احكى يا شهرزاد.. احكى لعلنا نغير ما بأنفسنا

موقع الكتابة الثقافي
Share on facebook
فيسبوك
Share on twitter
تويتر
Share on whatsapp
واتس أب
Share on telegram
تيليجرام
رامى عبد الرازق  *   فى أحد مشاهد الفيلم، وبينما هبة يونس المذيعة اللامعة تتحدث مع زوجها الصحفى المتطلع عن الحلقة التى قدمتها من برنامجها محاولة أن تنفى صفة السياسة عن طابعها.. يقول لها الزوج «ما هى كل حاجة سياسة».. صحيح هى جملة مباشرة إلا أن سياقها الدرامى فى حوار بين صحفى فى جريدة قومية ومحاورة تليفزيونية يأتى متسقا مع شخصيتيهما، وبالتالى تأخذ الجملة دلالات مهمة جدا فى تأويل هذا العمل السينمائى الجاد.

فحكايات المرأة وقضاياها فى المجتمع تكاد تكون الوحيدة التى تتصل بكل القضايا الأخرى بما فى ذلك الدين والعادات والتطور الحضارى والوضع الاقتصادى والعلاقات الاجتماعية.. وما السياسة إلا كل هذه العناصر مجتمعة ومن هنا تأتى أهمية هذا الفيلم المحكم سياسيا وفنيا إلى حد كبير.

يستعرض وحيد حامد ثلاث حكايات عن ثلاث نساء ينتمين إلى شرائح اجتماعية مختلفة، محاولا أن يقدم لوحة واحدة كبيرة تتحدث عن واقعنا الحالى بشكل يستلهم روح القصاص الشعبى الشهير صاحب الشكل الفذ المعروف بـ«ألف ليلة وليلة».

تبرز قوة حامد فى تحوير الشكل الكلاسيكى إلى فكرة الحكاية داخل حكاية، مستخدما وسيطاً بصرياً قوياً هو برنامج الـ«توك شو» كأحد أهم أشكال التعاطى البصرى حاليا بالنسبة للجمهور.

أضف إلى ذلك فكرة الحلم التى يبدأ بها الفيلم، فهبة تحلم بأن منزلها بلا أبواب وهى كناية بصرية عن فكرة فقدان الستر والشعور بالأمان اللذين يتحققان فى نهاية الفيلم عندما تتحول هى نفسها إلى ضيفة فى برنامجها ويصبح لديها حكاية مثل كل ضيفاتها اللائى جلسن يحكين لها.

والحلم شكل مألوف وحميمى جدا بالنسبة لتكنيك وحيد حامد فى السرد والترميز والكنايات الدرامية، وهى ليست المرة الأولى التى يستلهم فيها القالب التراثى بشكل حداثى (فى «معالى الوزير» كان هناك استلهام لعلاقة هارون الرشيد بجعفر البرمكى)،

وبسلاسة شديدة استطاع السيناريو أن يفتح الدمامل النفسية والاجتماعية تاركا لنا الحكم على أسباب الصديد وافتراض طبيعة العلاج.. وذلك فى شكل سينمائى مرتبط بحكى بصرى. لكن المشكلة تكمن هنا فى متابعة مقاطع طويلة من السرد، مما يفصلنا عن الشكل الخارجى العام للفيلم.

ففى حكاية العانس نزيلة المصح النفسى يطول إيقاع المشهد الرئيسى فى المطعم الذى تتمثل فيه أسباب فشل أغلب مشاريعها للزواج بشكل يهبط بقوة الانفعال، خاصة مع غياب التعليقات التى تتم فى الاستديو بين «هبة» والضيفة،

والتى تجعلنا أكثر تركيزا على نقاط الجدل والمشكلات فى الحكاية من خلال تمهيد الضيفة أو سؤال هبة ويتكرر هذا العيب السردى فى حكاية الأخوات الثلاث اللائى وقعن فى حب شاب واحد انتهى الأمر إلى قتله على يد أكبرهن (فى أجواء «بيت من لحم» ليوسف أدريس) حيث تطول فصول الحكاية دون أن نرتد إلى الواقع الآنى فى الاستديو لنلتقط الأنفاس ونعيد ترتيب أفكارنا كمتلقين، وبالتالى يزداد حماسنا للمتابعة ولهفتنا لمعرفة بقية الحدوتة.

كان من الممكن أن يلعب المونتاج دوراً مهماً فى هذا الشكل من الحكى كما حدث بالفعل فى أجزاء أخرى من الفيلم خاصة مع الخطة البصرية المحكمة للمخرج يسرى نصرالله فى التعامل مع الشكل الحكائى والحسية الشديدة التى تغلف فيلما يتحدث عن المرأة (الجسد والعقل). حيث استغل يسرى الشخصية البصرية المعروفة لبرامج التوك شو فى تقديم عدة مستويات لونية وتكوينية ذات دلالات تخص حكايات الشخصيات وأسئلة المذيعة وذلك فى أغلب اللقطات التى ظهرت فيها شاشة البلازما الخلفية فى الاستديو،

حيث يتضح الفرق بين كتلة رأس ووجه المذيعة وكتلة رأس ووجه الضيفة فى لحظات معينة من الحكى، كذلك عملية الكناية البصرية الحسية عن الحالة النفسية للبطلة من خلال شكل ووضع ساقيها وقدميها. فهى شخصية حسية جداً فى علاقتها بزوجها وفى ملابسها وفى أسئلتها المتعلقة بالحياة الجنسية،

لقد جاء التعبير البصرى عن هذا البعد الحسى من خلال عضو فنى جداً هو القدم فى مشاهدها مع زوجها حين يضرب قدمها المرفوعة فى وجهه أو فى هزة قدمها حين تتوتر.

استطاع يسرى أن يقدم استعارات لونية جيدة فيما يخص الإضاءة المعبرة عن الواقع النفسى للشقيقات الثلاث، حيث إضاءة البيت الذى بلا رجل تبدو كئيبة وإضاءة المحل الذى يعمل فيه الشاب الذى يمثل محور شهوتهن لامعة وقوية مثل فحولته..

حتى مشاهد لقاءاته الجنسية معهن كانت أكثر إضاءة من مشاهد بيتهن لأنها لحظات توهج يعبر عن سر سقوطهن الجسدى معه.

تبدو حكاية «بنت الناس» المضحوك عليها من وزير.. أقل حكايات الفيلم قوة على مستوى تكنيك السرد أو الشخصية البصرية، يضاف إليها تابوهات نمطية مثل ارتداء هبة «أيشارب» فى المترو لأن كل من حولها محجبات، وهو موقف لا محل له من الإعراب.

يأتى أداء منى زكى ملما بأبعاد الشخصية سواء على المستوى الجسدى حيث تبدو أكثر أنوثة، وينطق جسدها بحسية الشخصية، أو على المستوى الافتعالى فى شخصية المذيعة التى تهتم طوال الوقت بطريقة كلامها وحديثها المنمق وكأنها فى حالة تقديم برامج طوال ٢٤ ساعة..

وهى أكثر أبعاد الدور صعوبة، حيث الأداء بلا افتعال لشخصية يغلب عليها الافتعال! وربما كان الشكل الحسى الذى استطاع يسرى أن يبرزه فى منى هو سر الهجوم «الخائب» عليها فيما يخص الدور.

أداء منى كان نظيفا فى دراما سياسية نظيفة امتزجت فيها رؤى مدرستين مختلفتين حيث ثبت سيناريو حامد قدمى نصرالله على الأرض بعيداً عن شطحاته فوق الواقعية واستطاع نصرالله أن يؤطر بصريا الدراما الاجتماعية بشكل يفتح أفقها على كل التأويلات،

السياسى منها والفلسفى أيضا ولا يمكن أن نتحدث عن امتزاج المدرستين دون أن نتحدث عن الخريجين الجدد الذين تفوقوا فى أداء امتحاناتها الصعبة وعلى رأسهم رحاب الجمل التى تذكرنا بعبلة كامل فى بداياتها- باستثناء جرأة رحاب – ومحمد رمضان بتلقائيته وعفويته.

 

ريفيو

تأليف: وحيد حامد

إخراج: يسرى نصرالله

بطولة: منى زكى

إنتاج: كامل أبو على

مدة الفيلم: ١٥٠ دقيقة

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

ناقد سينمائي مصري

مقالات من نفس القسم