أزمة النقد/ أزمة الوطن(1)

موقع الكتابة الثقافي uncategorized
Share on facebook
فيسبوك
Share on twitter
تويتر
Share on whatsapp
واتس أب
Share on telegram
تيليجرام

د. مصطفى الضبع

“هناك أزمة نقد”

عبارة عربية مألوفة حد الابتذال الذي لا يعني معنى قبيحا بقدر ما يعني فقدان المعنى بفعل التكرار والتعود على التلفظ بعبارة تفقد ماتدل عليه بالتعود الممرور.

عبارة  إن لم تكن سمعتها عشرات المرات في الندوات المصرية فإنك بالتأكيد عايشتها بشكل غير مباشر فيما هو خارج نطاق هذه السطور،  إنها عبارة :

  • يرددها الأدباء الذين يبدعون ولا يلتفت لأعمالهم أحد رغم جودتها (وهذا حقهم إلى حين).
  • يرددها الأدباء في المقالات والمقابلات الإذاعية و التلفزيونية و في جلسات النميمة الثقافية وجلسات المؤتمرات و المقاهي والكافيهات.
  • يصرخ بها الأدباء من الموهوبين ومن أنصافهم ومن أرباعهم وأرباع أرباعهم (وكأن المشكلة في الآخرين لا في مواهبهم العاجزة).
  • همس بها أديب ناشئ قبل أن يفكر في كتابة أول قصة قصيرة له، وهمس بها أديب عجوز وهو يقطع المسافة الصاخبة بين أتيليه القاهرة ومقهى البستان فرمقه عسكري المرور الواقف على ناصية طلعت حرب والتزم كلاهما الصمت.

الخلاصة أن الأدباء والمثقفين لم يتفقوا على شيء في الحياة قدر اتفاقهم على وجود الأزمة (راجع قضايا حياتية ومصيرية ليس أولها أزمة كتاب في الأدب الجاهلي لطه حسين (1926)،  وليس آخرها محرقة مسرح بني سويف (2005) وغيرها).

  • وعني أحدثك وقد ترددت العبارة على مسامعي عبر قرابة ربع القرن و لم أستمع لمن يطرح السؤال المنطقي الذي يبتعد قرابة مليمترات: ما الأسباب؟ أو السؤال الذي يبتعد قرابة سنتيمترات : كيف نخرج من الأزمة؟، وكأن طرح القضية يغني عن طرح التساؤلات والبحث عنها وفيها ومنها وإليها، وكأن التصريح بالأزمة فرض كفاية، وكأنها لدى البعض ترضي مواهبهم المتأنيمة (المصابة بالأنيميا).

توسيعا للقضية دون المبالغة في طرحها والبحث في  تداعياتها يستلزم الأمر نوعا من الخروج عن دائرة الأدب إلى الفضاء الحياتي الأوسع فالنقد الأدبي مرحلة تمرين يمارسه الناقد على نص، ويتوصل إليه المتلقي من خلال النصين: النص الأدبي والنص النقدي، وتنتهي التداعيات إلى الحياة كلها بوصفها نصا أوسع يطرح نفسه يوميا دون أن يجد من يراجع ويقوم تفسيرا وتأويلا من شأنهما تطوير المنتج ومن ثم تطوير الحياة نفسها  .

لقد حول الجميع الأزمة (التي لابد أن نعترف بها) حولوها إلى قضية خاصة، أزمة يعانيها الفرد دون الجماعة، معاناة ذات واحدة منفصلة عن محيطها الحيوي مما يجعلها مساحة تتسع من الأنانية، وهو ما يجعل من الجميع جزرا منعزلة عن مدارها الطبيعي ففي اللحظة التي انفرد فيها الواحد بأزمته انفصل عن المجال الحيوي للأزمة ذلك الذي يجعلها قضية الجميع، ومن ثم يكون على الجميع البحث عن الحلول ومحاولة إدراك الأبعاد وتفكيك طلاسم الأزمة.

ثم كانت الكارثة الكبرى في أنواع أخرى من الفصل أو لنقل الإنفصال إذ ترتب على ماسبق الفصل بين الأزمة وتبعاتها وما ترتبط به فمثلا لم يبحث أحد ولم يشغل نفسه أحد بالعلاقة القائمة بين غياب النقد بمفهومه التقليدي وحالة الفوضى (تخفيفا لمصطلح الانهيار) التي يعانيها الشارع المصري الذي بات يفتقد للقيمة المتمثلة في أي وعي حضاري وبات مما لا يغيب عن الجميع (ممن يمتلكون قدرا من الوعي) أن الشارع المصري أصبح في حالة يرثى لها من الفوضى ليس بسبب غياب إشارات المرور أو رجاله وإنما بسبب الانفلات الحضاري وافتقاد المواطن لثقافة النظام المستمدة من تذوقه الجمال وإدراكه الحضارة بوصفها ممارسة وليست عبارات محفوظة يرددها البعض دون الوعي بتجلياتها.

لم يتنبه البعض (ممن تقع عليهم مسؤولية البحث في الأزمة) إلى قانون وحدة الوجود ذلك الذي يؤكد حقيقتين :

  • أن الوجود وحدة واحدة لا انفصال بين عناصرها (وفقا لنظرية جناح الفراشة أو أثر جناح الفراشة لصاحبها عالم الفيزياء الأمريكي لورنز).
  • أن كل العلوم والمعارف على قدر كبير من الترابط أولا وجميعها لها مردودها الواقعي ثانيا، بمعنى أنه لا يوجد علم إلا وله تطبيقاته في حياة الأفراد والمجتمعات وأن القضية ليست في العلم بقدر ماهي في طريقة التعلم فعلى سبيل المثال يردد الطلاب (في كل مراحل التعليم) دائما عبارة تكشف عن استيائهم من تعلم النحو أو غيره من فروع اللغة العربية يرددون عبارة: مافائدة النحو وهل مطلوب منا أن نتحدث به في حياتنا اليومية؟، وهو ما يعني أنهم تعلموا النحو بطريقة تجعله منفصلا أشد الانفصال عن حياتهم ومجريات أمورها  وهو ما يتكرر في كثير من العلوم التي تكون مجالا للتعلم في مؤسساتنا التعليمية (ولا أقول التربوية لأسباب سأطرحها لاحقا)  فعندما فقد النقد وجوده بين المثقفين ترتب مما ترتب عليه غياب الوعي النقدي على كافة الأصعدة.

ثلاث مؤسسات كبرى تتفرع منها كيانات أصغر تقع عليها المسؤولية كاملة في تشكيل أبعاد الأزمة وتغذية أسباب تفجرها واستمرارها: التعليم – الإعلام – المؤسسة الثقافية (رسمية – مدنية)، وهو ما يعني مساءلة هذه المؤسسات عبر مراجعة دورها في الأزمة.

 

مقالات من نفس القسم