سبحان اللة بينما كان محمود يداري دمعه صغيره نزلت من عينيه وهو يتجه الي العماره التي ولد بها ويكلم نفسه بصوت مسموع انا اللي كنت فاكر نفسي عارف كل حاجه في الدنيا مش قادر افتكر ابدا سلالم بيتنا كانوا كام سلمه. انا هروح بكره هسأل في الحي وعند بتوع المساحه ومش هسيب حاجه بعد كده للظروف.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

* قاص مصري

خاص الكتابة

مقالات من نفس القسم

موقع الكتابة الثقافي uncategorized 12
تراب الحكايات
عبد الرحمن أقريش

المجنون