التيه

عبد السلام مسعودي
Share on facebook
فيسبوك
Share on twitter
تويتر
Share on whatsapp
واتس أب
Share on telegram
تيليجرام

عبد السلام مسعودي
كانت الشمس تسير نحو الغروب بخطوات متثاقلة لتسحب روحها من أديم الأرض المرهقة و كان التقمص بين سطور الذكريات خريفا يفتح ذراعيه للريح و الروائح المختنقة بالسير خلف القبور، اللقاءات القليلة التي جمعته مع لحظات الكشف لم تكن سوى حزن عابر وطريق غادر، سوى عبث طوباوي يتحسس وجوده في المنعرجات، في الجرح الزمن يجترح الصمت والسكون لتكون نهاية العتاب ترحال في جسد اليابسة و غربة بين الحروف.
تطلّع سليل المغتربين إلى السماء فاتحا جميع حواسّه علّه يعثر على قدره الغريب في حين أن جميع الكائنات كانت تختلس الهمسات في الركن القديم من الممر، تظلّع الى قدره من نافذته الخلفية للولوج إلى عالم الأحياء فلم يجد غير خلوته من يستبطن النداء
من الاستثناء تتجدّد الأمكنة والأزمنة المتجاوزة لحدود الصمت حتى تصعد الروح إلى وطن الخلاص وتبوح:
– من أنت أيها الملاك الخارج من تقلبات الزمن؟ من أنت أيها القدر الساكن في الجراحات والقادم من وطن التائهين والمعتوهين؟ من أنت؟
تتداعى الكلمات في الفضاء الواسع نتوءات متماسكة حتى أهتز المكان تحت وقع الحرف والعزف، ليقطع صوت غريب قادم من شبابيك الروح هذا السكون المريب:
– أنا ابن الأرض والسماء أقطع العمر طارقا لحدود المطر والشجر، أسكن المسافات التي تعزل البدايات عن النهايات وترسم وجها للقدر، أنا تعويذة الخلق: ابن غير شرعي لشرعية الفناء أستوطن هذا الخلاء
يشحذ العقل طاقته ويمر للسرعة القصوى، يمر للرسم والحسم في معادلة الروح والجسد، حيث تتعاكس الرغبات الجامحة بين زمن وآخر، بين عطر يلوح في الغيب وآخر نحياه يقطع العقل غيبة الضعف والعطش وتتفجر نبوءة الخفاء عن طفل بعمر الطير يقذفه الخباء في ربوع المدينة الصغيرة يتلمس طريق الحرية بين دهاليز الممرات الضيقة وتحت رفوف الكتب الضائعة والمنفلتة من وقع خطوات بعض الخلق
كان العمر يمضي ويمتد في التفاصيل الصغيرة وفي الحارات التي قسمت تاريخ السقوط في مدن الشمس، كان يرتحل بين جذاذات العبث والعزلة التي مزقته، قطعت طريق القلق الأزلي وحقنته بمضاد حيوي يؤرخ لخلود التّيه، سار بين الحرف والحرف هاتفا بلغة الأمل المفقود عله يقترب من حكمة الغائبين والمغيبين في نواميس القلق المتوارث، الملتحف ببشارة البدء يكتب وصيته عند الغروب، يتحصن بسفر الخروج الأول، النكوص الأول حمله على الترحال في أرض غير أرضه وعلى قول لم يقله
لم تحن الساعة والطفل الذي يسكنه يسكب طفولته الحزينة ويصلي لغد أفضل، أجمل أن تتجمل حقول التيه وتتعفف عن البوح لتخلق عزلته المنشودة، أجمل أن تتخطى الدموع مملكة القصاص وترسم فتحها المبين بجمالية الجمع بين فرح قادم وحزن سابق
الكتابة كترياق لهزائم الروح قذفته الى هذا العالم كإستعارة متجاوزة لمجازها، كوطن بديل تختفي فيه الكلمات وتبعث من رحيق الفاكهة المحرمة والزمن غير الزمن تتشكل فيه اللغة كجسد متهالك، ككتاب خالد تتعانق صفحاته وتتصافح كيقين لحقيقته الغائبة، التائبة عن الخروج على القطيع

مقالات من نفس القسم

موقع الكتابة الثقافي uncategorized 12
تراب الحكايات
عبد الرحمن أقريش

المجنون