أحمد مجدي همام يقدم الوصفة السحرية الرقم 7

موقع الكتابة الثقافي
Share on facebook
فيسبوك
Share on twitter
تويتر
Share on whatsapp
واتس أب
Share on telegram
تيليجرام

لنا عبد الرحمن 

يمكن القول إن هذه الرواية تنتمي وفق تودوروف إلى «الأدب الفانتازي»، حيث الخيال العجائبي الذي ينقل رؤى لا تخضع للقوانين الطبيعية في العلاقة مع العالم، بل إلى محاكاة الطبيعة والواقع وعكس ظلالهما، وفي هذا العمل يحضر أثر «ألف ليلة وليلة» في فعل الرحلة، وانعكاسات حكايا الأطفال الخرافية، في ظهور مخلوقات غريبة، وحيوانات متكلمة، وكائنات وسيطة، وأراض مجهولة.

لا يعبأ أبطال «الوصفة رقم 7» بالحقيقة ولا يكترثون بالواقع بل على العكس، هاجسهم الأساسي هو الفرار من الواقع الثقيل الجاثم فوق صدورهم؛ مع أن الحدث ينطلق في شكل واقعي جداً مع البطل «مليجي الصغير» الذي بدأت مأساته منذ قدوم رئيس متجهم صارم أصبحت البلاد في عهده «تنام وتصحو بلا حقنة واحدة، بلا سيجارة حشيش واحدة، بلا سطر هيروين واحد».

لذا يجد مليجي نفسه مجبراً على أن يخترع مخدره الخاص، مليجي الذي تتكون شخصيته من عالمٍ وفنان على رغم أنه لم يفلح في أي منهما، يندمج تماماً في مشروعه الجديد وخلق تركيبة تلعب في كيمياء الجسد والدماغ؛ بعد تجارب عدة تنتهي بصنع الوصفة رقم 7 التي يقوم أساسها على نبتة شبه سحرية تنمو في شكل جهنمي وبألوان تجمع بين الأخضر والأصفر والبنفسجي، فيها سبع وردات، وفي كل وردة سبع وريقات، من هنا جاءت أهمية رقم 7 للوصفة ليحمل اسم الرواية، لأن مسار الحدث ينقسم إلى عالم مليجي الصغير قبل عثوره على الوصفة وبعدها.

سيجارة سحرية يركبها مليجي من ميسم الوردة وساقها، حبيبات الطلع، التبغ المفضل وأشياء أخرى، وما أن يدخنها حتى يجد نفسه في مكان يدعى «أرض اللابوريا» التي تتكون من سبعة أقاليم، وتعيش عليها كائنات عجيبة من ضمنها «الحراصيد» الذين يطلقون عليه لقب «أنسون» بدلاً من إنسان. لنقرأ: «بيوت الحراصيد على عكس أجسادهم تبدو كبيرة نسبياً، ومرد ذلك إلى أنهم دأبوا على استضافة الأباشير لأن بينهم نسباً، وفق غندور، الأباشير قوم يشبهون البشر الذين يسميهم الأنسون ولهم أطوالهم نفسها إلا أن لديهم أذناباً ومخالب وأنياباً. أما الحراصيد فهم أهل حضارة، لهم دولة ديموقراطية لكنها فقيرة».

تقوم الرواية على كثير من الدمج والإسقاطات العبثية بين الواقعي والمتخيل، وتوظيف الحكايات في قالب من السخرية والفانتازبا المرة التي تدفع إلى الضحك والبكاء معاً، كما تستمد من الميثولوجيا الدينية بعض النفحات كما في فصل «تحت أرض يأجوج ومأجوج»؛ وتصور مغامرات متداخلة بين اليأجوجيين والمأجوجيين، ومليجي الذي هرب على البراق، مفضلاً السباحة في الهواء على الوجود على يابسة اليأجوجين، يقول:» بعد أن تجاوز البراق اليابسة، وأصبح فوق البحر. نظر مليجي خلفه، كان الحارس الحراصيدي مقتولاً، وفق كتيبة كبيرة من اليأجوجيين والمأجوجيين، وجثته ملقاة إلى جانب جثة سيده غندور بن هنكال».

تظهر في الجزء الأخير من الرواية جزيرة «كابوريا»، والاسم هو عنوان فيلم من بطولة أحمد زكي، مع التنويه بأن الكاتب يهدي عمله لحسن الإمام وأحمد زكي، وخيري بشارة، مخرج فيلم كابوريا، وفي انعكاس يربط بين إهداء العمل والنص تحضر شخصية أحمد زكي في الصفحات الأخيرة، بعد وصول مليجي إلى جزيرة كابوريا، علماً أن فيلم «كابوريا» ومشهد أحمد زكي يغني فيه، هو آخر ما يذكره مليجي الصغير قبل انتقاله إلى أرض اللابوريا «لم يكن مليجي يستوعب شيئاً لكنه كان يفهم في أعماقه أن أحمد زكي مسؤول عن وجوده في أرض اللابوريا، ومسؤول أيضاً عن بقائه أو نفيه من جزيرة كابوريا».

يلتقي مليجي وأحمد زكي وهو أول انسان يلتقيه منذ دخوله في رحلته الهلامية، وتدور سلسلة من الحوارات العبثية بينهما، حوارات عن الرقم سبعة، وأرض اللابوريا، والحراصيد، وكل المخلوقات الغريبة التي قابلها مليجي في رحلته.

وفي حيلة سردية ذكية ومثل كل الحكايات التي ترتبط بالعالم الفانتازي، لا يستطيع السرد أن ينفي ارتحال المليجي الصغير إلى أرض اللابوريا، كما لا يستطيع أن يؤكدها، لكن المليجي بعد عودته يرسم خريطة الأرض التي خاض عليها مغامراته يقول: «كان يجلس في بيته، الساعة أمامه والروزنامة على الحائط تؤكدان أن ما مر من الوقت كان ساعات الليل ليس إلا… لكنه شعر أنه شاخ عشرين سنة بسبب سيجارة الشجرة العجيبة». لذا يبدأ المليجي في تدوين تفاصيل رحلته، ليس أمامه إلا توثيق ما شاهده ليؤكد له أن كل من عرفهم في أرض اللابوريا كائنات حقيقية.

تعود الرواية إلى الواقع إذن في الصفحات الأخيرة، الواقع الذي انطلقت منه مع البلد التي افتقد أهلها المخدر الذي اعتادوا تعاطيه، يجلس البطل في النهاية إلى طاولته ليكتب مغامراته الفانتازية، وأمنياته أن تكون حقيقية، هرباً من الواقع الفعلي الذي يتلاشى هو أيضاً خلف ضباب خدّاع من الوهم، فتتوه الحدود، سوى من رغبة الأبطال في صنع واقعهم الخاص الذي يقدم لهم بعض المسرات، لأن الارتحال في أرض اللابوريا حمل معاناة أخرى، إنها مكان تنطبق عليه المواصفات البشرية أيضاً هناك الأشرار والأخيار، هناك الأصدقاء الطيبون… المخادعون والمبتزّون، أي أن صفات المكان المتخيّل تحمل صفات من الواقع، حيث السلطة والمحكمة، وطبائع الاستبداد عند الحكام، والاستهتار عند الرعاع، والطيبة والعون عند الحكماء. في أرض اللابوريا يفقد المليجي زوجته التي أحبها كثيراً «سنورية» ويعيش ألم فقدها حتى بعد يقظته وعودته من رحلته السرية، لكن الألم يظل يسكن ضلوعه، إنها الحالة التي تشبه ألم التساؤلات بعد كابوس بشع، تحصل بعده اليقظة، هل ما كان حقيقة؟ أم أنه سيكون في وقت قادم؟ أم أن هذا السؤال ينطبق على حال البطل العائد ولديه إحساس بلوعة فراق حبيبته، على رغم وجود مساحة من الشك في كل ما حصل.

أنتجت رواية «الوصفة رقم 7» معالجة إبداعــية للواقع المعاش خارجة عن المألـــوف لتجمع بين الفانتازيا الحديثة، والتـــراث الديني، والأجواء الأسطورية، في تداخــل متشعب مع أنواع أخرى من الخيالات العبثية حيناً، والمتأملة، والباحثة عن ملجأ من الخيال المظلم ومن الواقع في آن واحد.

 

 

مقالات من نفس القسم