أولاد الحور.. عندما تقف القصة القصيرة على الأطلال

موقع الكتابة الثقافي
Share on facebook
فيسبوك
Share on twitter
تويتر
Share on whatsapp
واتس أب
Share on telegram
تيليجرام

د. سيد ضيف الله

الوقوف على الطلل سنة من سنن الشعر العربي منذ الجاهلية وحتى العصر العباسي؛ حيث كان من عادة الشعراء أن يستهلوا قصائدهم بالوقوف على بقايا ديار الأحبة وأحيائهم وكان هذا طبيعيًا في ظل عادة العرب في الترحال من مكان لمكان، لكن العادة استمرت دون مبرر بعد الاستقرار في الحضر، وفي العصر العباسي أصبح الخروج على هذه العادة سمة من سمات الحداثة في الشعر.والسؤال هو: لماذا تحدث نقاد العرب عن الوقوف على الطلل في الشعر وولم يتحدثوا عنه في النثرمع أن الظاهرة ثقافية غير قاصرة على نوع أدبي؟! ألم يكن في نثر العرب وقوف على الطلل؟!لماذا؟

في مجموعة غادة العبسي القصصية "أولاد الحور" ثمة خيوط يمكن تجميعها من عدد من القصص للحديث عن ظاهرة الوقوف على الأطلال في هذه المجموعة، لنرى كيف تبدت الظاهرة في القصص والأهم كيف أثر فن القصة القصيرة في تشكيل تلك الظاهرة التقليدية.

في قصة "وداع" نجد أن القصة عبارة عن حديث من طرف واحد هو طرف الابن الذي يخاطب الأب الغائب ليعبر له ليس عن احتياجه له فحسب، بل عن حنين لماض طفولي هربًا من عالم امتزجت فيه كل الأشياء بشكل مريب. فما مابين خوف من نهاية العالم وما يتواتر حولها من معتقدات دينية في ثقافات مختلفة وبين حنين لطعم "الموز الأبيض" والترمس المملح والفايش الطويل في العيد في بيت الجدة وفي حضرة الأب يقف الابن على حياته باعتبارها أطلالاً أو في طريقها لذلك، ولا يملك حيال ذلك سوى الحلم بجبريل يلتقطه بجناحيه ليطير به متصورًا أنه جاء ليلحقه بالأب لكنه يسقط منه!!

وفي قصة "أولاد الحور" نجد الزوجة في الإسكندرية تحكى للصدفة المخروطة التي وجدتها على الشاطئ قصتها بعد أن اكتشفت التشابه الأساس بين قصة الصدفة المخروطة وقصة حياتها وهي أنهما كائنات حية ميتة لفظها بحر الحياة ولم يتبق لهما من حياتهما السابقة سوى الذكرى؛ ذكرى الحبيب ضابط الحدود الذي استشهد لتأتيالقصة وصفًا تفصيليًا ممتعًا لما كان يمكن أن تفعله له زوجته -التي تحولت إلى طلل بفقده- لو عاد مجهدًا يطرق الباب ويطلب منها أن تعد له طعامًا!!

وفي قصة "المكرمية" يبعث الفن الحياة في الأطلال ويعيدها للحياة على يد تلك البنت التي أتى بها فنان من أكلديمية الفنون ليرسمها،فنكتشف معها وهي إحدى إناث الهبيين من حيث المنظر أن التاريخ الطللي يسكنها لأنها تعيشه، "كل بيتي مغطّى ومحشو بعقد المكرمية ، أدمنتها صنعًا وتحديقًا .. حتى ملابسي لابد أن أقحم فيها غرزي المفضلة"ص36. إن بعث الحياة في الماضي الطللي لم يكن من الممكن لها تحقيقه لولا أن عشت مشاعر ذلك الإنسان الذي عقد أول عقدة مكرمية وهو خائف من المغول الذين يحيلون كل شئ إلى أطلال. حيث تأتي القصة حوارًا بين تلك الفتاة والرسام أنها لو كانت تعيش الماضي لاختارت أن تواسي نساج المكرمية الأول" بالطبع كان خائفًا من قدوم "المغول" بل كان يرتعد، أرى وجهه في كل عقدة أغزلها، يقتله انتظار الموت الوشيك.. يأتنس بصحبة خيوطه المجدولة السميكة.. يرخرفها بآماله وخيباته" ص38.

بتجميع هذه الخيوط وغيرها في قصص أخرى بمجموعة غادة العبسي القصصى يمكننا أن نقول إن القصة القصة يمكنها أن تقف على الأطلال بشروطها الثقافية الخاصة؛ حيث تضفي أبعادًا إنسانية وملامح فلسفية على معنى الطلل بحيث يعكس أزمات الإنسان المعاصر الوجودية والاجتماعية؟!

الهوامش:

غادة العبسي:طبيبة وقاصة مصرية لها مجموعتان قصصيتان "حشيشة الملاك" و"أولاد الحور". فازت بجائزة المسابقة المركزية الأدبية بهيئة قصور الثقافة، وبجائزة نازك الملائكة بالعراق.

الهبيين: الهيبز (بالإنجليزية: (hippieتشير إلى ظاهرة اجتماعية مناهضة للقيم الرأسمالية ظهرت بين طلاب بعض الجامعات في الولايات المتحدةخلال فترة الستينات وبداية السبعينات، كظاهرة احتجاج وتمرد على قيادة الكبار و مظاهر المادية والنفعية وثقافة الاستهلاك فميزوا أنفسهم بإطالة شعورهم ولبس الملابس المهلهلة.

مقالات من نفس القسم