الترحال

حسين عبد الرحيم: "زووم إن" مرثيتي الجديدة عن فردوسي المفقود "بورسعيد"
Share on facebook
فيسبوك
Share on twitter
تويتر
Share on whatsapp
واتس أب
Share on telegram
تيليجرام

حسين عبد الرحيم

لماذا كانت تصر على التحديق بشغف لتلك المساحة البعيدة من العالم، توقفت عن الرقص وتركتني وحدي رغم تشابك كفينا والأصابع، مشدوهة كانت تتأمل لون السماء الزرقاء ويتأ كد لي الفارق الطفيف، الذي يشبه نثار حرير أبيض، مابين الحلم والحقيقة.

وقتما كانت تحادثني فلا اعرف هل تقصد جري للسؤال الذي بالتاكيد سيعيق إنصات المرغم على سماع تلك الأنغام الخارجة من فمها وهي تحكي عن حلمها بالطيران صغيرة، كانت فاكبرت وتكرر الحلم والذي دائما ما يأتي كل ليلة مابين النزع الأخير في الربيع، ومشارف عتبات الصيف.

كانت تشبه امرأة أعرفها جيدا. قابلتها في زمن آخر، ماض، بات الحديث متشابها، لم أعِ لمن توجه رسائلها ومن تعني بتكرار ما ترى أو رأت.أم هي تحدث الخلق، أم العالم الماورائي، أم الله. الذي تجلت صورة واحدة من فرادة نوره، وهي تومض بعينيها السوداوين في هالات نورانية تخرج من منطقتها الحميمية، فوق البطن وقرب الصدر ووسط النهد، كانت لاتكثرث،ببروز حلمتي نهديها عندما هاج الموج منفلتا من بين صخرة وحيدة ولا أنا، بتلك الفواكة الملونة، التي انتثرت بعيدا، قرب مرسى وحيد، أو مرفأ كما قال الحوذي الذي تركنا في تلك المساحة من البياض، من العالم، بعيدا عن وجودنا الفعلي في عالم مكرور تتشابه وقائعه مابين عيش الليل والنهارات الطويلة التي لم ولن تنتهي منذ عشرات السنين.

مابين البحر واليابسة، والقمر المتلألئ في بلاد لم تكن تعرفنا من قبل، إلا بتوحد حلمينا في الزمان والمكان، كان كل حرصها وهي تهذي ببقايا الحلم في فراغات الوجود المحسوس والمرئي في آن، ألا أرفع قدمي اليمني من فوق أصابع يسراها المتشبثة بجرف بقايا البحر الثلجي المتماوج، في سكون ووله، تطفو دلالاته في برسث عينيها.

تحتضن ثقل قدمي في خفة مغناجة وثقل من تدرب على توصيف حلمه بدقة، وليونة وحميمية، ورغبة في ترك هذا الحجر الصامت منذ زمن، وهذه البقعة من العالم، التي تأبى الحضور المادي، وتتواءم مع أحلام الغرباء المتوحدين مع نفوسهم، نزقهم، قلقهم والتوتر العصي على التفسير، يسألون ثمة آخر بداخلهم يبزغ بغتة بلا موعد ولا إخطار، إلا تكديره في الوجه وصمت يطول ويخرس الصوت، فتنفتح بلادا ما هناك.يفتح لهم الطريق وينار لهم ما يشبه سماء زرقاء بقدر مساحة خيمة تسمح بإيصال سلم أرجواني في الليل، تصعد من خلاله النجمات من قلوبنا، إلى فضاء مدن لاترى إلا في الليل، لا يحده زمن ما أو مكان معلوم.

ولا يذهب إليها إلا أهل الحدس والحواس الكافرون بالتكرار، الذين يتبعون، بل ينصتون لنداءات خفية، وهي في الغالب لا تأتي إلا من داخلهم، عندما يتوارى منتصف الليل، ويرمح الهواء في الشوارع الضيقة والنوافذ القريبة من النهر الساكن، عندما يسير مترجلا الشيخ الطاعن في السن متوجها لباب الله صاعدا الأرض الواطئة في دار السلام ينادي على ابنة البكري ألا يغلق باب الدخول، فهو سيعود عما قريب، حتى ولم يصل في مطارحه كما تعود وقتها فقط وقريبا من فجر كاذب يباغته النداء ليبدأ الترحال.

مقالات من نفس القسم

موقع الكتابة الثقافي uncategorized 12
تراب الحكايات
عبد الرحمن أقريش

المجنون