إيزابيل الليندي: كل قصة هي بذرة في داخلي

موقع الكتابة الثقافي
Share on facebook
فيسبوك
Share on twitter
تويتر
Share on whatsapp
واتس أب
Share on telegram
تيليجرام

800x600

Normal 0 false false false EN-US X-NONE AR-SA MicrosoftInternetExplorer4 /* Style Definitions */ table.MsoNormalTable {mso-style-name:"Table Normal"; mso-tstyle-rowband-size:0; mso-tstyle-colband-size:0; mso-style-noshow:yes; mso-style-priority:99; mso-style-parent:""; mso-padding-alt:0cm 5.4pt 0cm 5.4pt; mso-para-margin:0cm; mso-para-margin-bottom:.0001pt; mso-pagination:widow-orphan; font-size:10.0pt; font-family:"Times New Roman","serif";}

إيزابيل الليندي

ترجمة: ناصر البريكي

لماذا أكتب؟

أحتاج أن أروي قصة. إنه هاجس. كل قصةٍ هي بذرة في داخلي، تبدأ في النمو والنمو، مثل ورم، ويجب عليّ أن أتعامل معها عاجلاً أو آجلاً. لماذا قصة بعينها؟ أنا لا أعرف ذلك عندما أبدأ. ولكنني أتعلم ذلك فيما بعد.

على مرّ السنين اكتشفتُ أن كل القصص التي رويتها، كل القصص التي سأرويها على الإطلاق، مرتبطة بي بشكل أو بآخر. عندما أتكلم عن امرأة في العصر الفيكتوري ترحل عن الأمان في بيتها وتأتي مطاردةً حمّى الذهب في كاليفورنيا، فأنا أتكلم عن الأنثوية، عن التحرّر والانعتاق، عن الأمور التي مررتُ بها في حياتي الخاصة، هاربةً من عائلة تشيلية، كاثوليكية، محافظة، بطريركية، فيكتورية.. خارجة إلى العالم.

 

عندما أبدأ بكتابة كتاب، فأنا لا أملك أدنى فكرة إلى أين سيذهب. إذا كانت رواية تاريخية أكون قد بحثت في الفترة الزمنية والمكان، ولكنني لا أدري ما هي القصة التي سأرويها. أنا فقط أعرف بأنني أريد – بشكل رقيق وخفي – أن أوقع تأثيراً على قلب القارئ، وعقله.

أعتقد بأن يمكن لقرائي أن يفاجئوا عندما يعرفون كم أنا انتقائية مع اللغة. كيف أقرأ فقرةً بصوتٍ عالٍ، وإذا كانت هناك كلمات مكرّرة، فهذا لا يعجبني. أتفحّص أعمالي المترجمة للإنجليزية سطراً بسطر. ترسل لي مترجمتي مارغريت من 20 إلى 30 صفحة، وعندما أجد كلمة واحدة لا تتطابق والمعنى الذي كنت أرمي إليه، أستعين بالمعجم.

مهمٌ جداً بالنسبة لي، أن أجد الكلمة المحددة التي سوف تخلق الشعور أو تصف الحالة. أنا انتقائية جداً في هذا الجانب، لأنها المادة الوحيدة التي نملكها: الكلمات. ولكنها مجانية، لا يهم كم مقطعاً لفظياً تحوي: مجانية! يمكنك أن تستخدم منها بقدر ما تريد، إلى الأبد!

أنا أكتب بالأسبانية. أستطيع أن أكتب خطاباً بالانجليزية، ولكن كتابة الخيال تحدثُ في الرّحم، ولا تتم معالجتها في الذهن حتى تشرع في المراجعة والتصحيح. ولكن رواية القصص تأتي إليّ بالأسبانية. الأمر يشبه ممارسة الحب، لا أستطيع أن أعشق بالإنجليزية، إنها لا تحدث بهذه الطريقة.

أحاول أن أكتب بشكلٍ جميل ونافذ. في اللغات الرومانسية مثل الاسبانية، الفرنسية والايطالية هناك طريقة مزهرة لقول الأشياء، لا تجدها بالانجليزية. يقول لي زوجي بأنه يستطيع أن يعرف دائما إذا وصلته رسالة بالأسبانية: الأظرف ثقيلة! بالإنجليزية، الرسالة هي فقرة، وأنت تذهب إلى الفكرة مباشرة، بالإسبانية هذا غير لائق.

القراءة بالانجليزية، والحياة بالإنجليزية، علمتني أن أجعل اللغة جميلة بقدر الإمكان، ولكن دقيقة. الإفراط في النعوت، الإفراط في الوصف – تجاوزه، ليس ضرورياً. التحدث بالإنجليزية جعل أسلوبي في الكتابة أقل فوضوية. أنا الآن أحاول أن أقرأ روايتي بيت الأرواح، ولا أستطيع. يا إلهي. كل هذه النعوت؟ لماذا؟ كل ما كان عليكِ فعله هو استخدام اسم واحد جيّد بدلا من ثلاثة نعوت!

عندما أحكي قصة عن العبودية، أقولها بلسان المستعبد وأنظر للعالم بعينه. أنا أيضاً ألج قلب السيد. أريد لقارئي أن يحسّ بالعبد، أن يفهم معنى ألا يكون حرّا.

في كل كتبي هناك نساء قويات يتغلبن على عوائق عظيمة لكي يكتبن أقدارهن. أنا لا أحاول أن أخلق نماذج تقلدها النساء. كل ما أريده من القارئات أن يجدن القوة، ومن القرّاء أن يفهموا معنى أن تكون امرأة. أن يجدوا التعاطف.

أظن أن هذا كل شيء، آه لحظة، أنا إنسانة غير قابلة للتوظيف، ماذا يمكن أن أفعل غير ذلك؟

الجحيم هو السابع من يناير

أبدأ كل كتبي في الثامن من يناير، هل يمكنكم تخيل السابع من يناير؟ إنه جحيم!

كل سنة، في السابع من يناير، أبدأ بتجهيز مساحتي الملموسة. أخليها من كل كتبي الأخرى وأبقي على المعاجم، والمسودات الأولى، والمواد التي تحوي البحوث للعمل الجديد. وفي الثامن من يناير، أخطو ١٧ خطوةً من المطبخ إلى الملحق الصغير المقابل للمسبح حيث مكتبي، هذه الخطوات هي بمثابة رحلة إلى عالم آخر. إنه الشتاء، وعادة ما يكون الجو مُمطراً، أمشي بمظلتي وكلبي يتبعني. من هذه الخطوات السبعة عشر أنا في عالم آخر، أنا شخص آخر.

أذهب إلى هناك خائفة، متحمسة، وخائبة الآمال – لأنني أملك فكرة من النوع الذي هو في الحقيقة ليس فكرة. الأسابيع الأولى، الثانية والثالثة والرابعة تذهب هدراً. أنا فقط أسجل حضوري أمام شاشة الكومبيوتر، أحضر، وأحضر، وأحضر، وبعد مدة تحضر لحظة الالهام. إذا لم تحضر مدعوّة، ففي النهاية سوف تحضر وحسب.

الجنة أن يحضر الالهام.

عندما أشعر أن القصة قد بدأت في التقاط إيقاعٍ ما – الشخوص تتشكل، أستطيع أن أراهم، أن أسمع أصواتهم، وهم يفعلون أشياء لم أخطط لها، أشياء لم يكن بوسعي أن أتخيّلها – حينها أعرفُ بأن الكتاب موجود في مكان ما، وكل ما علي فعله هو أن أجده وأجلبه – كلمة كلمة – إلى هذا العالم.

وبعدها تتغير حياتي وتصير عملية مختلفة تماما من الإثارة والوسوسة والتوتر. أستطيع أن أعمل لـ ١٤ ساعة! مجرد الجلوس طوال ذلك الوقت أمر صعب. قام ابني ببرمجة الكومبيوتر بحيث ينبهني كل ٤٥ دقيقة كي أنهض، وإذا لم أفعل، أتصلّب بحيث أعجز عن النهوض في نهاية اليوم.

أنا أصحّح إلى حد الإنهاك، وفي النهاية أستسلم. الرواية دائماً غير منتهية تمامًا، ودائمًا ما أفترض بأنها يمكن أن تكون أفضل، ولكنني أبذل قصارى جهدي. مع الوقت، تعلمت تجنب التصحيح المبالغ فيه، عندما حصلت على جهاز الكومبيوتر لأول مرة واكتشفت كم هو سهل تغيير الأشياء إلى ما لانهاية، صار أسلوبي أكثر صلابة.

هناك سحرٌ مؤكد في ما هو عفوي. أريد للقارئ أن يشعر بأني أحكي له القصة شخصيا. عندما تحكي قصة في المطبخ لصديق، فهي مليئة بالأخطاء والتكرار. أحاول أن أتجنب ذلك في الأدب، ولكنني ما زلتُ أريدها حوارا، كما هو قص القصص عادة. إنها ليست بمحاضرة.

من الصعب إيجاد هذا التوازن. ولكنني أكتب منذ ثلاثين سنة، والآن أنا أعرف عندما أبالغ في الأمر. أقرأ روايتي بصوت عالٍ، إن لم تكن مثل الطريقة التي أتكلم بها، أغيّرها.

كتابة أَمَة هاييتية من القرن الثامن العشر

يجب أن أكون حذرة جدا مع الحوار، لأن كتبي تترجم إلى 35 لغة. من الصعب أن تترجم الحوار. اللهجات تتغير ويصبح الكتاب قديما. أنت لن تعرف أبدا كيف يمكن ترجمة حوارات شخصياتك إلى الرومانية، إلى الفيتنامية. لهذا لا أستخدم الكثير من الحوار، وما أستخدمه، أحاول أن أبقيه بسيطا.

في “الجزيرة تحت البحر” لم يكن ممكنا للأَمَة أن تكون أكثر اختلافا عني، فيزيائيا ووجدانيا. فهي امرأة أفريقية طويلة، ولكنني أعرف كيف سأشعر لو كنت مكانها. عندما أكتب: فأنا الأَمَة. أنا في المزرعة. أحسّ بالقلب، أشمّ الروائح.

أن تستعبدك حكاية، فهذا مرض. إنني أحملُ القصة في داخلي طوال اليوم، طوال الليل، في أحلامي، في جميع الأوقات. كل شيء أراه، كل شيء يحدث، يبدو لي وكأن الكون يتحدث معي لأنني أوصّل القصة. أشعر بأنني منيعة. من الممكن أن تكون القصة هي الأكثر رعبا، ولكنني سعيدة تماما.

عندما كنت أكتب كتابي الأخير “الجزيرة تحت البحر” مرضتُ إلى حدٍ فظيع حتى ظننت بأنني مصابة بسرطان في المعدة. واصلتُ التقيؤ، ولم أقدر على الاستلقاء، وكان علي أن أنام جالسة. قال لي زوجي “إنه جسدك يتفاعل مع القصة، عندما تنهين الكتاب ستكونين بخير”، وهذا ما حدث بالضبط.

أفضل وقت: أوّل وقت.

تلقيت هدايا كثيرة بصفتي كاتبة. فزت بجوائز ومكافآت. تحولت كتبي إلى أفلام ومسرحيات، حتى أنني كنت حاملة للعلم في أولمبياد الشتاء في تورونتو – إيطاليا في 2006. هل يمكنك أن تتخيل؟ لقد مشيت في الأستوديو خلف صوفيا لورين وقبل سوزان ساراندون. لديّ صورة رائعة للاحتفال. ترى فيها صوفيا لورين، جميلة، طويلة، أنيقة، ثم العلم، ثم فجوة، ثم سوزان ساراندون، جميلة أيضا. إنني بطول خمسة أقدام، وأنا تحت العلم. غير مرئية.

ولكن أفضل وقتٍ بالنسبة لي كان في 1981. عندما كنتُ أكتب روايتي الأولى. لم يكن ثمة طموح في الأمر، لا أمل بالنشر، لا ضغط من أي نوع. لم أكن قد عرفتُ بعد بأنني كاتبة. لقد عرفتُ ذلك بعد أن نشرت كتابي الرابع فقط. لذا لم تكن عندي أية توقعات، فقط حرية أن أروي قصة، لغاية القصّ ذاتها.

كنتُ أعمل في مطبخي في “كاراكاس” ليلا، على آلة كاتبة متنقلة. آلة كاتبة! حتى لا يكون بإمكاني أن أخطئ. عندما أنهيتُ الكتاب عرضته على أمي. قالت: لماذا أطلقتِ على أسوأ شخصية في الكتاب اسم والدك؟”. أنا لم أتلقِ بأبي قط، ولكنني قلت: “لا مشكلة، سوف أغير الاسم”. لذا كان علي أن أجد اسما للشخصية بنفس عدد الأحرف، ثم كان علي أن أخوض في 500 صفحة، أدخل الاسم الجديد في كل واحدة.

كان بإمكاني أن أقتطع من الصفحات بالمقص، وألصق التصحيح عليها. بعض الصفحات تضمنت الكثير من التصحيحات. كان بإمكانها أن تنهض وتمشي.

ولكن الحرية! لقد كان ذلك وقتا رائعا. عدم الاكتراث بشأن أي شيء بخلاف القصة، أن أحمل نسختي الوحيدة من الكتاب إلى كل مكان، ضاغطة إياها على صدري، مثل طفل حديث الولادة.

أسوأ وقت: أن تجفّ.

توفيت ابنتي باولا في السادس من ديسمبر 1992. في السابع من يناير 1993، قالت أمي: غدا هو الثامن من يناير، إذا لم تكتبي، سوف تموتين.

أعطتني الـ 180 رسالة التي كتبتها لها عندما كانت باولا في غيبوبة، ثم ذهبت إلى “ماسي”. عندما عادت بعد ست ساعات، كنتُ في بركةٍ من الدموع، ولكنني كنت قد كتبت الصفحات الأولى من “باولا”. الكتابة دائما ما تعطي شكلا من النظام لفوضى الحياة. إنها تنظم الحياة والذاكرة. وحتى يومي هذا، فإن ردود القراء تساعدني لكي أحس بابنتي حية.

ولكن بعد أن كتبت “باولا” أصبت بحبسة الكاتب. كنت أحاول أن أكتب يوميا، ولكنني كنت جافة من الداخل. بعد سنتين من اليأس، قابلت آني لاموت في مكتبنا المحلية المستقلة “بوك باسج”. سألتني إذا ما كنت أتحسن، قلتُ: لا. أنا أسوأ. قالت: أوه، إيزابيل، إن احتياطياتك فارغة، يجب عليك ملؤها. قلت: كيف يمكنني أن أملأها؟ قالت آني: سوف تجدين طريقة لذلك.

كانت آني محقة. ذهبت مع زوجي وصديق إلى الهند. لقد هزني ذلك. سألت نفسي: لماذا أشكو وأتذمر في حين هناك الكثير من الأسى والحيرة في العالم؟ من أنا لكي أركز على نفسي فقط؟ كان هذا أمرًا رائعا.

عندما عدتُ إلى الوطن، كنت ما أزال غير قادرة على كتابة الخيال، لذا أوكلتُ لنفسي بمهمة، قلتُ لنفسي إن بإمكاني أن أكتب عن أي شيء، طالما أنه ليس في السياسة أو كرة القدم.

كنت بحاجة إلى موضوع يكون أبعد ما يمكن عن “باولا”، لذا كتبتُ “أفروديت”. كتاب واقعي عن الجنس والشراهة.

إذن، بتّ أعرف بأنني إذا ما أصبت بحبسة الكاتب، فيمكنني أن أكتب في غير الخيال. كتابة المذكرات لها إيجابياتها، فأنا أعرف بأنه لا يمكن ابتزازي، لأنني لا أخفي أية أسرار.

ولكنني لا أزال خائفة من ألا أكون قادرة على الكتابة. الأمر أشبه بابتلاع الرمل. إنه مروّع.

نحو المستقبل

كتابة القصص والأدب سيكونان موجودين على الدوام، ولكن أي شكل سيتخذان؟ هل سنكتب الروايات لكي يتم تمثيلها؟ القصة سوف توجد، ولكن كيف؟ لا أدري. الطريقة التي توجد من خلالها قصصي هي أن تنشر في شكل كتاب. في المستقبل، إن لم تكن هذه هي طريقة رواية القصص، سوف أتكيّف.

اللغة هي ما يهم بالنسبة إلي. رواية قصة لخلق عاطفة، توتر، إيقاع .. هذا هو ما يهم بالنسبة لي.

 

 

 

 

مقالات من نفس القسم