“أنا أروى يا مريم”لـ أريج جمال.. ثورة النساء المهزومات

موقع الكتابة الثقافي uncategorized 36
Share on facebook
فيسبوك
Share on twitter
تويتر
Share on whatsapp
واتس أب
Share on telegram
تيليجرام

خاص الكتابة

عن دار الساقي بلبنان، صدرت أخيراً رواية “أنا أروى يا مريم” للروائية المصرية أريج جمال، والتي تتتبع فيها مصير خمس نساء تطحنهن قسوة الحياة، وتقاليد المجتمع الذكوري، وثورة كل منهن بطريقتها الخاصة على أسوار ترتفع حولها يوماً بعد يوم، وتروي كل ذلك على خلفية طلقات الخرطوش في ميدان التحرير وقنابل الغاز المسيل للدموع في شارع محمد محمود، لتختلط ثورتان، لم يكتب لهما أن تكتملا.

من مريم إلى أروى إلى صدّيقة إلى أم كلثوم إلى سارة تتنقل أريج في عذوبة مؤلمة. كل واحدة تحمل جرحاً عميقاً، يفرضه كونها وُلِدت أنثى في مجتمع يدّعى التحضر لكنه لا زال يعيش ويشتهي عصر الحريم، لدرجة أن بعض النساء، خاصة الجدة التي لا قت ما لاقته من عائلتها، تفرض تعاليم هذا المجتمع على ابنها، وتدعوه للزواج بأخرى لتنجب له الولد الذي سيحمل اسمه أبيه.

الجراح التي تفتحها أريج جمال في هذه الرواية كثيرة، لكنها تمر عليها بيد جرّاح ماهر، حتى عندما تمر على قضيتين شائكتين هما العلاقة بين أروى ومريم، والعلاقة بين سارة وميشيل، لا يشعر القارئ بأنها تقصد الخوض في قضايا جدلية، بقدر ما يشعر أنها تفتح جراحاً مجتمعية طال تركها مغلقة حتى امتلأت بالصديد. لا يشعر القارئ أنها تسعى للإثارة، لأنها لا تسعى لذلك بالفعل، كل ما تريده هو أن تكشف جراحاً عميقة تمس أرواح أبطالها، وقضايا حياتية نراها كل يوم ونتلمسها في كل خطوة نخطوها.

يمكن القول إن “الهوية” هي سؤال هذه الرواية الحقيقي، الهوية بجميع مستوياتها، سواء كانت الوطن أو الجنس أو الدين، وكيف يتعامل المجتمع بسلطاته المختلفة (ٍسواء كانت سلطة الشارع أو الحاكم) معها، لذا فنحن طوال الوقت أمام نساء مقهورات سُلِبت هوياتهن، حتى في حكايات الحواديت التي تتقاطع مع حياة مريم، والتي تسمعها من أمها.

عنوان الرواية “أنا أروى يا مريم”، يحتمل أن ينطق بطريقتين فـ “أروى” يمكن أن يكون اسم الشخصية الرئيسية في الرواية، ويمكن أن يكون فعلاً مضارعاً بمعنى “يحكي”، وفي ظني أن الكاتبة تقصد المعنيين، لأنها تقدم الحكي كعلاج في النص، فماذا تملك النساء المقهورات غير أن يروين مآسيهن، تقول: “قالت لي إن الحكي هو المنقد الوحيد من الغم، لكنني عرفت أنه ليس المنقذ من الموت، ماما تحكي حتى ماتت”، لكنهن رغم ذلك لا يتوقفن عن الحكي، كأن حياتهن معلقة بهذا “الطقس”، كأن مريم حين تقرر أن تروي حكايتها لا يعنيها أن يسمعها أحد، كأنها تحكي للحياة نفسها، كما تقول الكاتبة.

وهكذا تبدو مريم عالقة في الحكايات والخيال، تتقاطع حياتها مع نساء حكاياتها، حكاية القرود، حكاية الأميرة النائمة، الأميرة في سوبر ماريو، حتى أن القارئ يمكن للحظة أن يعلق في خيال مريم، ولا يعرف الواقع من الخيال، كما لا تفرق هي بين الخوف والحقيقة.

رهان أريج جمال في هذه الرواية كان على اللغة. فأريج التي قدمت لغة أقرب إلى الشعر في مجموعتها القصصية الأخيرة “كنائس لا تسقط في الحرب”، تتحدى نفسها في هذا النص، لتقدم مستوى جديداً منها، كأنها تعيد اكتشافها، فتمزج العامية بالفصحى، لتقدم لغة خاصة، تعتمد في معظمها على “تفصيح” كلمات عامية، أو إعادة كلمات عامية إلى أصلها الفصيح، لتخلق في النهاية لغة جدلية تناسب كثيراً هذا النص.

هذه رواية هامسة، وعذبة كقصيدة شعر، ومؤلمة كهذا الوطن، الذي كانت تطل عليه أروى ومريم من نافذة غرفة في شارع شامبليون فتريانه ينزف، والهراوات الشرطية تهوي عليه، كأنهما تشهدان القيامة، الذي سألت مريم الله أن يقيمها، فقامت الثورة، استجابة لدعائها، وانتصاراً لكل النساء المهزومات.

مقالات من نفس القسم