الديك الأسود

موقع الكتابة الثقافي uncategorized
Share on facebook
فيسبوك
Share on twitter
تويتر
Share on whatsapp
واتس أب
Share on telegram
تيليجرام

محمد المسعودي

اتفق الأصدقاء، في سياق عبثهم وضحكهم، أن يقنعوا السيد محمد بإحضار ديك أسود ليكون وليمة يجتمعون عليها في نهاية الأسبوع القادم. واتفقوا على أن يسردوا على مسامع سي محمد رؤيا “الشريف”، وهي رؤيا صادقة، مما لا شك فيه. وكما حكى “الشريف” تفاصيلها كانت الرؤيا تؤكد تحلقهم حول مائدة عامرة فارهة توسطها طبسيل ضم ديكا طُهي بمهارة وإتقان، وهو ديك قبل أن يُذبح ويتم تحضيره كان أسود اللون، وأن الصوت الذي هتف به كان يوصيه بضرورة حصول السيد محمد على هذا الديك مهما كان ثمنه، وأن يجلبه من أي بقعة في الأرض وُجد. وزاد الصوت توضيحا أن يقوم السي محمد نفسه بشراء الديك وجلبه حيا إلى المكان الذي اعتاد الأصدقاء اللقاء فيه أسبوعيا على أن يقوم “الشريف” بذبحه، بينما سيسهر السيد عبد الجليل على طهيه وإعداده بما عُرف عنه من حرفية وإتقان في طهي شتى صنوف الطعام المغربي الشهي.

ظل السيد محمد يتلكأ على عادته، ويتعلل بمختلف الأعذار ليفلت من تبعات الزردة التي وقع عليه شرط تمويلها وكلفة البحث عنها: البحث عن ديك أسود لا شية فيه. صار يتساءل: أين سيجد هذا الديك الأسود؟ وهل من السهل العثور على ديك أسود خالص لا توجد فيه ريشة من أي لون آخر؟

تطوع أكثر من واحد من المجموعة مقترحا مساعدته في البحث عن هذا الديك الأسود في أسواق طنجة، وأسواق القرى المحيطة بالمدينة: أربعاء عين دالية، أربعاء عياشة، ثلاثاء جبل حبيب، خميس بني عروس.. وغيرها، لكن السي محمد ظل مصرا على موقفه الرافض، وتشبثه بما قرره في دخيلته: أن لا يرضخ لطلب أصدقائه، وأن لا يُسهم في هذه الوليمة المحلوم بها.. المتخيلة.. في رؤيا “الشريف” المزعومة.

مضت الأيام، ونُسي في خضم اللقاءات والأحداث موضوع الرؤيا، وإغراء الديك الأسود. وحدث أن السيد محمد اشترى هاتفا جديدا من الهواتف الذكية، عرضه على الأصدقاء في جلستهم الأسبوعية، ولأنه أول هاتف ذكي يتعامل معه، احتاج لمن يدله على كيفية استعماله، وكيفية تنزيل بعض البرامج الضرورية التي يستعملها أصحاب الهواتف الذكية للتواصل: ميسنجر، وات ساب، فايس بوك، إنستاجرام.. وغيرها. وإذا بعبد الرحيم، وفي إطار محاولته مساعدة السيد محمد على البحث، في جوجل وبلاي ستور، يقترح عليه فجأة، وبمكر، أن يكتب باللغة العربية: الديك الأسود. نفذ سي محمد طلب عبد الرحيم، فظهرت، فعلا، معلومات وافرة عن الديك الأسود الخالص، وأماكن توافره بأندونيسيا والبرازيل والمكسيك ودول إفريقية عديدة، وأنواعه، وأثمانه المرتفعة التي يباع بها عبر العالم، ومعلومات أخرى عن بيضه، وعن فوائد لحومه. وكان الأصدقاء يمزحون معه قائلين:

-أرأيت حتى هاتفك الجديد اعترف بوجود الديك الأسود، ودلك على قيمته، وأنت تنكره، وترفض أن تحقق رؤيا “الشريف”.. ياك البخيل.. سترى رؤيا “الشريف” غدي تخرج فيك..

ومرر عبد الرحيم البحث من المعلومات إلى الصور، فبدت صور مختلفة للديك الأسود الأندونيسي والبرازيلي والمكسيكي والإفريقي، وشكل بيضه الأسود الغريب، وشكل لحمه الأسود الخالص. ثم انتقل إلى حيز الفيديوهات، وهو يغمز “الشريف” بعينه، وترتسم على ملامحه ظلال ابتسامة ماكرة، ومد الهاتف إلى السيد محمد ليجد نفسه أمام صور لمواقع خليعة تسمى بهذا الاسم، وهنا شحب لون سي محمد وصار يسأل محرجا عن كيفية حذف هذه الصور من هاتفه:

-كيف غنزول هذ المصيبة.. كيف.. العيال غدي يشوفو هذ المسخ.. أعباد الله..

كان الأصدقاء يضحكون.. و”الشريف” يقول له:

-شُفتي أقليل النية.. ها ربي جابا فيك.. تم.. تم.. والو هاذ شي ما يزولشي حتى تشري الديك المعلوم وتجيب باباه نطوجنوه…

ازداد لون سي محمد شحوبا، وهو يتململ في كرسيه متوسلا عبد الرحيم كي ينقذه من الورطة، غير أن عبد الرحيم اعتذر له. وأصر على أنه لا يعرف كيف يمحو مثل هذه الفيديوهات من الهاتف لأنه لم يسبق له أن رآها، ولم تدخل هاتفه أبدا، وادعى أن الأمر يحتاج إلى معلم مختص، وأن على سي محمد أن يذهب إلى (كاسابراطا) ليبحث عن الحل، وليصلح  هاتفه، وليزيل هذه المصيبة منه.

لم ينبس السيد محمد ببنت شفة، وظل مطرقا هنيهة. ولما رفع رأسه، خاطب عبد الرحيم:

-أنت عزري..  ميلومك حتى واحد على مشاهدتك مثل هذه الأمور.. قل لي بشحال يتصلح هذ الهم..

رد عليه عبد الرحيم:

-أعوذ بالله.. أعوذ بالله.. أنا ما كانشفشي هذ الشي.. وما نقدرشي نطلب من المعلم يزول هذ المصايب.. مشي بيدك أخاي..

-الله يرحم والديك.. بشحال نقدر نزول هذ الحريرة..

مد الهاتف إلى عبد الرحيم الذي أطفأه، ووضعه في جيب سرواله.

-أر ميتين درهم.. هذ المصيبة باش تزول خصها 200 درهم..

-بزاف.. بزاف.. أسي عبد الرحيم..

-أنا مبغتشي نقولك كثار من هذ الثمن.. هذ الحريرة هذي كيعدلها المعلم ب 300 أو 400 درهم.. يا الله جبد يمهم..

أُسقط في يد السي محمد، ولم يجد بدا من إخراج مائتي درهم ناولها لعبد الرحيم. وضعها عبد الرحيم في يد “الشريف”، وهو يقول له:

-هاك باشتشري الفروج اكحل.. وأنا غدي نتكفل بالباقي.. 200 درهم.. متكفشي نالزردة..

لم يفهم سي محمد ما يجري. كان الأصدقاء ينظرون إليه، وهم يضحكون في صخب، وبعضهم اقترب منه يربت على ظهره. وقال له المختار وهو يلف دراعه على كتفه:

-هذي عاقبة قلة النية.. نهار الخميس مرحبا بك تكول طجين الديك الأسود.. وتدي التلفون ديالك..

وعلت قهقهة الأصدقاء، وشاركهم السي محمد ضحكهم على مضض، وهو يقول:

-اعملتوها بيا يا اولاد الحرام..

مقالات من نفس القسم

موقع الكتابة الثقافي uncategorized 12
تراب الحكايات
عبد الرحمن أقريش

المجنون