أوراق ميت

موقع الكتابة الثقافي
Share on facebook
فيسبوك
Share on twitter
تويتر
Share on whatsapp
واتس أب
Share on telegram
تيليجرام

الخميس23  ديسمبر

فتحت عيني بصعوبة الألمُ يسري في جسدي بياضُ الغرفة أضحى مخيفاً كلُّ شيءٍ حولي أبيض الأسِرَّةُ لونُ الجدران لباسُ الممرضات أثرُ وخزات الحقن بادية على ساعدي لم أعد أتحمل وخزاتِها أحلمُ بمغادرة المستشفى والعودة إلى البيت تخيلتُ زملائي في الفصل الدراسي قد يرِنُّ الجرس بعد لحظات ليعلن بداية فترة الاستراحة الصباحية سيخرجون متسابقين فرحين سَيَعْدون ويصرخون سيعودون متعبين إلى حجرات الدراسة وأنا في هذا الجُحْر فوق هذا السرير مُسَيَّجٌ بقائمة من الممنوعات والمحرمات..

 

الخميس 31 ديسمبر….

الكل يستعد للاحتفال بانتهاء السنة الميلادية و استقبالِ أخرى جديدة لَسْعَةُ البردِ تقرص مواطن جسمي وتترك آثاراً في الأماكن التي تجاهلتها وخزاتُ الإبر غَيَّرَت الممرضةُ الأغطيةَ بأخرى جديدة ناصعة البياض وغَيَّرَتْ منامتي بأخرى بيضاء لونُ الجدران أبيض أواني الطعام بيضاء ستارُ النافذة أبيض لونُ جسمي اقترب من البياض أرى الكفنَ الأبيضَ يحومُ حولي.. أنا في حجرة .. أنا في قبر.. حجرتي كفنٌ أبيض..

 

الجمعة فاتح يناير….

الموت يخيم على المستشفى سُكُونٌ لا جلبةَ ولا ضجيجَ لم يأت الطبيب المشرف على معالجتي هذا الصباح الممرضاتُ أغلبهن نائماتٍ في القاعة المجاورة لقاعة الاستعجالات تأخر أبي و أمي عن موعد الزيارة المعهود أحاول النهوض من السرير الذي اعتدت أن أقول عنه سريري أصبح مِلْكي هذا السرير لأني لا أعرف متى أغادره أصبح سريري بيتي غرفتي قبري عليه أنام إن استطعت النوم فيه أقضي حاجياتي البيولوجية بمساعدة الممرضة موثق إليه بأنابيب تساعدني على التنفس أنابيب تساعدني على التغذية الاصطناعية اليوم لم تساعدني الممرضة على قضاء حاجتي في الإناء الأبيض فحولت السرير الأبيض إلى لون أقرب إلى الصفرة انتشرت رائحة كريهة في قبري أخفيت رأسي تحت الغطاء الأبيض و بكيت

 

السبت 2  يناير…..

صراخٌ و بكاءٌ و عويلٌ في الغرفة المجاورة حركة غير عادية في مثل هذا الوقت من الصباح طفل في مثل عمري فارق الحياة أمس كانت حالته الصحية قد تحسنت هذا ما سجله تقرير الطبيب المعالج سرت إشاعة  و إشاعات خطأ و أخطاء ممرضة و ممرضات و قيل لوالديه انتهى أجله قضاء و قدر و انتهى كل شيء أغلقت الممرضة نوافذ غرفتي أغلقت باب غرفتي زنزانتي قبري أنا محاصر في غرفتي في زنزانتي في سريري في قبري…..

 

الاثنين 15 مارس……

بدأت الشمس تطل علي من النافذة تغازلني و تغيب خلف السحب الرمادية طائر أسود يُحَوِّمُ على غير هدى حاولَتْ الممرضةُ أن تصده عن الدخول إلى الغرفة الزنزانة القبر أغلفت النافذة لا زال الطائر الأسود يحوم في الساحة الأطفال في ساحة المدرسة يحومون حول النافورة و الطائر الأسود يحوم حول الشجرة الباسقة أمامي تدهورت حالتي الصحية هذا الأسبوع أجد صعوبة في التنفس قدماي لا تسعفاني على الوقوف دقات قلبي ازدادت سرعة عما كانت عليه أمس لا قدرة لي على تناول الطعام لا قدرة لي على تناول الدواء مؤشر دقات القلب انخفض صفير آلة مراقبة دقات القلب ارتفع الممرضات يسرعن مذعورات الأطفال في الساحة يمرحون إخوتي ممنوعون من زيارتي أمي في الممر تحاول مسح خديها من أثر البكاء تجفيف عينيها أبي يتكلف ابتسامة الطبيب يجس نبضي و يتكلم إلى الممرضات المذعورات بلغة فرنسية لا أفهمها يقترب من أبي يهمس إليه بكلام تنزل من عيني أبي دموع يحاول إخفاءها يغادر الطبيب الغرفة القبر تغير الممرضة القنينة المغذية لجسمي و تخز جسدي النحيل بإبرة و أستسلم للنوم …..

 

الثلاثاء 16 مارس……

أفتح عيني بتثاقل لم يكن الطائر الأسود يحوم قرب النافذة كثيرة هي الطيور الصغيرة التي جاءت اليوم حط بعضها على الشجرة الباسقة و أخرى وقفت عند شرفة النافذة دوشة في الممر مدير المستشفى ينعي خبر موت الطبيب الذي كان مشرفاً على علاجي… والطائر الأسود لا زال يحوم على غير هدى…….

 ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

من مجموعة ” الضفة الأخرى” 2007

مقالات من نفس القسم

موقع الكتابة الثقافي uncategorized 12
تراب الحكايات
عبد الرحمن أقريش

المجنون