آيـةُ النهار

موقع الكتابة الثقافي writers 98
Share on facebook
فيسبوك
Share on twitter
تويتر
Share on whatsapp
واتس أب
Share on telegram
تيليجرام

عاطف سليمان

   طلعَ النهارُ في «أوزير».

   نهرٌ ونهارٌ في حِلْف البهجة كما هما في حِلف الشجن.

   لكأنما النهار والنهر يتمازجان نوراً وعذوبةً من قبل أن تبتدعهما اللغةُ من الجذر ذاته.

   نهرٌ في عنفوانه؛ فيضٌ وطميٌ وغيضٌ، إماتةٌ وإحياءٌ، بأعرافِ العارفين.

   نهارٌ بأولِهِ تعزُّ فيه معرفة القدر اللهم إلاَّ بنبوءةٍ.

   المكان الذي هو كِسرةٌ من كرةٍ، هو أوزير.

   الزمان الذي هو شذرةٌ من دوراتٍ، هو أول النهار، حيث الشمس هي الإله حور.

قصةُ الـمُبالاة على الأرض، وسِفْرُ الخلق في «أوزير»؛ القرية التي ضربها فيضانُ النيل؛ دوَّنها مدوِّنٌ متبصِّر، سليلُ السادة الروائيَّة، سعى هناك، وهو على بيِّنةٍ، ليؤسس مؤسسي «أوزير» الاثني عشر، وانوجدَ في الأمكنة وفي السرائر، على مدى قرنٍ، لحظة بلحظة، يتقصى بمسؤوليةٍ، ويحكي ويروي بصفاءٍ وكأنه حرٌ بالرغم من تقييده لنفسه بتداعيات النبوءة التي وسمتْ الروايةَ منذ أولها بنكهةٍ بديعة.

يُهدي «سعد القرش» كتابه إلى أمه عليها سلام الله، وإلى ابنته الطفلة الوليدة «ملك»، و«يزعمُ» أنه لولا عنادها لكانت هذه الرواية أفضل. أظن أن كُتَّاباً – أنا أولُهم – ممنْ قرؤوا الروايةَ يودون من صميم قلوبهم أن تمنحهم «ملكُ» جلَ عنادها.

تحقق «أولُ النهار» مُتعَ الحكي متوسِّلةً أرقى فنونه وسُبُله، وتدُسُّ نوتةَ موسيقاها الخاصة الضرورية في حنايا سطورها فتكون موسيقى لا تشي بمنبعها. يتفانى المكتوبُ وينجحُ في إخفاء شقاءِ الكاتب وجهادِه وصنعتِه الناضجة حسب الأصول. «أول النهار» هي في كل الأحوال أنصع من حكايتها الساحرة، وأعلى من أن يُرَدَّ تميُّزُها إلى عنصرٍ أدبي مفردٍ يشتمله المصطلح.

ثمة أعمال روائية (وغير روائية) يشعر ويدرك قرَّاؤُها أثناء القراءة الأولى أنها تعنيهم بما يفوقُ العادة، وأنهم سيعودون إليها، وهم يعودون إليها – ككنزٍ – مرةً ومرة، ويتوارثونها، ذلك أنها مغذيَّة روحياً ومُلهِمة دون أن يبدو أنها قد عنتْ أن تكون كذلك، وذلك أنها ذات مددٍ جمالي يتجددُ – وكأنها تنمو – في كل قراءة جديدة، منها في اللغة العربية «الحرافيش» – نجيب محفوظ، و«فقهاءُ الظلام» – سليم بركات، و«أول النهار» – سعد القرش.

علا الضحى في «أوزير»، ومات كبيرُها الشيخُ «عمرانُ» (وكأنه ذو عمريْن)، قُبيل نهاية العمل الروائي، ولعل غيابَه أفجعَ وأحنقَ منْ يؤمنون بالأدب إيماناً مستقراً. يا ليت للكاتب حيلة في شأن الأعمار المحدودة.

   لا يزال – بعدُ – في نهار سعد القرش مواقيت وروايات مخبوءات، ولنا منها وعود بأوقات سعيدة في قراءتها.

………………….

*روائي مصري

عودة إلى الملف

 

مقالات من نفس القسم