أسرار كتابة الأطفال .. قراءة في كتاب «صديقي الطفل» لصابر حسين خليل

موقع الكتابة الثقافي uncategorized 17
Share on facebook
فيسبوك
Share on twitter
تويتر
Share on whatsapp
واتس أب
Share on telegram
تيليجرام

وائل النجمي

يحمل مفهوم “كتابة الأطفال” معاني عديدة، منها: الكتابة للأطفال، أي كتابة الكبار لكي يقرأ – أو تُقرأ للـ – الأطفال، وهناك مفهوم: الكتابة عن الأطفال، وهي الكتابة التي يكون الأطفال فيها موضوعا للكتابة، ويَقْرَؤها الكبار، سواء كانت تُعَرِّف الكبار بقضايا ومشكلات الأطفال، أو بوسائل تربيتهم، أي أننا في كل حالة ننظر باعتبار عاملين: مَنْ يكتب؟ ومَنْ يقرأ؟ ونضع هذا في الاعتبار عندما نتناول المعنى الثالث، وهو المعنى الأكثر إشكالية، أقصد تلك الكتابة التي يكتبها الأطفال بأنفسهم سواء لأنفسهم، أو لكي يقرؤها الكبار. كموضوعات التعبير مثلا، أو كالقصص التي يؤلفها بعض الأطفال ممن تظهر عندهم بذور الموهبة الأدبية، فكيف ننظر لمثل هذا النوع من الكتابة؟

ربما لم يَلقَ بعد السؤال عن كيفية النظر للكتابة التي يكتبها الأطفال باعتبارها أدبا البحث الكافي حتى الآن، ربما لأنه يصعب علينا نحن الكبار أن نعترف بالأدبية للصغار! لكن أغلب الكتابات تتحرك في اتجاه: «كيف ننمي مواهب الأطفال؟»، إِنْ وجدنا بذورَ موهبة لدى بعض الأطفال: ماذا نفعل تجاههم؟ ربما هذا – وأزعم أنه على استحياء أيضا – يلقى البعض من الاهتمام والبحث، كل يبحث من جانبه الخاص، فنجد ملاحظات لدى بعض علماء نفس النمو، أو لدى التربويين، أو المتخصصين في المجال الطبي للأطفال.

في مقالنا هنا نتناول كتابا يحقق لنفسه – من منظوري – تمايزه الخاص؛ لكون المؤلف روائي وأحد المهتمين بالكتابة للأطفال أيضا؛ ولكون الكتاب يتوجه للأطفال بأسلوب خطاب من الكتابة لتنمية قدرات الأطفال على التأليف، فهو كتاب يتوجه للطفل ذاته، وبأسلوب شيق، لكي ينمي قدرته على التأليف، إنه كتاب: «صديقي الطفل: هذا سرنا الصغير» لمؤلفه (صابر حسين خليل)[[1]]، فهو يعتمد على استراتيجيات جذب الطفل للكتابة، وهو ما يبدأ منذ العنونة، فالطفل يعشق أن يكون بينه وبين الكبار سرا ما، صحيح أنهم غالبا ما يفشون هذه الأسرار، لكنهم يعتزون بأنفسهم عندما تُشْعِرَهم بأنك تحملَّهم المسئولية، ومن هذا المنطلق بدأ بالتقرب من الطفل في كتابه لكي يدفعه لتَعَلُّم كيفية كتابة القصة.

إنه يُعَلِّم التأليف بأسلوب التعلم الذاتي، وبالأسلوب الذي يُنمي ذكاء الطفل وابداعيته، وبقدر يلائم عقلية الأطفال، وإذا افترضنا أن الكتاب مصمم لكي يقرأه الطفل بنفسه، ويقوم بتنفيذ ما فيه بنفسه، فإننا إذن نتحدث عن طفل في عمر الثمانية أو العشرة أعوام، ولعل هذه الفئة هي ما يستهدفها الكتاب لكي يجعل منهم مؤلفين وكتابا للمستقبل، وإن كان السؤال: لمن يريد المؤلف أن يكتب الطفل؟ بمعنى ما المغزى من هذه الكتابة؟ ولمن سيقدمها، سنعرف إجابة هذا السؤال في ختام الكتاب.

يقول المؤلف: «هل تعرف يا صغيري أن عقلك الصغير يتميز كثيرًا عن عقول من هم أكبر منك سنا، لا تستغرب هذه الحقيقة، عقلك غير مزدحم، فمعارفك العقلية محدودة لذلك تستطيع أن تركز أكثر من الكبار، لأن عقولهم مزدحمة بالكثير والكثير من أمور الحياة ومشكلاتها.» صـ9

بهذا الأسلوب يستقطب (صابر) الطفل القارئ لكتابه، والحقيقة أني لاحظت علامات الاعجاب لدى ابنائي وانا أعرض عليهم الكتاب للقراءة، فمِن منظوري أهم ما يمكن أن نضعه في الاعتبار عند الكتابة للأطفال استمتاع الأطفال بما يقرأون، وبدا الأمر أكثر إيجابية عندما يقول: «أما الميزة الثانية لعقلك الصغير يا صديقي فهي وفرة الخيال، فالخيال عند الطفل أكبر منه عند الكبار، الطفل الصغير يتخيل العصا حصانا يركبه ويجري به …» صـ9

لقد ذكرتني مقولته هذه بابنتي الصغيرة التي ظلت تبكي وقتما وضعنا دميتها في الغسالة الكهربية لأنها تخشى عليها أن تموت، واستمر بكائها طوال فترة الغسل، حتى بعد خروجها، فتناولتها بيدها كمن يعالج غريقا خرج للتو من البحر، بهذه الكيفية  يضع (صابر) خيال الطفل في وضع التأهب والاستعداد لإخراج ما فيه، لكي يدخل مباشرة للنقطة التي أحيانا نجد نحن الكبار صعوبة فيها عند الكتابة في أية موضوع، فيتحدث عن كيف تأتي بالفكرة، ليجيب بأن ذلك يأتي من واقع الحياة من حول الطفل، فموقف مثل قلم رصاص وممحاة يمكن أن يتحول لحوار بينهما حول بعض الكلمات التي كُتِبَت خطأ وحول رغبة الممحاة أن تمسح الخطأ ليفرح (مروان) قبل أن يستيقظ، وهكذا، يستغل (صابر) إمكانية الطفل على الدمج بين الموجودات باعتبارها كائنات حية، وَتَخَيّل كل ما حوله له طابع حياة خاصة به، والحقيقة أنني عندما جربت هذا الأسلوب في وقائع يومية للأطفال بالحديث معهم باعتبار أدواتهم قد أصابها الضيق منهم، وأنهم لا بد أن يتصالحوا معها بالعناية بها، وجدت مثل هذا الأسلوب له أثر حقيقي على فهم الطفل، ومن ثم أتوقع أن يُخرِج الطفل قصة من موجودات الحياة من حوله هو ما يلعب عليه (صابر حسين خليل) لكي يخرج من الأطفال أفكارا للقصص.

علينا هنا أن نشيد بالرسوم التي قام بها (أنس عبد القادر)، والتي تُسهم في إيصال الفكرة، وإن كانت من منظوري تحتاج لأن تكون أكثر من الشكل الذي رأيناه، على أية حال ينتقل إلى الكيفية التي يأتي بها المؤلفون بالكلمات، ويوجِّه الطفل إلى أن يُكَوّن قاموسه الخاص من خلال القراءة، يقول: «ولأن القراءة هي السر يا صديقي، فعليك بالقراءة واجعلها عادة يومية لك، خصص جزءا من وقتك للقراءة الحرة بعيدا عن وقت المذاكرة، فمذاكرة الدروس لها الوقت الأكبر، وفي اجازتك الصيفية اجعل القراءة هوايتك الأولى …» صـ19

يمضي المؤلف معالجا بعض المشكلات التي قد تطرأ، ماذا إذا لم يجد الطفل الأحداث الجديدة له، كيف يدمج من أحداث قديمة ليخرج أحداثا جديدة، وكيف يجعل من دروسه المدرسية كدرس عن الكواكب وعن خروج (بلوتو) من قائمة الكواكب مثلا، كيف يجعل منه قصة ليكون الطفل نفسه بطلها باعتباره رائد فضاء يمر على هذه الكواكب، وهكذا بأسلوب سهل وبسيط يفتح الأبواب للخيال وإطلاق العنان للطفل، حتى يقول: «صديقي الكاتب الصغير: لا تنس أن القراءة والخيال هما أساس الكتابة والتأليف، اقرأ كثيرا وتخيل أفكار وشخصيات قصصك فيما حولك.» صـ 47

ويمضي المؤلف حتى يصل للحظة الثمرة من الكتاب، ربما لأنه يعرف أن فكر الأطفال فكر محسوس، يُحب دائما أن يجد ثمرة محسوسة من أي فعل يقوم به، فقد اعتاد على الثواب والعقاب، المكافأة والحلوى التي يُمسكها بيده، يقول له المؤلف في نهاية مرحلة تدريبه على الكتابة: «أنت الآن تستطيع كتابة قصتك بنفسك، اكتب قصتك واعرضها على والديك وأخبرهما بالسر الذي كان بيننا، واظهر لهما كتابنا هذا. صديقي الكاتب الصغير: اكتب قصصك واجعل اصدقاءك يقرؤونها، اعرض قصصك على معلمتك في الفصل.» صـ46-47

إذن الثمرة أن الطفل سيستطيع في النهاية أن يصل إلى كتابة قصة خاصة به، ثم يقوم بعرضها على والديه، والحقيقة أن المؤلف هنا يبدي ذكاء اجتماعيا يُحسد عليه، فالوالدان بطبيعتهما سيفرحان بأي منتج لطفلهما، ومن ثم سوف يعملا على تشجيع الطفل على الكتابة، وهو هدف قيم في حد ذاته، ومن ناحية ثانية سيجد الطفل – مؤلفنا الصغير –جمهوره الخاص، وسيبدأ بالتوجه إليه، ويمتد في إيجاد الجمهور إلى المعلمة والأصدقاء، واعتقد أن الأطفال جمهورا مشجعا لبعضه في عملية الكتابة، فلو لاحظنا أن غالبا الأطفال يجيدون الاستماع لأي حكي حتى لو كان من صديق لهم، فهم يحبون دائما سماع القصص.

بقيت نقطة أخيرة اختم بها تحليلي للكتاب هنا، وهي التنويه إلى أن مجال تنمية الكتابة لدى الأطفال هو مجال يحتاج الكثير من بذل الجهد، ومعالجة ما يكتبه الأطفال بوصفه – على الأقل – بذرة لنواة كتابة أدبية، هو أمر يحتاج المزيد من الرؤية والاهتمام من النقاد والباحثين.

………….

[1] – ابراهيم حسين خليل: صديقي الطفل: هذا سرنا الصغير، الهيئة العامة لقصور الثقافة، إقليم جنوب الصعيد الثقافين فرع ثقافة قنا، 2018م

مقالات من نفس القسم