«السفاح» تجربة «فاترة» عن واقع لا يخص أحداً

موقع الكتابة الثقافي
Share on facebook
فيسبوك
Share on twitter
تويتر
Share on whatsapp
واتس أب
Share on telegram
تيليجرام
     رامى عبد الرازق *  آفة هذا الفيلم هى الفتور، وهو ليس درامياً أو بصرياً فقط ولكنه حالة عامة تنسحب على روح الفيلم بأكمله، ومشكلته أنه يضع التجربة فى منطقة رمادية من مشاعر المتلقين فلا هم يرفضونه كاملاً ولا يقبلونه اقتناعاً. صحيح أن الأحداث مستوحاة من قصة حقيقية.. ولكن تظل قوة دراما الحياة نابعة من المعالجة التى تقدم تلك الأحداث، فتستخلص منها العبر أو تستخدمها لتحليل الظواهر(كالعنف الاجتماعى مثلاً) أو كمثال حى لعملية تشريح الذات البشرية أو الشخصية الاجتماعية لواقع ما فى بلد ما..   رامى عبد الرازق *  آفة هذا الفيلم هى الفتور، وهو ليس درامياً أو بصرياً فقط ولكنه حالة عامة تنسحب على روح الفيلم بأكمله، ومشكلته أنه يضع التجربة فى منطقة رمادية من مشاعر المتلقين فلا هم يرفضونه كاملاً ولا يقبلونه اقتناعاً. صحيح أن الأحداث مستوحاة من قصة حقيقية.. ولكن تظل قوة دراما الحياة نابعة من المعالجة التى تقدم تلك الأحداث، فتستخلص منها العبر أو تستخدمها لتحليل الظواهر(كالعنف الاجتماعى مثلاً) أو كمثال حى لعملية تشريح الذات البشرية أو الشخصية الاجتماعية لواقع ما فى بلد ما..

ولكننا للأسف نفتقد الكثير من تلك العناصر فى سيناريو «السفاح»، الذى يأتى فى قالب من الدراما النفسية ذات التصور المغامراتى الحركى ليضعنا أمام دائرة مغلقة على ذاتها من المعاناة المريضة لشاب غير سوى دون أن يكون هناك اتصال حقيقى بين قصة هذا الشاب المريض نفسياً وبين واقعنا المعاش أو ماضينا القريب، الذى تدور فيه أغلب أحداث الفيلم.

شخصية «مراد» تعانى من التيمة الدرامية المعروفة بـ«جعلونى مجرماً»، حيث الطفل الذى نشأ فى بيئة مفككة بين أم شهوانية متزوجة من شاب يصغرها بالسن وأب قاس يعامله بشكل عنيف، ولم يزد السيناريو عليها أى جديد، بل إن توظيفها جاء فى إكليشيهات مكررة مثل رؤية الأم فى أحضان الزوج الجديد أو ضرب الأب للطفل «مراد» بالحزام.

مجىء تلك المشاهد عبر الفلاش باك أثناء أو بعد ارتكاب «مراد» لجرائمه ليس موظفاً جيداً.. فلا الشكل الفنى الخاص بالفلاش باك ولا المشاهد ذاتها مبتكرة أو مختلفة.. ويغلب هذا التكرار على الحوار الميلودرامى، الذى يأتى على لسان «مراد» عندما يتم التحقيق معه فى نيابة الأحداث قبل دخوله الإصلاحية التى تزيد من تشوهاته النفسية.

رغم أن السيناريو حاول أن يضعنا أمام حالة التشوه تلك من خلال الغوص فى خطابات «مراد» إلى عمته (المهرب الوحيد من عذابه النفسى) بطريقة مغايرة للواقع حين يصف لها حياته بشكل سوى.. بينما هى مجموعة من الجرائم الدموية نكتشف أن هناك انفصالاً حقيقياً بين الواقع الذى يتحدث عنه وبين واقع المتفرجين.. فالشخصية دموية نتيجة مرضها النفسى وبالتالى هى تحارب وتقتل من أجل الحرب والقتل، وذلك بمرحلة تواجدها فى العراق ولبنان.. وليس معنى وجود لقطات تسجيلية للحرب أن هناك اتصالاً واقعياً.. فلو تم تجريد الحرب لن يشعر المتفرج بأى فرق.

فكرة اللامنتمى هى التى تسيطر على نزعات الشخصية فى النصف الثانى من الفيلم، حيث يؤكد السيناريو أن من لا ينتمى إلى أسرته (الخلية الأولية للمجتمع) لن ينتمى إلى مجتمعه أو بلده.. رغم أن الحالة التى قدمها الفيلم فردية ولا تمس الكثير من النماذج اللامنتمية فى المجتمع والتى يمكن أن تنشأ فى أسر سوية ومع ذلك تجنح للجريمة..

ويغفل السيناريو نقطة مهمة جداً وهى شخصية الطفل ابن المرأة المتزوجة التى يرافقها «مراد» ( نيكول سابا) والذى يراهما فى أوضاع مشينة.. يسقط هذا الطفل من المتابعة بمجرد زواج أمه من «مراد» بعد طلاقها من زوجها.. فى حين أن استمراره كان من الممكن أن يلقى بفكرة تحوله إلى «مراد جديد».. وهنا كان يمكن أن يكون لفساد الشخصية وتشوهها موضعاً من الإعراب الاجتماعى والفكرى بدلاً من إغلاق الدائرة بإعدام «مراد» كجزاء عادل على كل ما اقترفه!

على مستوى الصورة فإن هنداوى لا يزال فى طور التشكل ولم يصل بعد مرحلة النضج التى يمكن أن تصنع له أسلوباً خاصاً.. فقد استخدم بعض الكنايات البصرية المتسقة شكلاً مع المضمون مثل تأكيده على فكرة القضبان الحديدية المحتجز خلفها «مراد» دائماً فى مشاهد كوبرى أبو العلا أو السجن كرمز لمرضه.. فى حين جاء تكوين وتنفيذ مشاهد الأكشن وإطلاق النار ركيكاً ومفتعلاً وبشكل أضحك الجمهور فى صالة العرض.

استعانة هنداوى بمدير تصوير متواضع الإمكانيات أفقده عنصر السرد اللونى المميز لدراما من المفترض أنها نفسية.. فالألوان محايدة جداً وإضاءته فى كثير من المشاهد غير منطقية مثل مشاهد شقة «مراد» بعد الزواج أو السيارة التى يصر مديرو التصوير على أن هناك إضاءة تأتى من تحت أقدام راكبيها. ورغم اجتهاد رباب عبد اللطيف كمونتيرة فى صناعة إيقاع حركى لاهث إلا أن ركاكة أداء مشاهد الأكشن وتقليدية الحلول البصرية لتجاوز ضعف الإمكانيات مثل اللقطات المبتورة واهتزاز الكاميرا أضعفت من مجهودها.. بالإضافة إلى «طفولية» استخدام السلوموشن فى لقطات كثيرة غير مبررة درامياً جعلته أشبه بعيب تقنى أكثر منه مؤثراً بصرياً.

 

ريفيو

سيناريو: خالد الصاوى- عطية درديرى

عن قصة حقيقية : من إعداد خالد عكاشة

إخراج: سعد هنداوى

تمثيل: هانى سلامة- نيكول سابا- خالد الصاوى

مدة الفيلم: ١١٠ دقائق

إنتاج: ميلودى بيكتشرز

 

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ

* ناقد سينمائي مصري

مقالات من نفس القسم