الحقيبة

موقع الكتابة الثقافي uncategorized 20
Share on facebook
فيسبوك
Share on twitter
تويتر
Share on whatsapp
واتس أب
Share on telegram
تيليجرام

إبراهيم مشارة

 حين وصلت إلى مطار بيروت بعد أربع ساعات من الطيران افتقدت حقيبتي. لم يشحنها عمال الشحن في المطار في رحلة الطائرة إلى بيروت. أسقط في يدي.  في الحقيبة مجلات ثقافية قديمة تحتوي على مقالاتي، بيجامة النوم، مستلزمات  الحلاقة، بدلة السفر.

حمدت الله على أن الوثائق كانت معي في المحفظة، فمن عادتي قراءة الصحف أثناء رحلة الطائرة أو حتى الكتابة، استفسرت من الموظفين  في المطار، أرشدوني إلى مكتب الأمتعة المفقودة لعمل شكوى ملأت الاستمارة بياناتي الشخصية وبيانات الحقيبة،  أعلمني الموظف بضرورة مراجعة المطار حين قدوم الرحلة الأخرى أو ترك عنوان الفندق الذي سأنزل فيه حتى يتمكنوا من إعادتها إلي. كان التعب قد نال مني لم أنم الليلة السابقة وتعب الرحلة إلى بيروت حين وصلت إلى الفندق أعلمتهم بالأمر واحتمال اتصال المطار بهم.

لكنني كنت في ورطة حقيقية فأعمال الملتقى غدا والتي تدوم يومين، وعلي مراجعة مداخلتي لتقديمها في اليوم الموالي، حين جلست في بهو الفندق  التقيت بالأصدقاء الأساتذة وبعد الاطمئنان على بعضنا البعض  فاجأتهم:

– جئت من غير حقيبة                                                                                                  

فرد أحدهم:- سلامتك، يحدث هذا الأمر كثيرا

ضحك الأستاذ النعيمي  وأردف:

– هل تعلم يا أستاذ أنني في السفر أستعمل شنطتين واحدة تشحن مع الأمتعة والأخرى تبقى معي، فإذا ضاعت واحدة وجدت الاحتياطية ؟ ربنا معاك

وأعقب آخر:

– على كل يا أستاذ نحن أسرة .استعمل ما بدا لك من أشيائنا

شكرت الأصدقاء حين التحقت بالغرفة بعد منتصف الليل كنت في حالة من الإرهاق إلى الحد الذي قل فيه تركيزي كثيرا ومع ما بقي عندي من تركيز قلت في نفسي: الصابون في الحمام موجود وكذا الماء والحمد لله أنزع ثيابي وألتف في اللحاف  وأنام

في اليومين راجعت موظف الاستقبال في الفندق  هل اتصلوا من المطار؟

-آسف يا أستاذ لا

لكنه في مرة أخبرني:

– لقد ردوا بضرورة مراجعة المطار في رحلة الخميس، من الممكن أن تشحن على تلك الرحلة، لقد اتصلوا بمطار بلدك مرارا من غير رد.

لكن الحقيبة صارت نجم المؤتمر فيحدث أن ألتقي صديقا في الفندق إلا ويبادرني:

-هل من خبر ؟

وآخر:- وصلت المحروسة؟

وجاءني الأستاذ حسن ببيجامته الثانية:

-يا أستاذ البيجامة عريضة وأنت لست ببدين لكنها تنفعك، إذا وصلت حقيبتك  وإن شاء الله تصل سنعمل فرحا والله هذه الحقيبة صارت حدثا

غير أن الأستاذة بشرى  حين سمعتني أتحدث مع الأساتذة الأصدقاء ظنت أمرا آخر فقد اقتربت مني وقالت:

– يا أستاذ متى تصل الخطيبة؟

فقلت باستغراب :

– خطيبة من؟

– خطيبتك يا أستاذ لقد سمعت الجميع يتحدث عن وصول الخطيبة في رحلة الخميس فأردت أن أدعوك والخطيبة في رحلة على متن سيارتي تشاهدان معالم بيروت

 

ضحكت وهمست لها:

– أنا متزوج من ربع قرن ولو سمعتك السيدة ما سمحت لي مرة أخرى بالسفر !

انقضى المؤتمر وعدت إلى البلد وفور  وصولي إلى المطار راجعت مصلحة الأمتعة المفقودة:

– يا سيدي انقضى على غيابي عن البلد أسبوعا شاركت في مؤتمر بقميص وربطة عنق، السترة كانت في الحقيبة مع البيجامة وجميع المستلزمات الأخرى وأهم ما في الأمر مجلات هامة تحتوي على مقالاتي

– اعمل شكوى

– قد عملت في بيروت وأرسلتها إليكم إدارة مطار بيروت

– اعمل أخرى هذا في مصلحتك                                                                                                      

ووجدتني أعيد نفس السيناريو بياناتي الشخصية وبيانات الحقيبة  مع نفس التعب والقلق

– سنتصل بك حالما نعثر عليها

مضى أسبوعان ولم يتصل بي أحد راجعت المصلحة بالهاتف  لكن لا يرد أحد !

واضطررت إلى التوجه إلى المطار  سألت الله أن يساعدني على الاتسام بالهدوء فالضحية في عرف الإدارة ربما هو  جان

حين قدمت الوثيقة للموظف  راجع جهاز الكمبيوتر طلعت الحقيبة على الشاشة.

– الحمد لله يا أستاذ حقيبتك موجودة في المخزن

– طيب لماذا لم تشحنوها حين كنا نراجعكم من بيروت؟

– هناك خطأ ما، ولكن حين ترى المفقودات في المخزن ستحكم بنفسك

نادى الموظف  على موظف آخر ليصطحبني إلى المخزن

وفي الطريق اختلطت علي مشاعر متباينة  من الفرح والأسف  حين دخلت إلى المخزن صعقت ،  إضاءة ضعيفة قناطير من الحقائب من مختلف الألوان والأحجام  مركومة بعضها على بعض في غير نظام  قلت للموظف متهكما:

– كان علي اصطحاب أولادي معي للبحث عنها

أدرك الموظف تهكمي وتطوع بالمساعدة سائلا عن حجمها ولونها  وبدأنا رحلة البحث وسط الركام مرت يدي على جميع البلدان وتحسست مشاعر اليأس والأسى من جميع القلوب وبعض الآمال  الضعيفة من نفوس أخرى  من أصحاب هذه الحقائب رأيت أن أستسلم وأنسحب ،أفوض أمري إلى الله فالبحث عنها يشبه البحث عن إبرة في صحراء مع إضاءة ضعيفة  حين قررت الانصراف وقد سبقني الموظف اصطدمت قدمه بحقيبة عند المدخل فوجئت به يقول أليست هذه ماركتها كذا ولونها كذا؟

تأملتها على ضوء المصباح الضعيف وقلت نعم  يبدو أنها هي وحين صارت بيدي فتحتها لأتأكد وكان هدفي المجلات  وقد استخرجتها واحدة وراء الأخرى تنفست الصعداء وحمدت الله وراجعت الموظف الأول:

أريدك يا سيد أن تشرح لي الأمر كيف لم تشحنوا الحقيبة معي في نفس الطائرة؟ وإن كان قد حدث  خطأ فلم لم تشحنوها في الرحلات الأخرى وقد راجعناكم من مطار بيروت مرارا؟

لكن الموظف رد:

– ربما سقطت بطاقة الأمن، فصارت حقيبة مجهولة المصدر لذا يستحيل شحنها

– وما ذنبي أنا؟

– احمد الله يا أستاذ أن عادت إليك حقيبتك كاملة غير منقوصة لقد رأيت الهول بالمخزن إنك والله محظوظ ووالداك يدعوان لك بالخير، احمد الله يا أستاذ وعلى كل اعمل شكوى

لكنني قررت أن أطلب تعويضا  فهذا هو الإجراء المعمول به لدى كل شركات الطيران في العالم  وكتبت تظلما للإدارة مع بيانات الرحلة  وقد ردت علي الإدارة باستقبال تظلمي والإجابة عنه لا حقا

ومنذ ذلك التاريخ وأنا في انتظار الرد

بعد شهر سافرت إلى بلد آخر وفي المطار افتقدت شنطة أخرى  أخذ عجوز شنطتي وترك لي شنطته  لكنني صممت على استعادتها  بنفسي ومن الرقم الموجود على البطاقة راجعت إدارة المطار فأعطتني رقمه اتصلت به فإذا بابنه على الخط:

– معذرة يا سيدي الوالد شيخ لا يرى جيدا ظن شنطتك شنطته فأخذها وعلى كل نحن نقيم بعيدا عن باريس بحوالي ساعة تعال وخذها.

تنازلت وذهبت إليه سلمته شنطته واستعدت شنطتي لكنني مازلت انتظر ردا  لتظلمي الأول.

مقالات من نفس القسم

محمد العنيزي
كتابة
موقع الكتابة

أمطار