الجملة الأولى: افتح يا سمسم

موقع الكتابة الثقافي uncategorized 1
Share on facebook
فيسبوك
Share on twitter
تويتر
Share on whatsapp
واتس أب
Share on telegram
تيليجرام

محمد الفخراني

تأتيك الجملة الأولى، فتشعر أن روايتك تقول لك: أنا أحبك.

الجملة الأولى، قصة حب تبحث عنك وتجدك.

لا أروع من أن تبدأ روايتك، قصتك، ومعك جملة أولى نهائية، مطمئن أنت إليها، ومُطمَئنة هى إليك، تكتب عندها وكل شىء سهل، رائق، وممتع.

عندما تأتيك الجملة الأولى، ستعرفها، وتعرفك، أكثر حتى مما يعرف حبيبان بعضهما بعضًا فى لقاء المفاجأة الأولى، تأتيك ببساطة، صافية، مُبتَسِمَة، كأنها هدية مُجهَّزَة لك خصيصًا، أنا أعتبرها مكافأة تستحقها، أفكر فى أنك لا بد أن تستحقها، دفعْتَ لأجلها من روحك، أعتبر أن الكتابة تُقدِّم الجملة الأولى كمكافأة أو هدية فى بعض المرات، أو هى إحدى طُرُق الكتابة للتعبير عن حبها، فأنت قد عَبَّرْتَ عن حبك لها مرات، وهى، الكتابة لطيفة، ذكية، قادرة على الحب، وتُعبِّر عبر حبها بتقديم الهدايا، وهى تعرف جيدًا الهدايا التى تُفرِح الكُتَّاب، تعرف ما يُفرحهم، ويؤلمهم.. طبعًا، ومَنْ غيرها.

ما أجملها لو كانت جملة متصلة، بلا فاصلة، أو وَقفات صوتية، وأقلّ من عَشْر كلمات، لو أنها أقل من خمس كلمات، يمكنك عندها أن تطير، أو أكثر.

الجملة الأولى، نعمة كبرى.

يمكنك أن تصحب الجملة الأولى وتتمشيان فى الشوارع، أو تسهر معها فى مقهى، يمكننى أن أَدُلَّكَ على أماكن لطيفة، وسأدفع لكما، لا تشغل بالك، فقط استَمْتِعا، أنت تستحق، وهى تستحق، جملتك الأولى تستحق ألا تنشغل إلا بملاعبتها، ملاطفتها، كن لطيفًا، وذكيًا، ابدأ على الفور، لا تتركها حتى تبرَد، عندما تأتيك لا تتوقف عن العمل، فعندها ستكون مستعدة لتعطيك كل شىء، هى تأتى ومعها كل المفاتيح، استعمل هذه المفاتيح على الفور، ابدأ الكتابة منها، سيمتد مفعولها معك بما يكفى أن تُكمل، يمكنك أن تعود إليها من وقت لآخر لتقرأها، وستجد أن لديها المزيد، يمكنك أن تحصل منها على جديد مع كل قراءة، يمكنك أن تقرأها مع المقاطع الجديدة، كل مقطع سيكشف لك معنى من جملتك، هى أيضًا ستكشف لك معانى جديدة داخل كل مقطع.

روايتك هى ابنة جُملتك الأولى.

بدونها ستكتب وأنت مشغول: “متى أحصل على جملتى الأولى؟”، وأنت تعرف أنك كلما فكرْتَ فيها لمدة أطول، كانت فُرَص حصولك على جملة قوية أقل، أنت تريدها أن تخرج من عقلك الداخلى، قلبك الداخلى، روحك الداخلية، ذلك الجزء من روحك، الأشَفّ الأخَفّ والألطف، أنت تعرف أن كل شىء بداخلك يعمل كى تحصل عليها، لكنك لا تريد أن تشعر بهذا العمل، لا تريد لصخبه أن يصعد إلى السطح، لأن هذا يزعج الجملة نفسها، ويُعَطِّل ظهورها.

الجملة الأولى، مفتاح الجنة.

الوعود تَكْمُن فى الجملة الأولى، يمكنك أن تجعلها مثل طعنة، أو زَخَّة مطر، ظِلّ يَمُرّ، وعد خفى، خُطَّاف، ريشة، غمزة عين، وشاية صغيرة, لمحة من حلم، رائحة، لون، شكل، لمسة، شيئًا لا يخطر على بال غير بالك، لكن لا تجعلها بابًا ولا نافذة ولا مَدْخَلاً.

لكل رواية جملة أولى واحدة، وما عداها مجرد جُمَل فى بداية الرواية.

الأوائل المُهمِّين: أول جملة، أول سطر، أول مائة كلمة، أول صفحة، أول ألف كلمة، لكن تظل الجملة الأولى هى الأهم بين كل الأوائل، هى روحهم ومفتاحهم.

هى تستحق كل الوقت للعثور عليها، أو لتكشف عن نفسها، وهى لن تأتى أو تظهر طالما أنت تشدُّ شعرك، أو تضرب رأسك بالحائط، وتمزق ملابسك، طالما تطاردها بالهراوات والشتائم، لن تأتيك وأنت غاضب، لها إيقاعها، أسلوبها، دلالها، وسهولتها، يمكنك أن تُعطى أمرًا لعقلك الداخلى بأن يعمل عليها طوال الوقت، بينما أنت تكتب الرواية، وسيعمل عليها قلبك الداخلى، هى حتى لا يمكن الحصول عليها بالطُرُق التى يمكن بها الحصول على العنوان، الذى يمكن الحصول عليه بطرق عديدة، بعضها يشبه عمليات هندسية، أو فِخاخ، أو كلمات متناثرة، أو عدة عناوين تجمع منها كلمات، ألعاب كثيرة، لكن الجملة الأولى تأتى مكتملة، قطعة واحدة، كأنها بالأساس مُخبَّئَة بداخلك، داخل الرواية، ويمكنك أن تتعثر فيها، أو تكشف هى عن نفسها، ربما تصادفك داخل الكتابة، ستعرفها، لأنها تعرفك.

الجملة الأولى ليست مجرد جملة فى بداية الرواية، إنها الرواية فى جملة.

عندما تأتى، فلا تُستبدَل بجملة أخرى، تعرفها على الفور وتعرفك، يحدث هذا أحيانًا مع العنوان، فيبدو كأنه اسم للرواية أو القصة، ولا يمكن تسميتها بغيره، لكن كثيرًا ما يتم تغييره عدة مرات، حتى بعد صدور كتابك، ربما تفكر بأن عنوانًا ما، كان من الممكن أن يكون مناسبًا أكثر، هذا لا يحدث مع الجملة الأولى، لذا، فأنت لا تعرضها على أحد لتعرف رأيه أو انطباعه، أنت تعرفها، وتعرفك.

الجملة الأولى، سمكة فريدة فى بحر من الأسماك المتشابهة.

ليست كل جملة تأتى فى بداية الرواية جملة أولى، ستعرف الجملة الأولى المقصودة عندما تراها، لن يداخلك الشك لحظة، ولن يداخلها، واضحة، ساطعة، بلا شائبة، كاملة، مكتملة، جميلة، حلوة، ذكية، شفافة، أنيقة، جديدة، لم يرها أحد قبلك، لم تتحدث إلى أحد قبلك، أنت أول مَنْ يتعامل معها فى هذا العالم.

كأنك تكتب روايتك كلها داخل هذه الجملة بطريقة ما، أو من داخلها، وكلما تقدَّمْتَ فى الكتابة عرفتَ عنها معنى جديدًا، كل مقطع تكتبه يكشف لك معنى جديدًا فيها، وكأن الجملة الأولى تُفكِّك نفسها إلى حكايات، أفكار، مشاعر، شخصيات، وأكثر.

هى ليست باب الرواية، إنما دِرعها، بدون جملة أولى تظل روايتك عارية، مكشوفة، قابلة للطعن والضرب، الجملة الأولى درع وحماية.

مثل قطرة من دمك، فيها كل شىء عنك، جملتك الأولى، فيها كل شىء عن روايتك.

تبقى الرواية جثة جميلة، حتى تحصل على جملتها الأولى.

تتوقف لتتأمَّل جملتك الأولى، إنها الروح التى تراها تدخل روايتك، ابتسم لها، ورَبِّت عليها، ورَحِّب بها، احتفل بها، معها، قل لها شكرًا، أخبرها أنك ممتن لوجودها، أنك تعرف قيمتها، وما يعنيه وجودها، سيُسعدها أن تعرف أنك تُقدِّر هذا، ويُحفِّزها لتمنحك الأكثر وأكثر.

يمكنك أن تعرف شخصًا من جملته الأولى، يمكنك من هذه الجملة أن تعرف إنْ كنتَ ستُكمِل معه أم لا، ستسمع منه أم لا، من الطبيعى أن يبدأ كل شئ عند الجملة الأولى، لكن كثيرًا أيضًا ما ينتهى كل شىء عندها.

الجملة الأولى يمكنها أن تُحدِّد مصير كل شىء بعدها.

من أصعب الأشياء على قلب كاتب أن يضطر إلى صناعة جملته الأولى، الأفضل أن تصبر، اصبر حتى تجدك هى، أو على الأقل أن يبدو الأمر كذلك، هى تحب أن تجدك، لا أن تكون أنت مَنْ وجدها.

بدون الجملة الأولى، ومهما كتبتَ، لن تنتهى روايتك أبدًا.

محظوظ الكاتب الذى يحصل على جملته الأولى فى وقت مبكر، محظوظ من لا يضطر إلى تشكيلها، أيها المحظوظ، حصلتَ على جملتكَ الأولى قبل أن تبدأ الرحلة.

يبدو الأمر أحيانًا وكأن الرواية كلها قد كُتِبَتْ كى نحصل على الجملة الأولى.

أثناء الكتابة، ستأتيك جُمل لن تعرف من أىّ مكان بداخلك جاءت، تحتفل بها بشكل خاص، عندما تأتيك إحداهن، ستكتفى بها، ولن تكتب شيئًا آخر بقية الليلة، فقط تتفرَّج عليها، وتحتفل بها ومعها، هذه الجُمَل تستحق، والجملة الأولى واحدة منهن.

الجملة الأولى تستحق الاحتفال بها ليلة كاملة، وأنا أُقيم لها حفلاً خاصًا بينى وبينها فى كل مرة، لا أُفوِّتُ هذا أبدًا.

بالجملة الأولى يمكنك أن تعرف أن ثمة قصة حب تنتظرك.

لو كان لى أن أختار شيئًا أحصل عليه بشكل فورى فى الرواية، سأختار أن يكون الجملة الأولى، لن أختار الفكرة، فالأفكار كثيرة، لن أختار العنوان، فالعنوان له ألاعيب كثيرة للحصول عليه، سأختار الجملة الأولى لأنى أُحب ما أشعر به عندما أعثر عليها، كأنك امتلأتَ فجأة بالنور، كل شىء سهل، ويبتسم لك، كأن الرواية تقول لك: “أنا لك”، يمكنك أن تسمعها وهى تقولها لك: “أنا أحبك، وهذه هديتى لك”.

الجملة الأولى معك، لا شىء يمكنه أن يُحزنك، العالم سهل، ولا شىء الآن يمكنه أن يقف فى طريقك.

ابتسِم يا صديقى، لديكَ الجملة الأولى.

و.. افتح يا سمسم…

 

مقالات من نفس القسم

محمد العنيزي
كتابة
موقع الكتابة

أمطار