“يوميات رجل يركض” لفريد عبد العظيم.. رواية الحيرة المحببة

يوميات رجل يركض
Share on facebook
فيسبوك
Share on twitter
تويتر
Share on whatsapp
واتس أب
Share on telegram
تيليجرام

نهلة عبد السلام

أدهشنى انجذابى من السطر الأول، توحدى مع شخص البطل.. عبودة لاعب كرة القدم.. هذه الرياضة التى تتنفسها الغالبية.. شُغف بها “الأمير وسواق الحمير” هكذا التقطها من الشحرورة بفيلم الأيدى الناعمة ولم أكن قد سمعت بها قبلاً، أما وأنا فمبلغ علمى بها مستديرة يركض خلفها ذوو لياقة بدنية فائقة على بقعة مستطيلة خضراء تسحر الناظرين، وهو ما أعزيه إلى حرفنة الكاتب برغم أنه عمله الثانى بعد روايته الأولى (خوفاً من العادى) والتى بشرت بكاتب حاز نصيبا من اسمه.. صياغة فريدة فى بساطتها رغم ما تطرحه من فكرة ترغمك على التفاعل فالانفعال فالتجاوب معها.. فريد عبد العظيم يلح على قرائه ويورطهم معه وشخوصه.. يزج بهم إلى قلب أحداث لم تعنيهم قبلاً تسارع نبضها أو توقفه إلى الأبد.

كل المباريات وما يتبعها من مولد وأبطاله غائبين.. بالطبع منهمكين بحصد الغنائم أو تبرير الهزائم.. خاصة والسوشيال ميديا تناورهم تارة بكوميكس ساخر موارب وأخرى بتعليق فج مباشر.. يصير فريق فى الجنة وفريق فى السعير.. وأنا على الأعراف متابعة فى صمت.. المهم حين اللعب وحين الحساب وحتى مع حيازة الكأس أو اللعنات فلا فارق لدى.. سيرة عبودة انتزعتنى من دكة الاحتياطى لتزج بى إلى الملعب.. عبد المعبود ابن صلاح عبد المعبود.. الكابتن عبودة أغوانى!.. فهى سابقتى الأولى باستخدام مفردات تنتمى إلى القاموس الكروى!

وصلاح عبد المعبود على دين آبائنا.. دينهم الذى ينهانا عن الميل مع هوانا.. الخضوع لموهبتنا والإخلاص لشغفنا.. حتى أنهم يتكتمون على زلاتهم يوم كانوا عوداً أخضر.. قبل أن يجف طموحهم وتتيبس أحلامهم.. تتكسر على رصيف إنتظار مالا يجيء.. مالا يقع.. مالا يبل رمقهم ويسد جوع بطون من فى رقابهم.. فتبتلعهم “نقرة” حرفة أو “دحديرة” وظيفة.. وتنقضى أعمارهم مختنقين بأثواب دون مقاساتهم.. ومع ذلك يدعون الراحة ويلحون على آخرين بإتباعهم وكأن المشرحة ينقصها قتلى.. أو ربما المشرحة كجهنم طالما ترحب بالمزيد، هذا ما ستكشفه اعترافات عبودة.. فضفضته والتى ربما يوجهها إلى سراب دفعه ظمأ الوحدة إلى اختلاقه.. شخص توسم فيه الإنصات.. الإنصات وحسب.. فلا جدال في الحكى ولا مواربة حين التدوين.

فريد عبد العظيم أسلمنا إلى حيرة محببة.. حيرة لا تقطع الشك فتتيح فرصة لولادة يقين.. يقين متشبث بأمل فى البوح ولو على استحياء بعدما حُرمنا الصراخ على  إثر نوائب أفقدتنا حناجرنا.. استساغتنا للزيف.. التهليل والتصفيق له على إعتباره قطعة أصلية برغم أن لا توقيع يقر بهذا.. يتكفل الصخب بإقناعنا بأن لب الإعجاز فى ترك مهمة الإثبات للجماهير.. وفرد يبدأ التهليل قطعاً سيتبعه الجميع.. بالطبع ليس أى فرد.. هو فرد بمثقال ألتراس.. مريدون يتزاحمون بالمدرجات وعشاق يتحلقون حول الشاشات.. ومن ثم هتاف يصم ورايات تحجب فينبت زيكا.. من لا ناقة له ولا جمل فى الكرة.. يدفع والده كرسيه المتحرك إلى الملعب.. والده والذى لابد من يوم راحل فيه عن الكرة.. الكرة الأرضية.. لذا لابد من وريث.. وريث كى يبزغ نجمه لابد وأن ينطفئ ماعداه من نجوم.. هذا مصير الخاضعين أما ومن يشجب ويندب ويستنكر فمآله إلى الحرق.. حرق المدرب الذى لا يُقهر عبودة.. وصمه بإضرام النيران بأمه حتى قضت وأخيه رضا حتى أستند إلى عكاز وأخته سماح حتى تشوهت فذهبت فرصتها فى الزواج.. وأخيرا أبيه والذى قتله عمداً ثم ركن إلى جثته حتى أنتفخت.

فريد عبد العظيم يسلمنا إلى حيرة تلو الأخرى تسليم أهالى.. رواية أشقائه ربما ملفقة وربما صادقة وربما وربما.. لن تسلم من إعمال عقلك كمحقق محنك من بدء السيرة وحتى ختامها.. وحتى هذه يمكن تسميتها سيرة أو إعتراف أو دفاع أو أو.. أرهقتنا يا فريد.

سؤال آخر: هل اختيار اسم رضا له علاقة بشخصه الناقم على أخيه.. غيرته منه واستغلال نجاحه فى آن، وهل اسم سماح جاء ليصدمنا بمكنون الكراهية والحقد لدى هذه المرأة والذى يلحق بكل من يقربها حتى ولو كان صغيرها عبودة والذى حمل اسم خاله وقت كان يمنح بسخاء فلا تبالى بمحاكمته، وهل مارسيل بريئة وضحية غيرة النساء كما يحاول عبودة إقناعنا طيلة الوقت بإلباسها ثوب الطهر والعفاف.. هذا رغم إجماع رواية الآخرين على النقيض.. ربما عوضته عن مشاعر أمومة أفتقدها وقسوة أخت رضعها عوضاً فوجد فى مارسيل ضالته فتغاضى، وهل مايكل لم يبرأ من شعور الإضطهاد حتى مع إحراز بعض الأهداف.. هو الذى لا يملك سوى موهبة اللعب على أوجاع البشر والإتجار بها.. إذن فهى بضاعته التى يتربح منها، أم أن رفض الآخر حقاً يتوارى خلف قناع الوحدة الوطنية بينما لا نتورع عن تكدير بعضنا بل والتكفير.. وبالنيابة عن الله تنكب وجوه فى النار غير عابئين بمظهرنا أمام “خلق هوه” ولا تبعاته على من هاجروا منا إلى أرض الله الواسعة.. أرض غدوا فيها هم الأقلية، هل حاتم تمراز استخدم عبودة ليدلف إلى قلوب قاطنى حيه الفقير ومن ثم يتربع تحت قبة البرلمان.. أم أن عبودة من استخدمه حين أنتشله من مكب القمامة الذى يلعب فيه كهاوى لا أكثر ليدفع به إلى نادى الريفيين.. هل يُعد أيقونة حظه التى ألحقته بالنادى العريق.. هل وهل وهل.. أرهقتنا وأمتعتنا يا فريد.

 

  

مقالات من نفس القسم