أحمد القرملاوي: الكتابة الأدبية تأريخ وتدوين لذاكرة الإنسانية

أحمد القرملاوي
Share on facebook
فيسبوك
Share on twitter
تويتر
Share on whatsapp
واتس أب
Share on telegram
تيليجرام

حاورته: سماح عبد السلام

يوجه الكاتب الشاب أحد القرملاوى نداءً عاماً للبشرية من خلال روايته الأخيرة “نداء أخير للركاب” الصادرة عن الدار المصرية اللبنانية، يدعوهم خلاله للتمهل والتأمل فى قيمة الحياة وإعادة أكتشافها قبل الوصول لنهاية الرحلة، فى نص أدبى كتُب بلغة سلسة يعكس شغفه بالبحث والتجريب وتتبع الحقائق، ومن ثم كان فوزه بجائزة معرض الكتاب فى دورته الأخيرة عن النص ذاته. هنا نلتقي القرملاوى عن روايته الأخيرة وتجربته بشكل عام..
= أى نوع من الركاب وجهت له النداء فى روايتك الأخيرة “نداء أخير للركاب”، ولماذا؟
النداء، كما في مُجمل الأدب المهموم بالإنسان، هو لعموم البشر؛ لأولئك الركاب على متن رحلة الحياة، الساعين خلف طموحاتهم ورغباتهم، الغائصين في همومهم وأزماتهم بوتيرة لا تُتيح لهم رؤية الحياة من منظور أوسع.. نداء يدعوهم للتمهل قليلًا ومحاولة التأمل، إذ ربما تكون الحقيقة على غير ما يعتقدون، أو تكون قيمة الحياة على عكس ما يقدِّرون.
= تطرقت للحديث عن معاناة العمالة غير العربية فى الكويت بشكل دقيق، فهل ثمة بحث أو استقصاء أجريته؟
عشتُ في الكويت أربعة عشر عامًا، رأيت خلالها الكثيرين؛ خادمات وممرضات وسائقي حافلات وبائعين جائلين وعمال وحرفيين، تماست حياتي مع حيواتهم في محطات عديدة، ولا زلت أحمل همومهم وأتأمل ظروفهم إلى اليوم. وبالتأكيد قرأت الكثير أثناء تحضيري لكتابة الرواية واحتشادي لتأسيس عالمها، الكثير عن طبائع هؤلاء المهمشين وظروفهم ومعاناتهم، والكثير أيضًا عن فترة الغزو العراقي للكويت وما ترتَّب عليه.
= العمل الذى لا يحمل ذاكرة يموت سريعاً.. فإلى أى مدى يشغلك وجود الذاكرة فى نصوصك وخاصة أنك تناولت بالسرد الحرب العراقية الكويتية بروايتك الأخيرة؟
في الكتابة الأدبية تأريخ وتدوين لذاكرة الإنسانية؛ تأريخ من نوع آخر مغاير لما تمتلئ به كتب التاريخ، تأريخ لحياة البشر، لاستجابتهم وتأثرهم بما يدور حولهم في عالم مضطرب يتغير باستمرار. قد توقِف الرواية عجلة الزمن عن الدوران بين دفّتَي كتاب، أو تسرد حيوات كاملة في عدد محدود من الصفحات، فتمنح قارئها مهلة مناسبة للتأمل والتذكُّر، أحيانًا للمواساة.
= الرواية مليئة بالحكايات التى جاءت على ألسنة العديد من شخصياتها.. فهل وجدت ضالتك فى الحكاية ولا سيما أن القارئ شغوف بها؟
بالتأكيد. أظن أن البشر حكاؤون في العموم، مفطورون على الحَكي والتغذّي على القصص، بل والتأثر بها والاستفادة منها كأرشيف للقيَم والمعارف كما للمخاوف والمآسي. الناس في البيوت والمقاهي ومحطات المترو يروون الحكايات، لذا فهو سلوك بشري فطري لا تميز فيه، غير أن الروائيين وكتاب القصة يطرحون همومًا وأسئلة تشغل البشر في العموم عبر نصوصهم، وهكذا أفعل منذ شُغِفت بالكتابة، أقحم شخصياتي في ما يشغلني من أزمات وتساؤلات، إذ ربما أستطيع إنقاذهم فأنقذ نفسي من خلالهم.
= كيف تصف علاقتك بشخصياتك وما مدى التماس بينكما؟
هي علاقة مبنية على الحب والتفهُّم والمسامحة؛ ألقي عليهم ظلالًا من نفسي، فأتفهَّم مشاغلهم وأتسامح مع ضعفهم وذلاتهم وحتى مكامن الشرور في أنفسهم. لذلك فالتماس كبير دون شك، حيث أُعالج أزماتي الشخصية وأرأب صدوعي العميقة عبر العوالم التي أختلقها والشخوص التي أزج بها لأروي قصصها.
= نالت روايتك “أمطار صيفية” و”نداء أخير للركاب” جائزتين.. فهل ترى أن ذلك الفوز يشكل أعترافاً نقدياً بكتابتك أم أن للجوائز ذائقة مختلفة كونها نسبية تختلف من لجنة إلى آخرى؟
أرى الأمرَين معًا، فلا شك أن نَيل الجوائز يُعَد اعترافًا من متخصصين وأكادميين بجودة النصوص الإبداعية وتميزها وأصالتها، ولا شك أيضًا أن مثل هذا الحُكم لا ينسحب على جميع النقاد والمتخصصين، فضلًا عن القراء والمهتمين بالأدب في العموم، بل على لجان محددة لها ذوائقها الخاصة ومعاييرها المحددة التي قد يتفق معها البعض وقد يختلف، فهو حُكم نسبي نهاية الأمر ككل عمل بشري تشوبه النسبية والاختلاف.
= هل فوز روايتك بجوائز يحسم انحيازك للروايه دون القصة؟
لا، على الإطلاق. أكتب القصة القصيرة باستمرار، خاصة في الفترات التي تلي فراغي من نص روائي وقبل شروعي في نص جديد. وسأسعى في الفترة القادمة لنَيل الجوائز عن مجموعاتي القصصية أيضًا فضلًا عن الروايات، فأنا أحب هذا الفن السردي وأثق نوعًا في إجادتي التعامل معه. ويسوؤني ألا أجد لدى الناشرين نفس الترحيب بنشر المجموعات القصصية قياسًا بالروايات. مع ذلك لا أتوانى عن كتابة الأفكار التي تناسب القالب القصصي في قصص قصيرة أستمتع كثيرًا بكتابتها.
= تكتب بلغة تستدعى تحويل النص الروائى إلى عمل فنى، فهل تكتب وعينك على الشاشة؟
الشاشة قُبلة حياة للنص الأدبي، تمنحه تذكرة الوصول لأكبر عدد من المتلقين، وتعطيها الفرصة للاستمرار طويلًا في وجدان الناس. لذلك سيسعدني كثيرًا أن تجد نصوصي طريقها للشاشة الصغيرة أو الكبيرة. أما أثناء الكتابة، فمن غير الممكن ولا المعقول أن ينشغل الكاتب بإمكانية تحويل النص لعمل درامي، فالكتابة لن تتدفق منه حقيقةً إلا حين يتماهى مع عالم الرواية وشخصياتها. وعلى ضوء تجربتي، فحالما يحدث هذا التماهي تنقطع صلتي مع أي انشغال أو اهتمام بعيد عن بِنية النص وجملياته.
= ما الذى أفاده عملك كمهندس معمارى فى بناء رواياتك أو العكس؟
استفدت الكثير، حيث تعلمت من ممارستي للهندسة المعمارية أن أنظر لأي مشروع فني وجمالي من عدة زاويا: من زاوية الغاية من إنشائه، والإمكانات الوظيفية والجمالية التي يتيحها ويستفيد منها، كما تعلمت أن أضع خطة مسبقة قبل الشروع في التنفيذ، وأن أضع في اعتباري احتمالية التعديل والتطوير طوال الوقت، كما تمرستُ على الاهتمام بالتفاصيل والتقاط العيوب والمشاكل المحتملة. كل ذلك أفادني كثيرًا في بناء الروايات.
= لديك فلسفة خاصة فى أختيار عناوين أعمالك، فيما تكمن هذه الفلسفة؟
للأسف لا أجد في نفسي هذه الميزة، بل إنني أعاني طويلًا حتى أستقر على العنوان الأنسب للنص الذي أقوم بإنجازه، وعادة ما يتم ذلك بالتعاون والتشاور مع المحرر الأدبي والمدير التسويقي في الدار المصرية اللبنانية التي أتعاون معها باستمرار في نشر نصوصي، لما لهم من خبرة في هذا المجال. ودائمًا ما يكون لديّ عنوان مبدئي أسمّي به النص أثناء الكتابة، لكنه عادةً لا يفي بالغرض المأمول من العنوان، وهو أن يعبِّر عن النص من زاوية تريحني وتجتذب القارئ في نفس الوقت، وأن يثير لديه غريزة التساؤل عما ينتظره وراء هذا الغلاف.
= فى رحلة الكتابة والتجريب ثمة قامات وعلامات إبداعية راسخة فى ذهن أى كاتب.فماذا عن أهم من أثر فى ذاكرتك؟
أكثر من تأثرت بهم من رواد الكتابة العربية هم: نجيب محفوظ وصبري موسى ويوسف إدريس وإبراهيم أصلان وإبراهيم عبد المجيد. أما في الكتابة العالمية، فأكبر الروائيين أثرًا فيّ هم: جابرييل جارسيا ماركيز وجون شتاينبك وألبير كامو وجورج أورويل.
= هل تشعر أن جيلك صنع موجة جديدة فى الأدب؟
أظن ذلك، فجيلي عامر بالمواهب الأصيلة التي لم تحظَ بما تستحقه من اهتمام نقدي ومقروئية. لكني أتصور أن الموجة التي صنعها أبناء جيلي لم تستقر بعد، بل لا تزال تتطاول وتكبر استجابةً لهبوب الرياح من كافة الاتجاهات. وعليه فإن الجيل الذي يحفل بمواهب حقيقية ومتنوعة، لم يصنع تيارًا مشتركًا حتى هذه اللحظة، وربما لم يصل بعد لقناعات مستقرة حول رؤيتهم للفن وكيفية تقديمه والتعامل معه، وليس لدي شك في كون هذا التيار سيتخذ مسارًا أوضح فأوضح، مع كل تجربة إبداعية يقدمها أبناء الجيل المتميزون.
= ما الجديد لديك؟
انتهيتُ منذ فترة من مجموعة قصصية جديدة، سأسعى لنشرها حين يتسنى ذلك، كما أجهز الآن بالتعاون مع الدار المصرية اللبنانية لصدور روايتي الجديدة في الفترة القادمة، وأرجو أن تكون جديرة بتمثيلي وتمثيل جيلي من الكتاب الموهوبين، وأن نجد كجيل توفيقًا أكبر في الفترة القادمة.

………….

*عن “القاهرة”

مقالات من نفس القسم