“إخوة يوسف” كما رواها توماس مان

موقع الكتابة الثقافي
Share on facebook
فيسبوك
Share on twitter
تويتر
Share on whatsapp
واتس أب
Share on telegram
تيليجرام

جوزيف ابشتاين... ترجمة: أحمد فاضل

أي شخص يحب القراءة ولديه طموحات أدبية، ما إن يقرأ للكاتب الألماني "توماس مان" حتى يدرك أنه أمام كاتب رائع، ليس من السهولة فهمه لعمق كتاباته ولمسحتها الفلسفية التي تغلب معظمها، كما في: "الجبل السحري" أو "الموت في البندقية" التي من المرجح أنه كتبهما في المصحة السويسرية، التي كان يعالج فيها من السل الذي أصابه، وأظنني وجدت في قراءة رائعته "إخوة يوسف" التي كتبها بـ 1207 صفحة، لغة لا تخلو من تعقيد لكنها غنية بأحداثها.

 

جوزيف ابشتاين… ترجمة: أحمد فاضل

أي شخص يحب القراءة ولديه طموحات أدبية، ما إن يقرأ للكاتب الألماني “توماس مان” حتى يدرك أنه أمام كاتب رائع، ليس من السهولة فهمه لعمق كتاباته ولمسحتها الفلسفية التي تغلب معظمها، كما في: “الجبل السحري” أو “الموت في البندقية” التي من المرجح أنه كتبهما في المصحة السويسرية، التي كان يعالج فيها من السل الذي أصابه، وأظنني وجدت في قراءة رائعته “إخوة يوسف” التي كتبها بـ 1207 صفحة، لغة لا تخلو من تعقيد لكنها غنية بأحداثها.

قراءتي لها كانت منذ خمسة عشر عاما أو نحو ذلك، مع أنني لم أطالع منها سوى 60 صفحة، وبعد كل تلك السنوات عثرت على نسخة منها نظيفة في متجر للكتب المستعملة، فكان لي أن أغتنم هذه الفرصة مرة أخرى لمعاودة قراءتها، وقد اكتشفت أنها تحفة حقيقية لأن “توماس مان” اختارها، والكثير من القراء يعرفون أن قصتها غير عادية على الإطلاق، وقد كتبها على مدار 16 عاما، يعيد فيها قصة مألوفة من سفر التكوين حدثت في العهد القديم، أو كما كان يعرف بفترة العمارنة التي عاش فيها يعقوب ابن إسحاق وأبنائه الاثني عشر، كان يوسف أكثر إثارة للإعجاب بينهم، والذي لفت انتباه فرعون مصر، ليصبح بعدها مسئولا عن خزائنها بعد تفسيره للسنوات العجاف التي حلم بها الفرعون، ومتناولا فيها الخيانة والغدر في أبشع صورهما، وزوجة العزيز “بوتيفار” التي راودته عن نفسه، وغرور السلطة، والصبر، والإيمان، والتخطيط السليم الذي ينم عن عقلية جبارة تتخطى المألوف، والتسامح الذي لا حدود له، كلها في سرد لا يخلو من سحر.

أنفق “مان” 80 صفحة من ملحمته في تصوير خيانة زوجة “بوتيفار”، ومحاولتها إغواء يوسف ثم اتهامه زورا بمحاولة اغتصابها، بعد ان رأت منه تمنعا وصدودا، مما جعل من عزيز مصر سجنه، كما ورد في النص الأصلي من السفر، وأحداث أخرى كثيرة منها حديث الزوجة مع النسوة اللاتي قطعن أيديهن، وأساليب الإغواء التي اتبعتها مع يوسف، بوصف مقنع استغرق منه 16 عاما لإكمال الرواية، بدءا من عام 1926 حتى عام 1942.

ولغرض الوقوف على الأماكن الحقيقية التي جرت عليها تلك الوقائع، فقد سافر عام 1930 الى الشرق الأوسط، حيث زار دلتا النيل حتى أسفل النوبة، وهي الأماكن التي يرجح أن تكون قد استقبلت أحداث الرواية الحقيقية، في سنواتها الصعبة التي مر بها يوسف، الزيارة هذه يقول عنها “مان” إنها منحته القوة للاستمرار في كتابة الرواية، غير أن ألمانيا سرعان ما أصيبت بكساد اقتصادي كبير، إضافة الى بقع كثيرة من العالم خلال تلك السنوات، نتيجة لتداعيات الحرب الكونية الأولى، ونجاح هتلر في انتخابات الرايخ الألمانية عام 1930، ما جعل “مان” يؤجل كتابتها مؤقتا، وكان من السهل عليه التعرف على الأخطار التي تهدد الديمقراطية الوليدة في بلاده، بمشاركته تشكيل جبهة لمواجهة اليمين المتطرف، مشيرا في نفس العام الى التحذير على الانقلاب على الحياة البرلمانية، وبعد وصول الحزب النازي الى الحكم عام 1933 لم يبق أمامه غير الهجرة، بعد ذلك قام النازيون بسحب الجنسية عنه عام 1936 وبعد أن قضى بضع سنوات في السويد، اضطر مجددا للهجرة الى الولايات المتحدة والإقامة فيها مع عائلته.

“يوسف وإخوته” عمل كبير تضافرت فيه الدراسة المعمقة والخيال الخصب، تسلل خلالها المؤلف الى ثقافة اليهود وكتابها المقدس، وثقافة أخرى أكثر غرابة هي لقدماء المصريين، وقد قال “مان” في وقت مبكر من شروعه بكتابة الرواية: أنه لا يخفي كم لاقى من صعوبة وهو يكتب عن أناس، لا يعرف بالضبط من هم؟ مضيفا لمسات رائعة أخرى بحديثه عن حب يعقوب النبي لـ “راحيل” التي تزوجها فيما بعد، مقارنا بينها وبين زوجة “بوتيفار” التي عشقت يوسف دون أن يبادلها ذلك العشق المحرم، مع ملاحظة أن يوسف كان على علم بالدور الذي رسمه الله له، ما أعطاه الشجاعة لتحمل كل تبعات الحياة وهو القادر على نصره.

“توماس مان” قال في “يوسف وإخوته” إنه صنع تحفة ستتذكرها البشرية مع تقادم الزمن، مع أنها بنيت على ماض لن ننساه أبدا.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

جوزيف ابشتاين

كاتب أمريكي ولد عام 1937 في شيكاغو، وقد عرف بكتابة المقالات والقصة القصيرة، عمل محررا في مجلة “الباحث الأمريكي” كما حاضر في جامعة نورث وسترن من عام 1974 حتى 2002، وشارك أيضا كمحرر في ويكلي ستنادارد، تقلد وسام العلوم الإنسانية من قبل المؤسسة الوطنية الأمريكية للعلوم الإنسانية، وله عدة كتب منها كتابه الأخير الذي سيتم نشره هذا الخريف بعنوان: “مقالات في السيرة الذاتية “و “إخوة يوسف” هو أحد هذه المقالات.

 

عن صحيفة:  وول ستريت جورنال – 24 أغسطس 2012

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

أحمد فاضل

مترجم وناقد – العراق

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

 

خاص الكتابة

مقالات من نفس القسم

محمد العنيزي
كتابة
موقع الكتابة

أمطار