الأيادي البيضاء للخطيئة

الأيادي البيضاء للخطيئة
Share on facebook
فيسبوك
Share on twitter
تويتر
Share on whatsapp
واتس أب
Share on telegram
تيليجرام

يثبّت (جي دي موباسان) في قصته (تهور) صياغة تنبؤية لبداية العلاقة بين زوجين؛ فالتمهيد العاطفي الذي يؤسس لحياتهما يتضمن وعداً بالمسار الذي ستخطو هذه العلاقة بداخله .. يكشف (موباسان) على نحو واضح عن العوامل التقليدية التي تخلق الانجذاب بين الرجل والمرأة، والتي تنبع بداهتها الغريزية من ارتباطها بالطبيعة .. رجل أحب فتاة لأنها جميلة، والفتاة أحبت الرجل لأنه غازلها .. تلك هي المعادلة التي يطرحها (موباسان) بشكل مباشر، حيث يكتسب الاندفاع الشعوري فورانه التلقائي بفضل قوة الشغف الذي يوحّد بين هذه المشاعر وبين الجمال الرومانسي الحاضر في المكان الذي تتحقق بداخله المعادلة .. (كان يخلط بين الوله الذي ولدته فيه تلك الفتاة وبين الشعور الغامض والقوي الذي يبعثه في روحه وقلبه وشرايينه ذلك النسيم المحمل بالملوحة والحيوية، والمفعم بأشعة الشمس وموجات المحيط)

يثبّت (جي دي موباسان) في قصته (تهور) صياغة تنبؤية لبداية العلاقة بين زوجين؛ فالتمهيد العاطفي الذي يؤسس لحياتهما يتضمن وعداً بالمسار الذي ستخطو هذه العلاقة بداخله .. يكشف (موباسان) على نحو واضح عن العوامل التقليدية التي تخلق الانجذاب بين الرجل والمرأة، والتي تنبع بداهتها الغريزية من ارتباطها بالطبيعة .. رجل أحب فتاة لأنها جميلة، والفتاة أحبت الرجل لأنه غازلها .. تلك هي المعادلة التي يطرحها (موباسان) بشكل مباشر، حيث يكتسب الاندفاع الشعوري فورانه التلقائي بفضل قوة الشغف الذي يوحّد بين هذه المشاعر وبين الجمال الرومانسي الحاضر في المكان الذي تتحقق بداخله المعادلة .. (كان يخلط بين الوله الذي ولدته فيه تلك الفتاة وبين الشعور الغامض والقوي الذي يبعثه في روحه وقلبه وشرايينه ذلك النسيم المحمل بالملوحة والحيوية، والمفعم بأشعة الشمس وموجات المحيط)

الطبيعة إذن ـ السحر المهيمن الذي يترسخ كمشاهد بصرية محفزة، ويمتد كقرارات حسية تنشأ على إثرها العلاقات بين الرجال والنساء ـ هي الضرورة التي تخلق الرغبة .. (لأنه من الطبيعي أن تحب الفتيات الشبان الذين يقولون لهن الكلمات الرقيقة العذبة) .. جعلت الطبيعة من وجود الرغبة حقيقة معتادة، نتجت عن استجابة إلى احتياج تلقائي لامتلاك الجمال المحرّض طغيانه خارج الجسد .. (موباسان) بهذه الصياغة لـ (طبيعة الحب)، كموضوع حتمي مرتبط بـ (رومانسية الطبيعة المشهدية) أعطى لشرح الكيفية التي كوّنت الصلة بين الزوجين بُعدها الاستشرافي؛ فـ (الطبيعة) ستجعل حياتهما تصل ذات يوم إلى مرحلة الملل وانطفاء الرغبة؛ لأن هذه هي الحالة (الطبيعية) التي يجب أن تمر بها أي علاقة بدأت بشكل (طبيعي) مثل علاقتهما .. (موباسان) لن يخبرك أن الطبيعة كاذبة، ولا ينبغي تصديقها، وأننا نجيء إلى العالم وبداخلنا جوع عظيم لا يخمد إلى الإيمان بوعودها رغم كل البدايات والمصائر المتطابقة .. يكفي (موباسان) أن يبدأ قصة بين حبييبن، بطريقة عادية تماماً، ويتنقل تدريجياً بين أحوالها المنطقية المتتابعة ليمرر إليك هذا.

حينما يقرر الزوجان لإنقاذ حياتهما من الضجر والتقزز، وإيقاظ نار الحب من جديد الذهاب إلى أحد المطاعم الكبيرة لتمثيل دور عشيقين؛ سيبدوان وكأنهما يشتركان في اقتناع ضمني بفهم (بودلير) للحب: (اللذة الوحيدة والقصوى للحب تكمن في اليقين بإتيان الشر. الرجل والمرأة يعرفان منذ الولادة أن الشر مكمن كل لذة) .. الرجل سيحاول أن يتقمص دور الزوج الخائن، أما الزوجة فكأنها تريد أن تكون (مدام بوفاري) أخرى دون أن يعلن (موباسان) عن هذه المصافحة مع (شارل بودلير)، و(جوستاف فلوبير) بشكل صريح، وإنما كانت (باريس) كمكان للقصة، فضاءً شهوانياً وموحياً، يلائم هذه الحفلة الفرنسية خارج الزمن.

يمكننا الوعي بالعمق المونولوجي للحوار بين الزوج وزوجته اللذين تحولا إلى عشيقين مصطنعين، يحاولان إعادة التوهج إلى حكايتهما الباردة؛ حيث يبدو الديالوج بينهما ليس مجرد اشتباكات لسانية تستهدف أن ينجز كلاهما الغرض من موقعه، وإنما كانت المحادثة أقرب إلى التأثيرات الطافية للصراعات التي يخبئها الحوار الداخلي عند كل من الزوج والزوجة .. كأن ديالوج آخر غير مسموع يدور تحت غطاء المحادثة الظاهرية بينهما عن الخطيئة .. هذا الحوار غير المدرك هو نزاع مستتر بين المونولوج السري الذي يحدث داخل الرجل ومثيله عند المرأة، أما المحادثة المسموعة فكأنها حصيلة مرتبكة من الآثار المتغيرة لكل من الديالوج الداخلي عند كل منهما .. ما هي طبيعة هذا الحوار؟ .. الرجل والمرأة يسترجع كل منهما تاريخه الشخصي بمعزل عن الآخر، يستجوبه، ويحاول أن يكتشف سبلاً مختلفة لإعادة الدخول في العلاقة بواسطتها من أجل النجاة .. يتفحص كل منهما المفاهيم العامة والأفكار المتبدلة حول الحب والشهوة والطهارة والدنس، ويتأمل التجارب السابقة ـ حتى التي توقفت عند حدود الانشغال الذهني ـ الخاصة بالخبرات الأخرى للعواطف المحرمة .. كل منهما يعيد تقييم الماضي، ويحاكم الأطر المطلقة التي تتحرك الأجساد وتتفاعل وفقاً لإرادتها، كما أن كلاً منهما يحاول العثور على ممر جديد ومضمون داخل الظلام يساعده على تجاوز الخسائر الفردية التي تتجلى في تعاسة الآخر .. المحادثة المعلنة بين الزوج والزوجة هي إذن أشبه بجدل الأصداء الخارجية للأصوات الباطنية المتجابهة داخل كل منهما .. لكن هذا المونولوج الداخلي عند الرجل والمرأة حينما يحضر كصدى ملموس فهو يكافح لتكوين يقين عن موضوع الرغبة، ويسعى في نفس الوقت لمحوه .. أقنعة من استدعاءات اللغة تريد التلاحم لتشكيل معرفة حاسمة عن المتعة، ولا تتوقف عن تفتيتها .. ما يظهر من كلمات المرأة تحديداً في الحوار المكشوف مع زوجها يعطي فكرة عن المونولوج الداخلي الذي يدور بداخلها في تلك اللحظة، حيث يبدو موقفها داخل المحادثة الواضحة كأنه صدى خارجي لصوت صراع باطني بين (الأنا)، و(الهو) .. نزاع (فرويدي) بين الزوجة والعشيقة .. ربما يفكر (موباسان) في الطبيعة على هذا النحو: الخيال الرومانسي الذي يبدأ بالبحر والسماء والشمس سيذوب ذات يوم في سائل أصفر شفاف داخل كأس الشمبانيا الذي تشرب منه زوجة تحاول أن تكون عشيقة لزوجها .. أن تكون عشيقة لكل الرجال الذين لم تعرفهم من خلال هذا الرجل الذي كانت لها عشيقات كثيرات .. الطبيعة تستخدم الذين يجب أن يظلوا عمياناً من البداية وحتى النهاية.

تهور

جي دي موباسان

قبل الزواج كانا يتحابان بعفة وطهارة.

وكانت بداية حبهما لقاء جميلا في أحد شواطئ البحر، حينما رآها تمر أمامه في الأفق الأزرق الذي يعانق فيه المدى المائي سعة السماء. كانت هي تتهدهد في كامل زينتها، بقامتها النحيفة وشعرها الأشقر ومظلتها الفاتحة. وكان هو يخلط بين الوله الذي ولدته فيه تلك الفتاة وبين الشعور الغامض والقوي الذي يبعثه في روحه وقلبه وشرايينه ذلك النسيم المحمل بالملوحة والحيوية، والمفعم بأشعة الشمس وموجات المحيط.

لقد أحبته لأنه غازلها وكان شابا وغنيا وطيبا وحساسا، أحبته لأنه من الطبيعي أن تحب الفتيات الشبان الذين يقولون لهن الكلمات الرقيقة العذبة. لهذا، خلال ثلاثة أشهر، عاشا جنبا إلى جنب، العينان في العينين، واليدان في اليدين؛ لا يفترقان. وكان لتحية الصباح التي يتبادلانها قبل الذهاب إلى الحمام، ولهمسات المساء فوق المائدة أو تحت نجوم السماء وسكون الليل طعم القبلات المحمومة على الرغم من أن شفاهما لم تلتقيا أبدا.

وحينما يغمضان أعينهما يشرع كل منهما في الحلم بالآخر، وحالما يستيقظان لا يكف كل منهما عن التفكير في الثاني. ودون أن ينطق بكلمة ينادي الآخر ويعبر بروحه وجسمه عن رغبته فيه.

بعد الزواج صار حبهما حسيا؛ في البداية نوعا من الشبق والهيجان المتواصل، ثم ودا ساميا ممزوجا بالمداعبات اللبقة واللمسات الشاعرية اللطيفة والخليعة. وغابت عن أعينهما تلك النظرات البريئة إذ أن كل حركاتهما كانت تذكـّرهما دفئ ساعات الليل الحميمة.

 أما الآن، ودون أن يتجرأ أي منهما على الاعتراف به، وربما دون أن يدركانه بعد، فقد بدأ كل منهما يمل من الآخر. رغم ذلك فهما لا يزالان يتحابان. لكن لم يعد لدى كل منهما ما يكشفه للآخر. ليس هنالك شيء لم يكررا فعله مرات ومرات، لا شيء جديد يمكن أن يتعلمه أحدهما من الآخر: لا اندفاع طارئ ولا نبرة مبتدعة تضفي على الكلمات المكررة والمملة رونقا جديدا.

ومع ذلك كانا يجبران نفسيهما على إيقاظ نار الحب التي عرفاها في إثناء لقاءاتهما الأولى؛ اصطنعا حيلا بريئة وألعابا ساذجة أو معقدة، وقاما بمحاولات خائبة عديدة لكي يضرما لهيب الشوق في قلبيهما ويبعثا في شرايينهما هيجان شهر العسل. وقد يحدث في بعض المرات، بعد أن يبذلا جهودا مضنية في شحذ رغبتهما، أن ينجحا في اصطياد لحظات من الجنون المصطنع الذي تتبعه مباشرة لحظات طويلة من الضجر والتقزز. جرّبا ضوء القمر، والنزهات تحت أوراق الشجر في الليالي الباردة، وضفاف الأنهار الغارقة في الضباب، وازدحام الأعياد الشعبية…

وذات صباح قالت “هنريت” لـ”بول”:

– ألا يمكن أن تصطحبني إلى الملهى؟

– بالتأكيد يا عزيزتي.

– إلى ملهى مشهور جدا.

– بكل سرور.

نظر إليها متسائلا بعينيه ومخمنا أنها تفكر في شيء ما لا تريد أن تقوله. وأضافت:

– إلى ملهى …. كما تعرف… كيف أشرح لك هذا؟ …. إلى ملهى راق. إلى أحد تلك الملاهي التي يعطي فيها بعض الرجال والنساء مواعيد لبعضهم بعضا.

فابتسم قائلا: فهمت: تقصدين كابينة داخل مطعم كبير؟

– نعم، نعم … لكن داخل مطعم كبير يعرفك فيه الجميع وسبق أن تناولت فيه الطعام … تعرف أريد أن … لا، لن أتجرأ أبدا على هذا.

– بلى، قولي، يا عزيزتي.. فيما بيننا هذا لا يعني شيئا. ليس هنالك بيننا أي سر.

– لا، لن أجرأ.

– هيا لا تقومي بدور البريء هذا! تكلمي!

– إذن، إذن… أريد.. أن تعـدني عشيقتك. نعم عشيقتك، وأن ينظر لي الخدم الذين لا يعرفون أنك متزوج بصفتي عشيقتك. وأريدك أنت أيضا أن تصدق أنني عشيقتك.. لمدة ساعة.. في ذلك المكان. وسأؤمن أنا نفسي أنني عشيقتك … سأرتكب خطيئة كبيرة. سأخونك… معك. إنه أمر قبيح. لكني أريده.. لا تجعلني أحمر خجلا هكذا! لا يمكنك أن تتصور القلق والإحراج الذي يسببهما لقائي بك فسي مكان مريب كهذا… مكان يمارس فيه العشق كل مساء، نعم كل مساء !إنه أمر قبيح وأشعر بالخجل. لا تنظر إليّ هكذا!

ورد عليها وهو يضحك مرحا:

– نعم سنذهب هذا المساء.. إلى مكان يعرفني فيه الناس جيدا.

وفي حوالي الساعة السبعة مساءً كانا يرتقيان سلم أحد المطاعم الكبيرة الواقعة في أحد شوارع باريس. كان يقودها وعلى شفتيه بدت ابتسامة المنتصر الذي ضفر بفريسته. أما هي فقد وضعت على وجهها قناعا شفافا. وحالما دخلا كابينة مؤثثة بأربعة كراسي وصوفة عريضة من المخمل الأحمر جاء إليهما مدير المطعم بملابسه السوداء وقدم لهما قائمة الطعام التي أخذها بول وناولها بدوره إلى زوجته قائلا:

– ماذا تريدين أن تتناولي؟

– لا أدري. ماذا يأكل الناس هنا؟

حينئذ بينما هو يخلع معطفه ويناوله إلى الخادم شرع بول يقرأ لزوجته قائمة الطعام:

–  وجبة دسمة: مرق، دجاج، فحسة أرانب، شروخ بالطريقة الأمريكية، سلطة خضار متبلة وحلويات وسنشرب شمبانيا.

في أثناء ذلك كان مدير المطعم ينظر إلى الفتاة وهو يبتسم. وحين استعاد قائمة الطعام قال بصوت هادئ:

– السيد بول يريد مشروبا ساخنا أو شمبانيا؟

– سنشرب شمبانيا نقية.

بدت العادة على وجه هنريت حينما أدركت أن مدير المطعم يعرف جيدا اسم زوجها. وبعدما أحضر لهما الأكل جلسا جنبا إلى جنب فوق الصوفة وأخذا يأكلان. وكانت عشر شمعات تضيء الكابينة وينعكس نورها في المرايا المغطاة بآلاف الأسماء التي نقشت بزوايا الأحجار الكريمة والتي تبدو هكذا كأنها بيت عنكبوت.

كانت هنريت تشرب الكأس تلو الأخرى لكي تصبح أكثر مرحا على الرغم من أنها شعرت برأسها يثقل من الكأس الأولى. وبول الذي أثارته الذكريات وأخذت عيناه تلمعان،  لم يكف عن تقبيل يد زوجته المنفعلة والسعيدة والتي انتابها إحساس غريب من وجودها في هذا المكان المريب. اثنان من الخدم المتجهمين، الصامتين، المتعودين على رؤية كل شيء ونسيان كل شيء وعدم الدخول إلا في اللحظات المناسبة والخروج في الدقائق الحرجة، كانا يجيئان ويروحان في هدوء تام.

في منتصف العشاء، باتت هنريت منتشية، منتشية تماما. وبول، على غير عادته في الأيام الماضية  صار ظريفا وأخذ يهرس ركبتها بشدة. وسرعان ما صارت وجنتا هنريت حمراء وعيناها تشعان بالحيوية والجرأة، ولم تلبث الفتاة أن بدأت تثرثر:

– أوه بول! اعترف! هل تعلم؟ أنني أريد أن أعرف كل شيء.

– تعرفين ماذا يا عزيزتي؟

– لا أتجرأ أن أقوله لك.

– قولي على كل حال.

– هل كانت لديك عشيقات؟ … كثيرات… قبلي؟

كان مترددا. ومستغربا قليلا. لا يدري هل ينبغي عليه أن يخفي مغامراته أو يتفاخر بها.

وأضافت هي:

– أوه! من فضلك! أرجوك قل لي! هل كان لديك منهن الكثير؟

– عدد قليل.

– كم؟

– لا أدري بالضبط. هل نعلم نحن الرجال مثل هذه الأشياْء؟

– ألم تعدهن؟

– لا أبدا.

– أوه! إذن كان لديك منهن الكثير؟

– نعم، أكيد.

– كم تقريبا؟ فقط بالتقريب؟

– لكني لا أدري أبدا يا عزيزتي. في بعض السنوات كان لدي الكثير . وفي سنوات أخرى أقل.

– كم في السنة، قل!

– أحيانا عشرون، ثلاثون. وأحيانا أربع أو خمس فقط.

– أوه! هذا يعني أنه كان لديك أكثر من مئة امرأة.

– نعم، تقريبا.

– أوه! كم هذا مقزز!

– لماذا مقزز؟

– لأنه مقزز. حينما نفكر فيه… كل هؤلاء النساء… عرايا.. وكل مرة الشيء نفسه… أوه! إنه مقرف على كل حال… أكثر من مئة امرأة!

صُدم بول أن تحكم زوجته أن ذلك مقزز. ورد عليها بتلك النبرة المتعالية التي يستخدمها الرجال ليفهموا النساء أنهن يقمن بحماقة ما:

-هذا هو المضحك، حقا. إذا كان الأمر مقززا أن تكون لديك مئة امرأة، فهو أيضا مقزز حينما يكون لديك واحدة.

– أوه! لا. مطلقا.

– لماذا لا؟

– لأنّ المرأة … علاقة، لأنها…  حب يربطك بها. بينما مئة امرأة…! إنها قذارة! سؤ سلوك! لا أستطيع أن أفهم كيف يمكن أن يسمح رجل لنفسه أن يحتك بهؤلاء الفتيات الوسخات كلهن!

– لا، إنهن نظيفات جدا.

– لا يمكنهن أن يكن نظيفات وهن يقمن بالمهنة التي يقمن بها.

– بالعكس تماما؛ إنهن نظيفات بحكم المهنة التي يقمن بها.

– أوه! حينما تتصور أنهن الليلة الماضية يفعلن الشيء نفسه مع رجل آخر! يا للفضاعة!

– ليس أكثر فضاعة من الشرب في هذا الكوب الذي شرب فيه لا أدري من هذا الصباح، والذي غُسل بعناية أقل، بالتأكيد.

– أوه! اسكت! إنك تستفزني.

– إذن لماذا تسألينني إن كان لدي عشيقات؟

– حسنا، قل لي؛ هل كانت عشيقاتك، المئة، كلهن فتيات؟

– لا.

– من هن إذن؟

– ممثلات، عاملات، وبعض الحظيات…

– كم من هؤلاء الأخيرات؟

– ست.

– ست فقط!

– نعم.

– هل كن جميلات؟

– نعم طبعا.

– أجمل من الفتيات؟

– لا.

– أيهن كنت تفضل: المحظيات أو الفتيات؟

– الفتيات.

– أوه! كم أنت قذر! لماذا هكذا؟

– لأنني لا أحب أبدا التفنن والاحتراف.

– أوه! يا للهول! إنك متوحش؛ هل تعرف؟ قل لي: هل يسليك أن تتنقل هكذا من فتاة إلى أخرى؟

– نعم.

– كثيرا؟

– كثيرا.

– ماذا كان يسليك؟ ألم يكن يشبهن بعضهن بعضا؟

– لا. أبدا.

– لكن النساء يتشابهن!

– أبدا.

– ولا في أي شيء؟

– ولا في أي شيء.

– إن هذا لمضحك. ما هو المختلف لديهن؟

– كل شيء.

– الجسم؟

– بالتأكيد، الجسم.

– الجسم بأكمله؟

– نعم الجسم بأكمله.

– وماذا أيضا؟

– طريقة التقبيل، والكلام، والهمس….

– آه! أنه لمسلٍِ أنْ تـُغيـّر!

– بالطبع.

– وهل الرجال مختلفون؟

– هذا؟…. لا أدري.

– لا تدري؟

– لا.

– ينبغي أن يكونوا مختلفين.

– نعم. بالتأكيد.

وظلت هنريت واجمة في مكانها، تفكر وكأس الشمبانيا في يدها. كان مليئا. شربته دفعة واحدة. ثم وضعته فوق الطاولة وطوقت زوجها بذراعيها، وهمست في فمه:

– أوه! عزيزي، كم أحبك!

واحتضنها بقوة … واضطر أحد الخدم الذي كان يهم بالدخول إلى التقهقر وأغلق خلفه الباب. وتوقفت الخدمة لمدة خمس دقائق تقريبا. وحينما ظهر مدير المطعم مرة ثانية بوقاره وقامته المهيبة، حاملا الفواكه كانت هنريت تحمل كأسا أخرى بين أصابعها، وتحملق في السائل الأصفر الشفاف الذي بداخله كما لو كانت تبحث فيه عن أشياء  مجهولة ومرغوبة. ثم همهمت بصوت حالم: “أوه! نعم، لا شك أنه سيكون مسليا…”

مقالات من نفس القسم