ارتكاز

زار هبة خميس
Share on facebook
فيسبوك
Share on twitter
تويتر
Share on whatsapp
واتس أب
Share on telegram
تيليجرام

هبة خميس

كنتِ تعلمين أن الترام يترنح بين “شدس وجناكليس” ترنحاً كافياً لجعلك تسقطين بين أضلعه، وتضحكين معه على التفاتته المصطنعة لكِ في تلك اللحظة، هكذا ليضبط إيقاع سقوطك وتصبح نقطة ارتكازك الوحيدة هي صدره.

تعلمين أن القطار كان ليوصلك وقتها أسرع، لكن مذاق عناقه كان يجبرك في كل مرة على الإصرار على الترام.

“فعلياً هي  لم تحب القطار، لم تتكيف مع الباعة والمتسولين وقسوة القطار في الترنح بشدة على القضبان مما يجعلها تخشى في كل مرة أن يفقد ارتكازه و يضيع”

 تكرهين انتظارك  الممل ويهون عليكِ الوقت طعم الفول السوداني الساخن على طرف لسانك، وصوت أم كلثوم  تبحث عن أحباب ذهبوا وحب لم ينتهي .

حينما يشغلك تأخره تنتقلين إلى رصيف المحطة في سيدي جابر، تحبين السفر والمسافرين، تتعلق عيناك بحقائب السفر الواسعة والنداءت المتكررة على رقم القطار.

كل شيء كان يدهشك .

لهاث المسافرين، بائع الجرائد، تعبيرات الحزن و الفرحة في العيون.

في إحدى مرات انتظارك المضني انتقلت لرصيف القطار، ربما لتدفئك حميمة الوداع الخالصة هنالك  بعدما خرج القطار ونفض المودعين صدرهم من بقايا عناق ورحلوا، قررتِ أن تجربي القطار تلك الليلة ولحقتِ بقطار أبي قير الذي يشق المدينة الصغيرة بقسوة ليقسمها قسمان “بحري و قبلي”

واجهك الدفء في البداية و اختفى فجأة حينما لمحتي الجالس أمامك.

“كيف كان لي منذ البداية ألا أستقل القطار برغم الزخم  الكبير الذي يواجهني بعيداً عن تقليدية الترام ووجوهه المحفوظة و قوالبه ؟”

كل ملامحه كانت تشي بفعل .يفرك كفيه بشدة لدرجة جعلتك تتوقعين أنه في فعلة مماثلة تم اختراع النار حينما تطايرت شرارات حرارة من كفين يشقيان باقتناص الدفء.

الجالسة بجواره بمعطفها الأحمر و ابنتها الحمقاء كانت تتأفف من رؤيته هكذا ،حركته الميكانيكية و رداؤه البالي و انتكاسة رقبته تنفرهما .

و أنتِ  تقفين بانحناءة العمود الحديدي أمامها  تفركين أرجلك من البرد  ملتصقة بالعمود بينما تجبرك قسوة القطار على الترنح بحدة ، هكذا تترنحين و ترتطمين بالعمود و تعاودين التصاقك .

 يرن هاتفك فجأة تلتقطينه  ،يرتج القطار بقسوة ترميك باتجاه الجالس أمامك ،يرجع عن انكماشه المبالغ فاتحاً صدره متلقياً الهدية التي أرسلها له الله لتدفئه بسكنها تماماً داخل صدره المهتريء  .

تستكينِ في البداية حينما سقطتِ داخل صدره ،صدمتك قسوة البرد داخله فقررتِ أن تهدينه دفئاً يهون عليه ليله البارد .

أهديته بعضاَ من دفئك و حنو نهداكِ للحظات حينما ارتفعت همهمات جانبية  بالاستنكار، تنتزعين عنوة من داخله ليتلقى صفعة تجبره على معاودة الانكماش و السكون .

أما أنتِ فتغادرين العربة مع أول وقفة للقطار تفركين يديكِ بشدة وترحلين. 

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
قاصة مصرية، من مجموعة “زار” المرشحة لجائزة ساويرس لشباب الأدباء 2019

مقالات من نفس القسم

موقع الكتابة الثقافي uncategorized 12
تراب الحكايات
عبد الرحمن أقريش

المجنون