وحيد الطويلة: تجدّد الرواية المصريّة

ياسر الزيات يحتفي... بالفناء
Share on facebook
فيسبوك
Share on twitter
تويتر
Share on whatsapp
واتس أب
Share on telegram
تيليجرام

محمد خير

مثل حدوتة من ألف ليلة، أغنية ريفية، موّال واقعي، صاغ وحيد الطويلة روايته «أحمر خفيف» («الدار» ــــ القاهرة)، مزيجاً من أشكال الحكي السهلة والصعبة. رواية متعددة المستويات، غزيرة الأبطال، متفرعة الحكايات، مسلية وحزينة لا تخلو من الأمل. 

ووسط كل ذلك، لم ينس أن ينسج لغة الحكي من شعر المجاز الشعبي وبراعم اللغة: «حظ العويل عويل، وهو حظه أسود من يومه، أنجبه أبوه بالعافية في آخر رمية زهر، من امرأة فاتها الزهر، في زمن يمشي للخلف، لكنه يقطر أنفة ويزيد، يبرق في ليالي المآتم والأفراح، والدنيا واسعة وإن ضاقت». السطور السابقة من حدوتة الشيخ فرج الذي كان أبوه عبداً أعتقه محروس. والأخير هو بطل الرواية، لكنّه بطل لا يغادر فراش المرض، يترنح في غيبوبته منادياً على أرواح الراحلين والبعيدين، لا يموت ولا يطيب، والأهل يملأون طرق المستشفى، والنعش على الباب لا يمتلئ ولا يتزحزح، والطبيب قاتل متخفٍّ، يتحيّن الفرصة لقتل المريض النائم «لكنه سيموت، سيموت، وروحه الآن حتماً بين السقف والشباك (..) اتركه يموت». يحاور الطبيب نفسه ويهتز في يده المحقن القاتل، يكاد ينطق السؤال الهاملتي الشهير: أيكون «قاتلاً» أو لا يكون؟ ذلك أنّ «موته بيدك غير موته ربانياً». حول مستشفى المريض يتوقف الحال. الناس في انتظار ما سيجري، لكن لا شيء يحدث والبشر حكايات هائمة: إنصاف، عزيزة، أبو الليل، الفناجيلي، العناني، عبد المقصود، غزلان وغيرهم من شخوص تنبض بالحياة على حواف الأسطورة الشعبية، حواديتهم تتداخل في حنكة روائية لا تكتفي باندفاع السرد المتوالي، تزيّن الرواية بإسقاطات واقعية لا تنتهي، القرية المجاورة عدوانية تحاول انتزاع زعامة المنطقة، نكاية فيها أطلق عليها الفلاحون اسم «عزبة إسرائيل» ومنها جاء القاتل المأجور. محاولة قتل محروس ليست مسألة ثأر فحسب، ولا أموال ولا تنافس، القتل أكبر من هذا كلّه. والكل أكبر من مجموع أجزائه، وإخوة محروس يحترقون جميعاً في ليلة غفلة، يتزوج نسوتهم الثلاث، لكن «العيال» أصبحوا الآن بلا أب، بينما الموت والملائكة والشياطين والسحر جميعها كائنات لها قوة الواقع، ووضوح الشمس. في ظل مشهد روائي مشغول بعشوائيات المدينة، تأتي «أحمر خفيف» من قلب الريف عملاً بديعاً ومحكماً وتجربة تحمل شيئاً من التنوّع والغنى إلى المشهد الروائي المصري.

 

عودة إلى الملف

 

مقالات من نفس القسم