“أغار” لشوقي عقل.. في محبة المرأة وتمجيدا للكتابة

موقع الكتابة الثقافي uncategorized 24
Share on facebook
فيسبوك
Share on twitter
تويتر
Share on whatsapp
واتس أب
Share on telegram
تيليجرام

حسين عبد الرحيم

قصص  “أغار” للكاتب المبدع شوقي عقل، سرد صارخ في الوجود الضاري والمعتم.

“على الممر الطيني الضيق، بين الماء الداكن والحياة الصاخبة التي تموج فوق النهر سار وحيداً. تساءل بملل متى ينتهى هذا الممر الخانق، ويسقط كحجر ثقيل في الأعماق المظلمة”.

السطور الاخيرة من قصة أو نص ” أيام باقية” من مجموعته الثالثة “أغار” الصادرة عن دار العين والتي يتناول فيها الكاتب الدقيق الحذر ” شوقي عقل، ماهيات العيش في أطر ومسارات زخمة تولج في العاطفي الرومانسي وما آل إليه  “الطريق”، فيما وراء السرد والسارد المعجون بالرهافة والجسارة، هاتكاً أستار وحواجز ومحظورات الثالوث المقدس، الدين والجنس والسياسة: لتطويعهم واللعب بهم بل وصهرهم في خدمة متون القص وجمالية الكتابة وحتى ماهية فن القصة القصيرة وكيف تكتب، بلا تقعير ولا تصدير مقولات ونظريات، متونات سردية تخترق حواس المتلقي في جزع وشغف للتقابل والاشتباك مع الراوي، أو حتى الكاتب لهذه النصوص الأربعة عشر والتي تضمها المجموعة أو المتتالية، أو المتوالية بمعان: الارتكان على أفكار وجودية وحياتية ترمي المتلقي في حالات من الفزع والوجد والعطف حتى على الراوي نفسه والمرتحل موزعا هواجسه تلك الأنثى في مهدها وفي عشقها والبحث عن حب يبغي الخلود ولكن هيهات.

ماهية الطريق والسير في سيرتك مع الافتراض أن تلك الادوات الرمزية التي يطرحها المبدع في نصوصه وهي الأشبه بأفخاخ أعدت لطيور جريحة، خلقت لتحلق وتطيير، ولكن هيهات كيف والبطل الموزع أو السارد على روح حسية وترميزات النصوص الملغزة فيما يراد أن تنطق بها، هي تدين القدر أم الظرف، أم شكل العيش وعبثية الحياة.

فعن تعرجات السارد عبر نصوصه، كنص نص، بعينه ودلالاته: لم يفهم كثير من الكتاب، ولكن رغم ذلك، كانت قراءاته له مانعاً بالصدفة من أن يسقط تحت تأثير شيخ في الزاوية القريبة من بيته، قصة أو نص “الراقصة والتوتة”.

من هنا وعند كل مفتتح لنص جديد في تلك المجموعة الفاتنة، يوغل الكاتب بضمائر متعددة تخفف من وطأة الخوف على المتلقي، في طواحين الحياة سابرا أغوارها بديمومة لا تنفك تكنس وترفع وتتجلي بالهم العام قبل الذاتي وبالوجودي البحت، قبل المعيشي، بل أيضاً في السياسي بلا خوف ودون اكتراث، وبلغة رجراجة وليست منفلتة، تفضح الأحوال بلا إدانة لنظام أو أنظمة أو حقبة بعينها، وهكذا تتوالى وتترى النصوص وحكايا البشر في مناطق حميمية كميدان “السكر والليمون” القابل لتعدد الدلالات، عن العصف والنسف وتدمير ذاكرة المكان قبل الحنين إليه، ودفن الآمال والاحلام والطموحات في بئر سحقية لا تعيها مفاهيم المدنية ولا المدينة في بلادنا.

في تلك المراوحات وتنقلات الكاتب /الراوي /السارد، ما بين رحايا الزمن والشخوص والعلاقات وتبدل مسارات البشر تحت وطأة القسوة، يغوص “شوقي عقل” في متونه التي أصر، وحتى النفس الأخير، بطلاقة وفرادة، ألا يخترق ولا يشتبك إلا معها وبها وإياها، مع توزيع الآهات الدفينة لابطال قصصه،على كافة الزوايا حتى في تلك الأمكنة والشوارع والحواري، وعيادات المرضي، وعالم ودواخل الاطباء والسكرتيرات والبارات وحتى المساجد، بوعي، وحذاقة، وفتوة كاتب فرط كثيرا في ادواته وموهبته عبر نضالات متعرجة، نادرا، وثابتة على الدوام، يمدن فيها على الدوام، كمنهج، يديه لكل مغبون قهرته ظروف العيش..

في الأربعة عشر نصاً، وحتى ذلك المُصدّر بقصيدة للشاعر الإيراني هوشنج إبتهاج، يواصل الكاتب خطف العام لأرضية الخاص والوجودي: فيقول في تصدير قصة “بدونك”: بدونك أكون قمر السهل الوحيد وشمس الغروب البارد، بدونك أكون بلا اسم بلا ذكريات، بدونك أكون رمادا..، بدونك أيتها الحبيبة.

هكذا دواليك، كر وفر. مع الحبيبة وتلك العلاقات العاطفية الحارقة والبليدة التي تلد دلالات من التأرجح مابين الخوف والامان وتطيير الأحلام وما هي بأحلام بل شرعية أن تصل وتتصل وتتواصل في علاقات عاطفية تعينك على مجابهة الفقد لمواجهة البؤس وغمام المطروح والمؤبد في ظروف الزمن والعيش.

ما بين المتحكم والمحكوم، والمسير والمخير، صعود وخفوت، ترقي وتدني، بقرف الظرف الذي يحيل الكاتب بضميره اليقظ إلى رائي وشاهد ومتعاطف، ومؤمن بالخروج من الضيق للبراح في لحظة ما، أو يوما ما، أو حتى ظرف مغاير، فلا تعرف هل هو مسالم متعاطف، أم كافر بكل الاحوال التي تعوق الأحلام والتنفس والعيش السوي بلا تدليس، عن تلك الألغاز المستترة خلف خطابات مزيفة هي التي تصنع الخطاب والتحدث والتحاور أو التواصل بين البشر في بيئات متباينة اجتماعيا وسياسيا وتحديدا مادياً معيشي، يرفرف الكاتب/ السارد باكثر من جناح، فهو ليس بجعة، ولا صقرا، ولا كبش، ولا شاعر وعاشق رومانسي حالم، ولا مصلح إجتماعي أيضاُ، رغم أن الانفاس أو الانفس الكاتبة بضمائر مختلفة وثابتة بعض الشيء في كثرة النصوص وهي المتكلم مع فواصل حوارية بالعامية الحية والفارقة والتي تزيد وتكثف من معاني دراما القص والذروة ومن قبلها حنانيه ورهافة وتسلسل الكتابة بخفة تضمر وجع المكتوب عنهم والمحتفى بهم في بقاع الارض، صرخات تدين الكل وتحديدا من تورط في قمع البشر وتحولهم لمسوخ حتى في أدني واقل التفاصيل والإحتياجات الحياتية البسيطة، وعن المكان / الأمكنة، الذي اختير بمهارة فائقة رغم انه ليس مفتعل ولا مقصود من قبل المبدع الذي لم يضع في حسبانه انه يكتب سيناريو سينمائي، بل مشروع روائي متعدد الدلالات دون ان يدري، وكأنك تستشعر وتحس لون السماء وجدران البيوت ورائحة اجساد البشر، وركام اللذة مع الألم بتأرجح اليقين المخاتل.

قصص أغار للكاتب شوقي عقل، تدين بهمس يعادل بل يتخطى الصراخ في البرية الجاثم فوقها البلادة ونسف الضمير في دوامات لرحايا العصف التي تهشم بني البشر، مع طرح عشرات بل مئات الرموز القابلة للتاويل، بل والتفكيك والهدم على اكثر من مستوى للبناء عليه بوضوح فيما يخص ماهية وجدوى الفن والرحمة والرب ومسميات الشيخ، ومايدور في الكابينة، وما ألزمنا بالسير في الطريق والإصرار بضراوة وغشم واستبداد على استكمال المسير حتى النهاية وآخر قطرة نفس طالما أن هناك روح وعقل ينبضان ويخفقان داخل اجساد بشر تموت وتحيا وتحلم وتحب وتعشق وتذوب حتى التلاش.

“أغار”، لشوقي عقل، والتي صدرت عن دار “العين”، تحتفي بالحب انطلاقا من خصوبة عشق الأنثى في كل أحوالها ومخاتلتها وحنونها وتمردها ووجعها وحتى تناقضها مع ذاتها والرجل والآخرين بل حتى والآخريات بداخلها.

مقالات من نفس القسم