حين كتبت في وسائل التواصل الاجتماعي أنني بصدد الحوار مع الروائية التشيلية أمطرت بوابل من الأسئلة من الأخوة والأخوات محبي وقراء أدب إيزابيل الليندي، شعرت حينها أنني في مأزق من شقّين، الأول أن ضيفتي روائية عالميّة بذلت أكثر من خمس وثلاثين عاماً من عمرها في كتابة الرواية، وضعتها في مصاف أهم الكتّاب في العالم، ومن أبرز المرشحين لجائزة نوبل للأدب سنوياً، والثاني كيف أحاورها أمام هؤلاء القراء الذين يعرفونها ربما أكثر منّي، وبالرغم من أنني قرأت معظم رواياتها إن لم يكن كلها، فضلاً عن أني قد قمت بجمع كل ما كتبته بالإنجليزية من مقالات ومحاضرات وأهم ما أجري معها من حوارات ضمنتها كتابي الصادر العام الماضي (شهرزاد أميركا اللاتينية)، إلا أن كل ذلك لم يزل عني للحظة إحساس التوتر، بل ربما ضاعفه، وضاعف مسؤوليتي تجاه هذا الحوار، بأن أخرج من هذه الضيفة بأثمن الأجوبة لأهم الأسئلة التي قد تدور ببال قارئ ما،اهتديت فيما بعد لما ظننت أنه حلاً، فوضعت أسئلتي وانتخبت من أسئلة القراء ما استطعت ودفعت بها إلى الكاتبة فأجابت بما يلي:

*ما الذي بدأت بكتابته في الثامن من يناير الماضي؟

-لم أبدأ كتاباً جديداً هذا العام، لأني لم أنُهِ الكتاب الذي بدأته في 2016م، «في خضم الشتاء»، هذا العام كان للبحث في الرواية القادمة والكثير من الأسفار.

*تحدثت في روايتك الأخيرة (العاشق الياباني) عن الموت والشيخوخة، هل لأن هذا هو ما يخيفك الآن؟

-يبلغ والداي من العمر 101 عام و96 عاماً على التوالي، لذا فأنا شاهدة على دمار الشيخوخة. إنهما معتنى بهما جيداً في تشيلي، يعيشان في منزلهما الخاص، مع أربع نساء ودودات يتناوبن على رعايتهما. هما حالة استثنائية، قليل من الناس يمكنه أن ينهي الحياة مثلهما، بكرامة وارتياح. أجل، إنني خائفة من الشيخوخة، ولا أريد أن أعيش إذا ما حدث لي إعاقة أو ذهب عقلي. أما الموت فإنني لا أخاف منه مطلقاً

*لماذا اخترت امرأة يهودية ورجلاً يابانياً كأبطال لروايتك؟

-استوحيت الرواية من صديقة والدتي، امرأة يهودية تبلغ من العمر 82 عاماً، وقد كانت صديقة (أو ربما عاشقة) لرجل ياباني هو ابن لأحد المهاجرين اليابانيين. حين قررت أن أكتب عنهما لم أفكر بتغيير حقيقة أن أحدهما امرأة يهودية والآخر رجل ياباني، اعتقدت أن ذلك سيثري القصة.

*كتبت عن شخصيات مختلفة عنك ثقافياً، كيف تمكنت من التغلب على الحواجز الثقافية؟

-لا أعتقد أن الاختلافات الثقافية هي حواجز. تعلمت ككاتبة أن استمع بعناية، أن أطلب من الناس أن يرووا لي حكاياتهم، وأن أنظر لهم بعين الاحترام، وأرى إنسانيتهم، لا أحد يظل غريباً حينما تقترب منه.

*مرت حياتك بالعديد من المراحل والمنعطفات، لكن ثمة بعض الأحداث التي كنت دائماً ما تكرريها في حواراتك وأحاديثك مثل وفاة ابنتك باولا والانقلاب العسكري الذي حدث في بلدك عام 1973م، لماذا كل هذا التكرار؟

-الأحداث التي شكلت قدري هي: حقيقة أن والدي تخلى عن أسرته حينما كنت في الثالثة من العمر، والانقلاب العسكري في تشيلي الذي غيّر بلدي وأجبرني على المنفى، وزواجي من الرجل الأميركي الذي أتى بي إلى كاليفورنيا كمهاجرة، وموت ابنتي، الحزن الأعظم في حياتي. فلأبيّن شخصيتي والكتب التي كتبتها، يجب أن أذكر هذه الحقائق.

*إنك معروفة باستثمار ما يواجهك في حياتك الشخصية وتحويله إلى أدب، وهذا معروف في كتبك مثل (باولا) و(الخطة اللانهائية) وغيرها، فهل يمكن أن تحولي طلاقك من زوجك السابق وليام غوردون إلى رواية مستقبلاً؟

-لا أعتقد أنني سأكتب بشكل مباشر عن طلاقي لكني كنت أكتب عن مشاعري في السنوات القليلة الماضية، بعد أن انتهى زواجي. في رواية (العاشق الياباني) استكشفت الحب والشعور بالوحدة، وحاولت أن أجيب على بعض الأسئلة: لماذا ينتهي الحب؟ ولماذا يستمر؟ وهل من الممكن أن تقع في الحب مجدداً في سن الشيخوخة؟ وكيف هي الحياة دون رفيق؟. تتناول روايتي الحالية أيضاً، التي ستنشر بالإنجليزية في نوفمبر، مسألة الحب الناضج.

*كتبت مذكرات وروايات للفتيان وروايات تاريخية وأخرى رومانسية ورواية بوليسية، لماذا؟ وهل يجب أن يكون الروائي ملماً بجميع أنواع الرواية؟

-إنني غريبة وأحب أن أتحدى نفسي. تهمني معظم الأنواع، لهذا جربتها.إنني أبحث بعناية، واغتنم وقتي بالمراجعة على نحو واسع وأنا على ثقة أنه بالخيال والإلهام يمكنني أن أكتب عن أي شيء تقريباً.

*بالرغم من أنك كتبت عدداً من الروايات إلا أنك لم تكتبِ سوى مجموعة قصصية وحيدة هي (حكايات إيفالونا). لماذا؟

-القصص القصيرة صعبة للغاية. حين تكون جيدة، فإنها كالشعر، كل كلمة محسوبة، ليس ثمة وقت ولا مساحة لإضافة المزيد. إنني أشبّه القصص القصيرة بإطلاق سهم، حيث تحتاج إلى الدقة والسرعة والجهد والتصويب الجيد لإصابة الهدف. أما الرواية فهي أسهل بكثير، إنها مثل تطريز نسيج متعدد الخيوط، حيث تحتاج إلى الصبر والوقت فقط.

*بم تشعرين عند الانتهاء من رواية ما؟

-أشعر بالسعادة. حيث إن الشخصيات ستغادر منزلي وسأنساهم خلال وقت قريب لأن قصصاً أخرى تنتظر أن تروى.

*كيف تقيمين روايتك الأولى(بيت الأرواح) بعد كل هذه السنوات؟

-مازال الكتاب يطبع بـ 35 لغة، ويدرس في المدارس والجامعات، ويسمى بالرواية الكلاسيكية المعاصرة، لذا أعتقد أنه يمكنني القول: إنه كان ناجحاً جداً. إنني ممتنة للغاية لـ(بيت الأرواح)، فهو مهّد الطريق لجميع كتبي الأخرى.

*ما السؤال الأول الذي يتبادر إلى ذهنك عند بدء رواية ما؟

-السؤال الأول في الغالب حول الزمان والمكان. أين ومتى ستحدث القصة؟ وهذا يعطيني نقطة البدء في البحث.

*إنك الآن في الخامسة والسبعين من العمر، فهل تنضب القصص في هذا السن أم تزداد؟ وهل يمكن للكاتب أن يعتزل؟

-إن رأسي وقلبي مليئان بالقصص. لا أنوي الاعتزال، ولكنني سأتوانى في مرحلة ما.

*لماذا لا تكتبي رواياتك بالإنجليزية مباشرة؟

-يمكنني أن أكتب ما سوى السرد بالإنجليزية سواء (خطاب أو مقال صحفي) لكن ليس السرد.

*هلّا كشفت لنا سرّاً من أسرار كتابة الرواية؟

-ليس ثمة أسرار، إنه لا يعدو سوى حب رواية القصص والالتزام.

*هلّا كشفت لنا خطأ ما وقعت به في إحدى رواياتك؟

-لقد ارتكبت العديد من الأخطاء لكن القراء عادة يغفرونها أو لا يلاحظونها. كما قلت من قبل: الرواية مثل نسيج المكرونة. تضيع الأخطاء في التصميم والأنسجة الملونة.

*من بين كل رواياتك، ما هي الرواية الأقرب إلى قلبك، والرواية الأصعب والأسهل؟

-الأقرب إلى قلبي هي (باولا). والأصعب في الكتابة هي روايتي الثانية (عن الحب والظلال)، لأن نجاح روايتي الأولى (بيت الأرواح) أحدث توقعات كبيرة لدى القراء والناشرين. أما الأسهل فهي رواية (زورو) لأن الشخصية كانت موجودة سلفاً.

*أخيراً، ما الذي تودّين قوله لقرائك العرب؟

أودّ أن أشكرهم من كل قلبي لقرائتهم كتبي. فالكتاب الذي ألهمني الكتابة في البداية هو كتاب (ألف ليلة وليلة)، الذي قرأته في سن المراهقة حين كنت أقيم في لبنان. لقد أثارت مخيلتي فانتازية وإيروتيكية ولون ونكهة تلك القصص. إنني لم أصبح كاتبة إلا بعد ذلك بسنوات عديدة، لكن حب رواية القصص قد بدأ حينئذ.

………….

*عن صحيفة “الرياض”