“أنا في عزلته”.. إبراهيم البجلاتي هارباً إلى ذاته

موقع الكتابة الثقافي
Share on facebook
فيسبوك
Share on twitter
تويتر
Share on whatsapp
واتس أب
Share on telegram
تيليجرام

عالم يأتي من الداخل، كأنك تسمع أصداء لروح بعيدة تحاول إخفاءها والاختباء منها طوال اليوم لتفرض نفسها علي عالمك وعالم قارئك في قصائد لا تملك أمامها سوي الاستسلام والتأمل في هذا العالم الداخلي وتلك الروح البعيدة التي تسكن كل منا علي درجات متفاوتة.

هذا هو ديوان "أنا في عزلته" للشاعر ابراهيم البجلاتي الذي إن عرفت سيرته وكيف هرب من سطوة الشعر وسطوة تلك الروح الرائقة إلي دقة وحدة مشرط العمليات الجراحية ثلاثين عاماً كاملة لأدركت ما أتحدث عنه هنا.

“قبل ثلاثين عاما

حاولت أن أكتب شيئا عن الحزن

دون ذكر الكلمة نفسها

وفشلت

لو نجحت في ذلك وقتها

لما احتجت إلى تنظيف رئتي من الهواء الآن”

هكذا يقول ابراهيم البجلاتي في ديوانه، بعيدا عن الزخرف والتراكيب، وفي بساطة وصدق المعني والصورة يرسم لك بهدوء وصدق معني الغربة والوحدة والعزلة دون ذكر واضح للمفردات

كأن الوقت لا يفنى

أو كأن قطط العنابر التي تأكل كل شيء

لا تأكل الوقت

تموء

كيف يغترب الانسان عن نفسه حتي أنه يتمني حقاً أن يكون غيره، ينتقل من مكان لآخر. تلك الغربة الداخلية التي تنمو مع الوحدة وتغذيها العزلة التي يمتدحها الشاعر في ديوانه كأنها رفيق مخلص في حين ينكر تلك الغربة.

دائماً

يريد أن يكون في مكان آخر

جرب أكثر من مدينة وأكثر من بلد

ليس ملولاً بطبعه

بل كان يقعد

يحفر ظله في المكان

ويعطي المكان فرصة أن يكون مكانا آخر

لا ينجح المكان بالطبع

ولا يستطيع هو أن يكون شخصاً آخر

ورغم احتفائه بالعزلة نجده في قصائد أخري يبحث عن شيء حقيقي ملموس، حياة وونساً ولو في بحر وراء الجبل الذي وراء الحائط الذي يحيط وحدته بحر مليء بالكائنات الحقيقة والمبهجة وفقاً للشاعر وأمنيته أن يراه البحر وكائناته وبهجته كائناً حقيقياً أيضا ليس مجرد كوابيس وعزلة تختبئ خلف المشرط والصمت

علها تراني مثلها كائنا حيا

وأريد أن ألمسها

عارية من أي رمز

مليئة بالحياة

وغير مشغولة بالبحث عن معنى

الشاعر هنا لا يحتفي بالحنين لكنه يئن من ثقل الذكريات التي تنغص عيشته. يصف الشجرة الكبيرة العتيقة بأنها أخته ولديها مثل ما لديه من ذاكرة قوية و يتنبأ لكليهما بنفس النهاية

هذه الشجرة أختي

لها ذاكرة قوية

تنغص عيشتي

لم نعد نصلح لشيء

أنا وهي كومة من ذكريات

سندخل النار عما قريب

ليست الذكريات وحدها هي ما يثقل الشاعر ويرزح تحت ثقله، لكنه الزمن والعزلة الذي يغير كل شيء لأنك أنت في عزلتك لا تعود كما كنت سابقا

بعد زيارته الأخيرة لبيت العائلة

لم يقل – صراحة – أنه صار غريباً

ولم يذكر مجازاً شهيراً عن الكلاب التي لم تعرف رائحته

لأنه لم ير كلبا واحدا يختبر معه صحة المجاز

ما قاله فعلا

أنه لم يسمع وقع خطواته في الصالة الطويلة

العائلة حاضرة في ديوان “أنا في عزلته”، الأم في أكثر من نص بحنانها وافتقادها ولكن حضور العائلة هنا يأتي في الإشارة الواضحة لغيابها لذكرياتها التي لم يعد لها أثر.

والسماء كأنها ستارة في بيتنا

تجلس عندها أمي

تنسل خيوطها

ترتب الصمت حول ضيوفها الراحلين

وتعيد غزل حكيها الأثير

عن الأهل

وغبن العائلة

إلى أين أخذها الوقت فلم تنس إطعام الدجاج

وصارت تتوه في أسمائنا

تنادي علينا واحداً واحداً

حتى تصل إلى المراد

وحين يقف أمامها

تقول في خجل يليق بروحها

يا ابن بطني

ما الذي جاء بك إلى هنا؟

هذه الجدران مسامير

تحتها مربعات باهتة

كأثر لما كان هنا من صور عائلية

لا يصرح الشاعر باي من هذا صراحة بل تجده في قصائد كثيرة يكتب عن تصالح مع ذاته ومع الواقع بثنائية العزلة والواقع المحيط الملموس

 

“أنا في عزلته” عالم ما إن تدخله حتي تسكنه تماما، حتي تجده ينبعث من داخلك تلك الروح في عزلتها و ختلافها واحتفائها بفرادتها وتوقها للونس

مقالات من نفس القسم