أحلام طيبة بالقتل

موقع الكتابة الثقافي
Share on facebook
فيسبوك
Share on twitter
تويتر
Share on whatsapp
واتس أب
Share on telegram
تيليجرام

 

تراودني أحلامٌ عن القتل، المرة الأولي قتلت رجلاً بالخطأ، كنا في مكان مزدحم نتشاجر، كان السباب يتطاير في الهواء كأنه ضفادع تتراقص وتسقط من السماء في نهاية ذلك الفيلم الأجنبي الذي لا أذكر منه الآن سوي الضفادع تسقط من السماء، عوضًا عن المطر!

كان الوقت ليلا، والجميع يحاولون فض منازعة ما، كل ما أعرفه أنني كنت طرفًا فيها، ثم أخرجتُ مدية وطعنتُ الرجل في قلبه.

ما تبقي من الحلم ضاع في بحثي عن طريقة لتخبئة جثته، عندما استيقظت كان مزاجي عكرًا جدًا، وفكرت كيف أقتل رجلًا دون أن تكون لدي وسيلة للتخلص من جثته.

في المساء شغلتني فكرة أكثر غرابة، كيف لم يزعجني أبدًا- أنا الفتاة الرقيقة التي يحبها الجميع، وتحب هي القطط والفراشات وتلك الأشياء العادية المكررة التي تحبها الفتيات- أن أصبح قاتلة، هكذا وبسهولة أنام فتاة بريئة طاهرة تحب الفراشات والقطط، وأستيقظ قاتلة؟! كيف أتقبل فكرة القتل ويبقي كل ما يشغلني هو التخلص من جسد القتيل؟!

في اليوم التالي نبت لدي إحساس أنني أعرف القتيل بشكل ما، خاصة نظرته الزائغة وبطنه الكبير المتدلي أمامه، وتساءلت هل أعرف رجلا مثل ذلك؟ وبدأت أسترجع الحلم الذي حدث ليلا في مكان مزدحم برجال يركبون أكثر من "توكتوك" ويدورن حول بعضهم في حركات بهلوانية، ما الذي ذهب بي لمكان مثل هذا؟ ومن كل هؤلاء الرجال؟ كيف أقابل كل هؤلاء الرجال في حلم واحد؟ أنا الفتاة الطاهرة التي لم تدنس قلبها بذكري رجل أبدًا، وبقيت منتظرة ــ حتي أواخر الثلاثين - رجلا سيكتشف الكنز الذي هو أنا، ويشتري علبة من الشيكولاتة الفاخرة- أو حتي محلية الصنع التي تحتوي علي كاكاو وجولوكوز- لكنه علي الأقل سيدخل مكتبة متخصصة في لف الهدايا، ويصنع لفة تليق بعريس يذهب لخطبة فتاة طيبة رقيقة القلب مثلي تصادق الأطفال الصغار عند مدخل العمارات، وتعبر بالنساء المسنات الطريق.

أنا أعرف القتيل، وهو حتما يعرفني، كان يتشاجر معي أنا وسط كل هذا الجمع، وأنا أخرجت مدية من حقيبتي وطعنته!

تذكرت الحقيبة، ظننت أنها كانت حقيبتي البيضاء، أجل كانت تلك هي الحقيبة التي ظهرت في الحلم، قلبت فيها ثم أخرجت كل محتوياتها أمامي علي الفراش، كانت حقيبة عادية ومحتوياتها محتويات حقيبة فتاة عادية طيبة القلب مثلي، لا شيء غير عادي، محفظة أوراقي، وقلم للتوقيع في العمل، كتيب للأدعية أقرأ فيه صباحًا وأنا أركب المواصلات حتي أصل لعملي ويبارك الله لي في يومي، كيس صغير يحتوي علي فوطة صحية من النوع القطني الخاص بالبشرة الحساسة حتي لا تفاجئني زائرتي الشهرية حال أخطأت في الحساب أو نسيت، تذاكر أتوبيس قديمة، ورقة من عند السوبر ماركت مكتوب فيها حساب الأشياء التي اشتريتها لأمي عند عودتي من العمل منذ أيام، لا شيء مريب.

وما الشيء المريب الذي قد يوجد في حقيبة فتاة مثلي طيبة القلب وقنوعة ترضي بما يقسمه لها الله، تصبر علي البلاء ولا تركب أبدًا أي سيارة يقف بها شاب مستهتر في المساء عند عودتها في شارع مظلم في الأيام التي تنهي فيها عملها متأخرًا بسبب مراجعة دفتر الصادر والوارد في محل الملابس الذي تعمل به، والذي يصر صاحبه صاحب النظرة الزائغة والبطن المتدلي، أن تراجع الدفتر معه كل ليلة خميس بعد انصراف الجميع وقبل عودتها لبيتها؟

في الليلة التالية راودني حلم آخر عن القتل،  كنت أقف فوق سطح عمارة، وعلي سطح العمارة المجاورة وقفت فتاة أخري، كنت أشعر بغضب شديد نحو الفتاة الأخرى، وأحاول قتلها، كنت أقذف عليها نجوما من السماء، وقطع سحاب، وأخشاب قديمة موجودة علي سطح العمارة، وبينما أرمي علي الفتاة الأخرى كل ما يقع في يدي، فجأة وجدت أمامي فِراشا أعرفه، إنه فِراش حجرتي كما هو، مجهز كما رتبته قبل النوم، وكانت عليه الملاءة ذاتها.

في الحلم استطعت أن أحمل الفراش بيد واحدة وأطيح به في الهواء ثم أقذفه علي السطح الآخر حيث وقع علي رأس الفتاة الأخرى وقتلها، ثم رفعته مرة أخري وهويت به علي جسد القتيلة، والتي اختل جسدها هذه المرة، وطار من علي سطح العمارة البعيد، عندما وصلتْ للأرض تحولتْ لقطة سوداء متخشبة، في الشارع تجمع الناس حول القطة السوداء المتخشبة ولاحظوا كيف أن شعرها منفوشًا ومتصلبًا كأنها تعرضت لتيار كهربائي.

في هذه اللحظة ظهرتُ في الشارع، وبهدوء اخترقتُ الزحام وصفوف الواقفين وحملتُ القطة وغادرتُ بها.

في الصباح تكرر الأمر ذاته، جلست في الفراش أفكر أنني ربما أعرف الفتاة في الحلم، وملأ قلبي إحساس طاغ بالراحة، إنني تخلصت هذه المرة من الجثة.

فكرت طيلة اليوم- في طريقي للعمل- في أن تحول هذه الجثث لقطط سوداء، أمر لطيف لأنه أزاح عن كاهلي- في الحلم- البحث عن طريقة لإخفاء الجثة، ذلك الإحساس المربك الذي أفسد علي الحلم السابق.

في المساء- وقبل أن أنام- هاجمني إحساس بالذنب، أن كيف لفتاة طيبة القلب ورقيقة مثلي، ولا يخرج من فمها العيب ولا يحتوي عقلها علي أي أفكار فاجرة أو شريرة أن تقتل للمرة الثانية في الحلم؟! كيف لا يجيء ببالي أي إحساس بالذنب وإنما راحة من أن هذا الحلم عالج بتحويل جسد القتيلة لقطة ما عكر صفو الحلم الماضي؟! لكنني لا بد أعرف تلك الفتاة من مكان ما.

ربما علي أن أبدأ بحكي أحلامي للناس، ربما أقصها علي أمي السيدة التي تساندني دائما حتى لو ظلت طوال الليل والنهار تعايرني بتأخر سن زواجي وتسمعني كلمات بغيضة، في النهاية هي أمي وتخاف علي مستقبلي، ربما أحكي لجارتي صديقة طفولتي عن الحلم، هي صديقة عمري حتى لو تغيرت قليلا وتوقفت عن إلقاء التحية علي عندما تقابلني مصادفة علي سلم البيت، وتتظاهر بأنها لا تراني وهي تحمل بيدها طفلًا صغيرًا وتسحب آخر خلفها ومعها زوجها مدرس الألعاب الوسيم الأبيض الذي يشبه محمود حميدة.

ربما سأحكي لعزة زميلتي المخلصة في المحل، تلك التي تحبني فعلا وتفهم طيبة قلبي ونيتي الحسنة، حتى لو وشت بي لصاحب المحل- مرتين أو ثلاث- في أمور لم أفعلها حقا، وتسبب ذلك في خصم كبير من راتبي، سأحكي لهن جميعا فقط لو توقفت الأم والجارة والصديقة عن ارتداء ذلك النوع من المعاطف السوداء التي تشبه شيئًا صعقته الكهرباء فتخشب.

سأحكي لهن جميعا كل شيء، فأنا فتاة طيبة وقنوعة ولا تحمل شرًا لأحد، ربما فقط بعض الأحلام لقتل أناس لا أعرفهم أبدًا.

 ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

 من مجموعة (الجالسون في الشرفة حتى تجيء زينب) تصدر قريبًا عن دار بتانة

 

 

 

 

 

 

مقالات من نفس القسم

موقع الكتابة الثقافي uncategorized 12
تراب الحكايات
عبد الرحمن أقريش

المجنون